يمكن القول ان ملامح عظمة القيادة في شخص الامام الحسين (ع) قد رسمتها ثلاثة أطر وهي كما يأتي:
الاطار الاول : وهو ما بينه الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم الذي هو هدى للمتقين ، حيث حددت الآية 33 من سورة الاحزاب (اية التطهير) (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، وبهذا فان الامام الحسين (ع) قد أذهب الله عنه الرجس وطهره ، وهاتان الصفتان (اذهاب الرجس والتطهير) تجعل القائد لا يعتمد في رسم ملامح القيادة على ضوء الاسس والمبادئ الدنيوية التي تعتريها طلب الرئاسة لحب الدنيا والسلطة والتسلط لا لتنفيذ عدالة السماء من خلال ممارسة السلطة ،فلا يختلف اثنان على كون ذلك من رجس الشيطان لكونه من مقدمات الخطيئة وقد ورد في الحديث الشريف (حب الدنيا رأس كل خطيئة) .
من هنا يتضح ان الامام الحسين (ع) عندما تصدى لقيادة الامة من خلال عياله وثلة الاصحاب الميامين الذين كانوا معه في كربلاء كانت قيادته على اساس الاطار الذي رسمه وحدده الخالق تعالى المستند على تحمل الرسالة الانسانية في الاصلاح على ضوء هدى القران ، وأنه ليعد من سفاهة الرأي ان لا يكون من أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا ليس تقي أو مؤمن، وما دام ذلك فأن الامام الحسين (ع) لا يتصرف الاٌ على ضوء هدى الله من خلال القران الكريم كما ورد في الاية 2 في سورة البقرة (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) . لذا فان هذا الاطار قد سد الطريق على كل من يحاول ان يصور ثورة الامام الحسين (ع) على انها حركة انقلابية لأغراض الوصول الى السلطة طمعا بها وحبا الى الدنيا.
الاطار الثاني : وهوما حدده الرسول الاعظم (ص) خلال سنوات حياته الشريفة ، حيث مما لا شك فيه وبالأجماع ان الرسول الاكرم ( ص) صادق أمين لا ينطق عن الهوى ، ولهذا فان الاخبار المتكرر من قبل الرسول الاكرم (ص) بنهضة الامام الحسين (ع) ويأمر بنصرته ، كما ورد في كتاب ينابيع المودة لمؤلفه سليمان الحنفي القندوزي ، وفي كتاب تاريخ البخاري ،كتاب تاريخ ابن السكين عن أشعث بن سحيم عن أبيه سحيم عن أنس بن الحارث ، قال سمعت رسول الله (ص) يقول (( أن ابني هذا (يعني الامام الحسين(ع) ) يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك منكم فلينصرنه). ومن هنا كان أنس بن حارث رضي الله عنه أمينا على ما سمعه من النبي الاكرم مطيعا وقد خرج وأستشهد مع الامام الحسين (ع).
كما ان بكاء الرسول الاكرم على مصائب ولده الحسين قبل وقوعها قد تواترت فيها الاخبار من طرق الشيعة والسنة واشهرها ما أخبره الرسول الاكرم لأسماء بنت عميس ( كما روى الحمويني في الجزء الثاني في الصفحة 103 من فرائد السمطين، وما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، والسمهودي في جواهر العقدين ، والنيسابوري في المستدرك في الجزء الثالث في الصفحة 176 ) . لذا فان الرسول الاكرم(ص) قد شدد على رسم ملامح القيادة في شخصية الامام الحسين من خلال هذا الاعلان المتكرر عن نهضته ووجوب نصرته ، لذا فان هذا الاطار قد سد الطريق ايضا على كل من يحاول ان يصور ثورة الامام الحسين (ع) على انها حركة انقلابية لأغراض الوصول الى السلطة طمعا بها وحبا الى الدنيا.
لقد قدم الرسول الاكرم صورة بهية عن ملامح عظمة القيادة عند الامام الحسين (ع) عندما يقول ( حسين مني وأنا من حسين) ، حيث الاشارة الواضحة لتوحد الهدف الذي يتكفله الحسين مع هدف الرسالة التي تكفلها الرسول الاكرم (ص) ، من هنا لا يمكن التشكيك بحركة الامام الحسين (ع) لكونها متوحدة ومترابطة مع حركة الرسول الاعظم (ص) في هدف انقاذ البشرية حيثما يعتريها الضلال . وعليه فان الرسول قد سد الطريق ايضا على كل من يحاول ان يصور ثورة الامام الحسين (ع) على انها حركة انقلابية لأغراض الوصول الى السلطة طمعا بها وحبا الى الدنيا.
الاطار الثالث: وهو ما حدده الامام الحسين (ع) بنفسه لرسم ملامح القيادة ولعل مصاديق هذا الاطار قد تكررت في مواضع كثيرة تبدأ من خطبته عند الخروج من مكة حيث قال( الحمد لله وما شاء الله ولا قوة الا بالله وصلى الله على رسوله وسلم ، خط الموت على ولد ادم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما اولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخير لي مصرعا أنا لاقيه) وقد قال قولا واضحا فيصلا لا لبس فيه (من كان باذلا فينا مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا ، فأنني راحل مصبحا ان شاء الله تعالى) ، ان الامام الحسين (ع) في قوله هذا قد حدد مواصفات من يرحل معه ويقاتل وأعلن بكل وضوح أنه سيقتل ولم يعدهم بمغنم أو مكسب أو سلطة كما يفعل كل القادة عندما يريدون الخروج للقتال. وهذا الموقف من الرسائل المتقدمة التي بعث بها الامام الى الامة لتكون على بينة من الحقيقة التي سيعمل الظالمون على طمسها وقلبها وتصوير الموقف على انه خروج من أجل طلب السلطة والرئاسة لأجل الدنيا ، ثم انتقل الامام الى صورة اخرى من صور القيادة الواعية عنما خطب الامام (ع) في اصحابه وهو في الطريق الى كربلاء عندما أبلغهم باستشهاد الامام مسلم بن عقيل (ع) ولم يكتم ذلك عنهم وقال لهم (من احب الانصراف فلينصرف من غير حرج ليس عليه ذمام ) وهنا يؤكد الامام مرة أخرى على دوره القيادي من خلال القراءة الواعية لمستقبل الامة حيث يرسل للامة رسالة اخرى لسحب البساط من تحت ماكنة الاعلام الاموي المعتمدة على قلب الحقائق وتصوير الثورة الحسينية على انها حركة ضد السلطة من اجل السلطة كسلطة، حتى أصبح ذلك من سفاهة الرأي حيث لم يجبر الامام الحسين (ع) ولم يحاسب احدا على الالتحاق والرحيل معه للقتال كما يفعل قادة الجيوش عندما تخطط الى المعركة.
ثم يقدم الامام رسالة أخرى ليتجاوز فيها الامة الاسلامية الى الانسانية كافة ويمارس بشكل عملي أسمى السجايا الانسانية عندما يأمر اصحابه بسقي جيش اعداءه بقيادة الحر بن الرياحي وشمل السقي حتى الخيول التي كان يستخدمها الاعداء بعد ان اخذ العطش منهم مأخذه ( وكيف لا وهو ابن المولى علي (ع) حين امر اصحابه بفسح المجال لسقي جيش معاوية وخيوله في معركة صفين وكان ممكن ان يتركهم صرعى العطش ويفتك بهم ) ، فأي عقل سخيف هذا الذي يعتقد ان الامام كان طالبا للسلطة والرئاسة من اجل حب الدنيا وهو ينقذ حياة من كانوا يمتلكون السلطة والرئاسة ، نعم لان هذه العقول السخيفة الحاقدة يغيضها ان تعترف بحقيقة ان الامام الحسين اماما للإنسانية اجمع منصبا من الله تعالى وهو يعي ويدرك دوره الرسالي تجاه الانسان والحيوان والجن والاشياء المادية الاخرى في كال عصر ومكان.
يمضي الامام الحسين (ع) قدما في تجسيد عظمة قيادته حيث يخاطب الاعداء الذين تجمعوا لقتاله في الطف مرارا وتكرارا ويبين لهم الحقائق ايمانا منه (ع) بدوره الامامي في خلق الله بضرورة ووجوب السعي الدائم والحثيث من أجل انقاذ البشرية من الضلال والاخذ بهم الى الهدى اولا ولكي لا يدع لهم الحجة في ما بعد عندما يواجهون مصيرهم في الدنيا والاخرة، وليؤكد على ان السلم والسلام هما من الركائز الاساسية في بدء الاصلاح وديمومته ، وقد جاءت كلماته تشق عنان السماء لتمتد في الافق اللامتناهي منذ العام 61 للهجرة في صياغة القانون ( الا من ناصر ينصرنا) ، فان الامام قد جمع في هذا المقال حكمة زمانه وما تلاه حتى قيام الساعة ، ولتوضيح ذلك ان الامام عندما خاطب الكفار من بني امية ومن تجحفل معهم بشكل مباشر في طف كربلاء سنة 61 للهجرة كان يدرك انهم متخاذلون ولن ينصروه وفق مفهوم النصر العسكري وهو لا يطلب النصرة بلحاظ الضعف والاستكانة وحاشاه ذلك ( حيث قال معلنا ان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين ،بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس ابية أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) ولكنه اراد بهذه المقولة ان تصبح قانونا يرافق الزمن لتكون نصرة الحسين تتجلى بادراك اهمية ومغزى واهداف الثورة وما تضمنته من الجوانب الانسانية والمواقف الايمانية وتحمل المهام الموكلة للإنسان في التصدي للضلالة والانحراف.
في ليلة العاشر من محرم جمع الامام اصحابه وأذن لهم بالذهاب وان يفترقوا عنه تحت اجنحة الظلام حيث أكد ان القوم يريدونه شخصيا ولا يريدون غيره، وبهذا فانه (ع) جمع كل ملامح عظمة القيادة عندما جعل اصحابه يتبارون في توطين انفسهم للقاء ربهم تعالى، فأي قائد هذا الذي يطلب السلطة بلحاظ المفهوم الدنيوي للسلطة وهو يطلب ممن يعاونه على الحصول على السلطة أ ن يتخلى عنه ويتخذ من الليل سترا له. ألا سفهت عقولكم أيها الامويون .
لقد بالغ الامام الحسين بإرسال رسائل عظمة القيادة الى يومنا هذا ، حيث لم يشهد كل التاريخ ان شخصا في خضم لهيب المعارك ومثقلا بالجراح وقد تقطعت احشائه عطشا يقدم فرسه عليه لشرب الماء ويسقيه حينما توافرت فرصة غير مريحة لشرب الماء بعد ان أزاح جمع الكافرين عن مصدر الماء ليشرع قانون حقوق الحيوان قبل 1379 سنة دون الحاجة الى برلمان ولجان واجتماعات ، بل شهد التاريخ مرات ومرات ان اشخاصا قد مردوا على تجويع وارهاب وقتل الناس من دون حق حفاظا على السلطة والمنصب.
سأبكيك سيدي الحسين لأننا فقدناك اماما مصلحا وقائدا ربانيا للإنسانية أجمع ، أبكيك سيدي لان بهائم الامة العربية الاموية الرعناء قد أضاعت (كعادتها عندما حاربت جدك واباك عليهم صلوات الله)على الانسانية فرصة الرقي والسلم والسلام والتطور والعلم والحياة الامنة السعيدة ، سأبكيك سيدي الحسين لأني أدرك تماما أن البكاء عليك بشرطه وشروطه يدخل الجنة ،ولكن عذرا سيدي الحسين لقد قصرت بالشرط والشروط بفعلي وتقصيري حيث ما كلٌ لساني التافه من التطاول على الناس غيبة وبهتانا ، وحيث تسارعت أقدامي نحو الرذيلة والباطل والمعصية ، وخارت قواي فأستقوى علي الشيطان فزين لي الدنيا ودناءتها، ولكنني أعاهد الله ربي وأعاهدك يا سيدي ومولاي سأعمل بتوفيق ربي لما من اجله قلت ( الا من ناصر ينصرنا ).... سلام عليك يا سيدي الحسين وعلى أخيك سيدي العباس (ع) وعلى الائمة من ولدك الاطياب وعلى الارواح الطاهرة لأصحابك التي حلت بفنائك .