واقعة الغدير وخطبة الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع خطبةٌ تاريخية أجمع عليها كل فقهاء المسلمين والمؤرخين من العامة والخاصة، وذكرها رواة الحديث على اختلافهم بالإجماع (الغدير للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني) .
أختلف البعض في تفسير خطبة خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بـ"غديرخم" التي حضرها أكثر من 120 ألف حاج، لكنهم اتفقوا على ما جاء بها من إن أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) هو المقصود بتلك الخطبة دون غيره.. وإنهم اتفقوا عليها ولم يذكر أي واحد من المسلمين أن الخطبة جاءت في غير علي (عليه السلام)؟
بغية وضع النقاط على الحروف لابد من تحليل نص خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله) التي ألقاها على المسلمين في (غدير خم) وهي قوله (ص): "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأنصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار"( أخرجه الامام احمد بن حنبل في مسنده ج 1 ص 119):
1- لقد جعل الرسول (ص) للامام علي (ع) المقام الذي جعله الله سبحانه وتعالى له.
2- إن النبي (ص) أراد بـ"المولى" الامام .
فلا أحدٍ من الصحابة ورواة الحديث قد شذ عن الاتفاق عليها فقد أجمعوا كلهم بأنها وقعت بغدير خم في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة للعام العاشر من الهجرة (632) م... كما ذكر نصها في (الصواعق المحرقة لابن حجر العسقلاني ص 25).
وذكر الطبراني في (المعجم الكبير) بسندٍ صحيح عن زيد بن أرقم... وعن حذيفة بن أسيد الغفاري.. قال:خطب رسول الله (ص) بغدير خم، تحت شجرات.. فقال (ص): (أيها الناس، يوشك أن أدعى فأجيب.. وإني مسؤول، وإنكم مسؤولون.. فماذا أنتم قائلون؟)
قالوا: نشهد أنك قد بلغّت.. وجاهدت.. ونصحت.. فجزاك الله خيراً.. فقال (صلى الله عليه وآله): (أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وإن محمداً عبده ورسوله.. وان جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حقٌ بعد الموت، وإن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها.. وإن الله يبعث من في القبور؟).
قالوا: بلى نشهد بذلك
فقال (ص): (اللّهم أشهد) ثم قال (ص):"يا أيها الناس إن الله مولاي.. وأنا مولى المؤمنين.. وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه، فهذا عليٌ مولاه... اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه..".
وروى ابن عباس إن الله أمر النبي (ص) أن يخبر الناس بولاية علي فتخوف أن يقولوا: حابى ابن عمه، وان يطعنوا في ذلك عليه. فنزلت الآية في غدير خم " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" – المائدة 67، فأخذ بيد الامام علي وقال (ص): "من كنت مولاه فعلي مولاه..." - مناقب الخوارزمي ص 94.. ورواه النسائي في الخصائص وابن الجوزي في المناقب.
ويؤكد رواة الحديث والتاريخ بان الرسول (ص) لما فرغ من خطبته بايع من حضر خطبة الغدير علياً بالخلافة بعد الرسول وبإمرة المؤمنين (الامام علي جدل الحقيقة لمحمود محمد العلي).. فجاء الشيخان: أبو بكر وعمر الى رسول الله (ص) وقالا: هذا أمرٌ منك أم من الله ؟ فقال النبي (ص): وهل يكون هذا عن غير أمر الله سبحانه وتعالى، نعم أمرٌ من الله ورسوله فقاما وبايعا، فقال عمر لعلي: "السلام عليك يا أمير المؤمنين بخٍ بخٍ لك لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة" - أبن كثير في النهاية: 7/386 وكذلك أكثر من (68) من كبار رواة وعلماء العامة في مختلف كتبهم منها الصحاح والبخاري.
لابد هنا من التأكيد أن "واقعة الغدير" تنطوي بعنوانها كميثاق للأمة المحمدية ودستورها القرآني الأصيل، على خصوصيتين مهمتين:
* الأولى: ظرفيتها، حيث تزامنت مع آخر لحظات الرسالة الخاتمة وتجلت من خلالها أرقى حقيقة وجودية ألاّ وهي " الولاية "؛ وكان لسان الحال فيها يؤكد أن "لا دين بلا ولاية "؛ لأنّ الدين المفرَّغ من الولاية ماهيته مغايرة للحق والقانون الإلهي، ويسير بالأمة نحو الإنحراف والنفاق والمكر والتكفير والخديعة التي أبتلي به المسلمون على طول تاريخهم حتى عصرنا الراهن .
* الثانية: مصداقها، وهو "ولي الله" المتصدي للدفاع عن حريم هذه الحقيقة الدينية والمتجلي في شخص من فدى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه، وبات على فراشه، وقاد جيشه في المعارك والحروب، وقتل صناديد العرب الكفرة والفسقة الفجرة، رافعاً لواء الاسلام المحمدي الأصيل وصبر على أذى كبار القوم وجهلائهم ومنافقيهم حتى أريق دمه الطاهر (ع) على يد الفرقة التكفيرية الضالة الشقية وهو قائم يصلي في المحراب .
مفهوم القيادة الذي جسدته "واقعة الغدير" يُمكّن الأمة الإسلامية من صياغة وجود يقيها الضياع، ويشدّ على يدها مؤمناً لها المسير على صراط مستقيم، يضمن لها أطرا سليمة وقوانين إسلامية كانت قد هجرتها ردحًا من الزمن، رغم تحذيرات نبيها فعن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في خطبة حجة الوداع: "... لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ....
سرعان ما أنكرت الجماعة وجحدت حق الوصي الامام علي عليه السلام وغصبوا الخلافة منه لعقدين ونيف، فأعوجت الأمة ومرقت المارقة وأزفت الآزفة ونعق الناعقون في النفاق والفرقة والجهالة والتحريف ضالين مضلين مكفرين لهذه الفرقة وتلك، كبلاء عظيم أبتليت به الأمة يحرقون ويقتلون ويدمرون ويسلبون وينهبون ويتوارثون الحكم جاهلية بقبضة حديدة وفرعنة وطغيان وديكتاتورية .
وقبل أن ينفض الناس عن "غدير خم" هبط الأمين جبرائيل على نبي الرحمة والمحبة بقوله تعالى:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا"- سورة المائدة الآية 3، اتفق على هذا ثقات رواة الحديث (علي إمام المتقين لعبد الرحمن الشرقاوي) في نزولها بحق "يوم الغدير".
وذكر أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) واقعة الغدير بعد حين في خطبته (الشقشقية) التي قصد فيها تثبيت حقه للمسلمين، وللتاريخ.. فكان له ذلك دون شك أو ريب، بعد أن رأى فرصة إظهار الحق قد تحققت وآن أوانها..(ماذا تعني كلمة (مولاه) في حديث الغدير؟! لعبد الحسين الدعيمي).
طالما وصل الدين الى كماله في "واقعة الغدير"، فتبعاً تكون "بيعة الغدير" محوراً كماليا للأمة جمعاء وضربة قاضية للمشركين والكفار والمنافقين والتكفيريين ومن سار على ديدنهم، وفي الوقت نفسه إغلاقا لباب الاعتذار أمام من سوّلت وتسوّل له نفسه تزييف الحقائق.. قالت سيدتنا فاطمة الزهراء عليها: "... وهل ترك أبي يوم الغدير لأحدٍ عذرا ..."؟!؛ فأن كانت الأمة جمعاء متمسكة ببيعة الغدير لما كانت تشهد ما تشهده اليوم من دمار وقتل وويلات ونحيب وتمزيق ونهب للثروات وقطع للرقاب وتفخيخ وتفجير للأبرياء والسجون مكتظة بالأحرار والعلماء والناشطين والدعاة المؤمنين و....