للعملة الحديدية نكهة ٌُمغمسة بأخر سنوات عراق ماقبل الحروب.بها كنا ننتظر "وهيب"وعربة الشلغم وهي تشق عكد الكرد من بعيد .نلتف عليه طابورا صغيرا .بخمسة فلوس أو عشرة، يدس اليك قطعة شلغم ملفوفة بورقة مجلة او جريدة ومااكثرها في ذلك الزمن.نستمتع بطعم الشغلم الحار الذي يُدفىء ايدينا المثلجة من لعب "الدعبل" وهناك متعة اخرى ننتظرها "شقندحيات " ذلك الرجل,فضاء الحي يتسع للكثير من الالعاب ,ومنها لعبة "الدكة" لعبة قمار لكنها بريئة بحجمنا ,يضع كل منا عشرة فلوس على وجه "الطرة او الكتبة " ثم يضربها اول اللاعبين بريع دينار حديدي"صول" اذا قلبها على وجهها الاخر تصبح حصته.مقامرون صغار. لكننا لسنا كالمقامرين الكبار , اؤلئك من ادخلونا بعد اشهر الى حرب اكلت ابائنا واخوتنا ,وامتدت يدها لبعضنا رغم اننا صغار,مقامرون ببراءة متناهية,لم نحسب يوماً اننا سنكون رماداً لمتتاليات من الحروب,واليكم بعض من مصائر المقامرين الصغار,نظير ,هُجر الى ايران_عقيل _قتل في قصف القوات الامريكية في الكويت .واخيه علي كان ضحيةً من ضحايا الانتفاضة في محاجر الرضوانية.نصير ربما صار طعاماً في بحيرات الاسماك كما اشيع عن مفارم اللحوم البشرية ,واخرون ,قتلتهم الامراض المبكرة والحوادث .
اي ,طاحونة موت,لاتتوقف دواليبها,دلني على موعد للفرح ,وعلى تاريخ توقف فيه الموت ,حتى بدا تاريخ اخر لموت جديد,حتى مواعيد نهاية الحروب لم تعد تشكل شيئا ,لاننا ادمنا على ولادة حروب من رحم اخرى.
انقرضت الفلسان والدراهم وحتى الدنانير الحديدية ,وانتهى معها جيل المقامرين الصغار,ومازال اغلبنا يقدس المقامرين الكبار.
لاتنسوا_8_8_1988 كانت موعداً لنهاية طاحونة موت وبداية لطاحونة أكبر ، طواحين الموت تتوالد هنا..