بعد سقوط النظام البعثي عام ٢٠٠٣ وشعور المواطن العراقي بفسحة من الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي ، كانت لي مراسلات ومساجلات مع سماحة الشيخ محمد باقر الناصري وهي عبارة عن استفتاءات تتناول جوانب مختلفة ، منها في أمور الفقه والمعاملات ومنها بخصوص الوضع السياسي والاجتماعي ، وكنت أبعث له رحمه الله بواقع مرة في الأسبوع عن طريق مكتبه الخاص في مسجد وحسينية أهل البيت ؛ وكانوا يوصلوها له بكل أمانة فيجيب على كل تساؤلاتي واستفساراتي بكل رحابة صدر بدون كلل أو ملل حتى إني أتذكر في أحدى المرات أخبرني أحد الأخوة في المكتب أن الشيخ يبلغك السلام ويطلب منك أن تترك مساحة كافية بين كل سؤال وآخر ليتسنى له الإجابة بشكل تام ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سماحة نفسه وتواضعه رحمه الله ؛ واستمر هذا الحال لعدة سنوات علماً إني كنت أصلي خلفه ولم أخبره يوما إني أنا من يُرسل له تلك الاستفتاءات على الرغم من أن بعضها يتضمن أموراً حساسة سواء على صعيد الأوساط العلمية والحوزوية أو الأوضاع السياسية ، ولكن في آخر مراحل تواجده في المسجد لأداء الصلاة كان يتحدث ذات يوم بعد صلاة العشاء عن حالات غير صحيحة في المجتمع تخص سلوكيات بعض الأفراد ممن يخدعون الناس بإسم الدين وكرامات أهل البيت ، وبعد أن أتم كلامه اقتربت منه وسلمت عليه ثم أبلغته بأني أنا من يُرسل له تلك الاسئلة الكثيرة والتي يجيب عنها جميعها فشكرته كثيرا ، فرأيت الابتسامة علت وجهه الشريف وهو شكرني ايضا وقال لي استمر على هذا النهج في التحري والبحث فإن طلب العلم ومجالسة العلماء ومزاحمتهم أحب عند الله من الضرب بالسيف جهادا في سبيله ، فرحمه الله وأسكنه في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر.