بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1}
تستهل السورة الشريفة مخاطبة النبي الكريم محمد "ص واله" ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) , المتفرد بالألوهية والربوبية .
اللَّهُ الصَّمَدُ{2}
تستمر الآية الكريمة ( اللَّهُ الصَّمَدُ ) , يختلف المفسرون في تفسير او معنى ( الصَّمَدُ ) , فمنهم من يرى :
1- السيد المقصود في طلب وقضاء الحوائج , وعلى هذا الرأي تتفرع عدة معاني اخرى للاسم الشريف :
أ) العالم بكل شيء : كونه جل وعلا السيد المقصود والمرجوع اليه في كل الحوائج لا يمكن الا بعلمه بجميع الامور والاشياء .
ب) الحليم : كونه جل وعلا السيد المقصود والمرجوع اليه في كل الحوائج يقتضي الحلم , وعلى هذا المنوال والمعنى يتفرع ويشمل كافة الاسماء الحسنى .
2- المستغاث به عند المصائب .
3- هو الباقي بعد فناء الخلق . "المقام الاسنى في تفسير الاسماء الحسنى للكفعمي" .
4- عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سأله رجل عن تفسير هذه السورة فقال هو الله أحد بلا تأويل عدد الصمد بلا تبعيض بدد لم يلد فيكون موروثا هالكا ولم يولد فيكون الها مشاركا ولم يكن له من خلقه كفوا احد وفي نهج البلاغة لم يولد فيكون في العز مشاركا . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
5- عن الحسين (عليه السلام) الصمد الذي انتهى إليه السؤدد و الدائم و الذي لا جوف له و الذي لا يأكل و لا يشرب و لا ينام . "المقام الاسنى في تفسير الاسماء الحسنى للكفعمي" .
6- قال وهب بعث أهل البصرة إلى الحسين (عليه السلام) يسألونه عن الصمد فقال إن الله قد فسره فقال لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ لم يخرج منه شيء كثيف كالولد و لا لطيف كالنفس و لا تنبعث منه البدورات كالنوم و الغم و الرجاء و الرغبة و الشبع و الخوف و أضدادها و كذا هو لا يخرج من كثيف كالحيوان و النبات و لا لطيف كالبصر و سائر الآلات . "المقام الاسنى في تفسير الاسماء الحسنى للكفعمي" .
7- عن الصادق عن أبيه عليهما السلام ان أهل البصرة كتبوا الى الحسين بن علي عليهما السلام يسألونه عن الصمد فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوء مقعده من النار وأن الله سبحانه قد فسر الصمد فقال الله أحد الله الصمد ثم فسره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا تنشعب منه البدوات كالسنة والنوم والحظرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرغبة والسآمة والجوع والشبع تعالى عن ان يخرج منه شيء وان يتولد منه شيء كثيف أو لطيف ولم يولد ولم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الارض والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ولا كما تخرج الاشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشم من الانف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتمييز من القلب وكالنار من الحجر ألا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الاشياء وخالقها ومنشئ الاشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهدة الكبير المتعال ولم يكن له كفوا احد . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
8- عن الصادق (عليه السلام) قال قدم على أبي الباقر (عليه السلام) وفد من فلسطين بمسائل منها الصمد فقال تفسيره فيه هو خمسة أحرف الألف دليل على إنيته و ذلك قوله تعالى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ و اللام تنبيه على إلهيته و هما مدغمان لا يظهران و لا يسمعان بل يكتبان فإدغامهما دليل لطفه و الله تعالى لا يقع في وصف لسان و لا يقرع الآذان فإذا فكر العبد في إنية الباري تعالى تحير و لم يخطر له شيء يتصور مثل لام الصمد لم تقع في حاسة و إذا نظر في نفسه لم يرها فإذا فكر في أنه الخالق للأشياء ظهر له ما خفي كنظره إلى اللام المكتوبة و الصاد دليل صدقه في كلامه و أمره بالصدق لعباده و الميم دليل ملكه الذي لا يحول و أنه ملك لا يزول و الدال دليل دوامه المتعالي عن الزوال . "المقام الاسنى في تفسير الاسماء الحسنى للكفعمي" .
9- عن زيد بن علي عليه السلام الصمد الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون والصمد الذي ابدع الاشياء فخلقها أضدادا وأصنافا واشكالا وأزواجا وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
10- الصمد : هو الذي يحتاج اليه كل احد , وهو مستغن عن كل احد . "منظومة اسماء الله الحسنى عبدالقادر الكيلاني" .
11- هو الباقي بعد فناء خلقه , لا يموت ولا يورث , وهو الذي لا ينام ولا يسهو ولا يغفل . "منظومة اسماء الله الحسنى عبدالقادر الكيلاني" .
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3}
تضيف الآية الكريمة ( لَمْ يَلِدْ ) , لانتفاء مجانسته , ( وَلَمْ يُولَدْ ) , لانتفاء الحدوث عنه جل وعلا .
وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4}
تختتم الآية الكريمة مضيفة ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ) , لا يكافئه ولا يشابهه ولا يماثله احد من خلقه .
مما يروى في سبب نزول السورة الشريفة :
1- تفسير القمي : "كان سبب نزولها أن اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت له ما نسبة ربك فأنزل الله" .
2- تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني : عن الصادق عليه السلام قال إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا أنسب لنا ربك فلبث ثلاثا لا يجيبهم ثم نزلت قل هو الله إلى آخرها .
في معاني السورة الشريفة يروي الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج5 عدة روايات :
1- عن الباقر عليه السلام في تفسيرها قال قل أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهدي بها من القى السمع وهو شهيد وهو اسم مكنى مشار به إلى غائب فالهاء تنبيه على معنى ثابت والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس كما أن قولك هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة إلى الشاهد المدرك فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو فالهاء تثبيت للثابت والوا واشارة إلى الغائب عن درك الابصار ولمس الحواس وأنه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواس .
2- قال عليه السلام الاحد الفرد المتفرد والاحد والواحد بمعنى واحد وهو المتفرد الذي لا نظير له والتوحيد الاقرار بالواحدة وهو الانفراد والواحد المتباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشئ ومن ثم قالوا ان بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لان العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله الله أحد أي المعبود الذي يأله الخلق عن ادراكه والاحاطة بكيفيته فرد بالهيته متعال عن صفات خلقه .
مما يروى في خصائص السورة الشريفة :
1- عن أمير المؤمنين عليه السلام قال من قرأ قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله .
2- عن السجاد عليه السلام انه سئل عن التوحيد فقال ان الله عز وجل علم انه يكون في آخر الزمان اقوام متعمقون فأنزل الله قل هو الله أحد والآيات من سورة الحديد الى قوله عليم بذات الصدور فمن رام وراء ذلك فقد هلك . "الكافي" .
3- وعن الباقر عليه السلام قل هو الله أحد ثلث القرآن .
4- عن الصادق عليه السلام من مضى به يوم واحد فصلى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيه بقل هو الله أحد قيل له يا عبد الله لست من المصلين . "ثواب الاعمال" .
5- وعن الرضا عليه السلام انه سئل عن التوحيد فقال كل من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد قيل كيف يقرؤها قال كما يقرؤها الناس وزاد فيها كذلك الله ربي مرتين .
إشارة:
ينبغي عند قراءة السورة الشريفة ان يقال بعدها ( كذلك الله ربي) ثلاث مرات أو مرتين على اختلاف الآراء في ذلك.