في شهر الخير والبركة شهر رمضان المبارك والذي هو يحل علينا ضيفاً عزيزاً ومن خلال ايامه المباركة لابد من ان نستذكر شهادة شخصية مهمة كانت ولاتزال وعبر التاريخ تمثل علامة مضيئة في التاريخ الإنساني وهو استشهاد أسد الله ورسوله وحامل سيف ذو الفقار الأمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)والذي في كل مراحل حياته وسيرة حياته كانت محطات مضيئة في سيرة حياته العطرة فهو استشهد وهو ساجداً في أقدس مكان للإنسان وفي محراب الصلاة ليمثل أقدس مكان ليؤدي العبد فيها عباداته وفي أحد المساجد المعظمة وهو مسجد الكوفة وهو احد المساجد الأربعة المعظمة وبالتالي لتكون نهاية هذه الشخصية السامية الدنيوية في اطهر بقعة مباركة وفي افضل وضع يكون عليه الإنسان هو وضع السجود وفي أفضل شهر من الاشهر واكرمها عند الله سبحانه وتعالى وهو شهر رمضان المبارك لتدلل على مدى المنزلة والمكانة الرفيعة التي أختص بها الله جل وعلا وصي رسول الله وخليفته في أرضه الأمام أمير المؤمنين. ولو لاحظنا أن التحاق هذه الشخصية الجليلة في اقدس أيام شهر رمضان وهي العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل والتي فيها تتضاعف فيها العبادات والطاعات والتي فيها ليلة القدر والتي هي خير من الف شهر والتي في يوم استشهاده هي من احدى ايام ليلة القدر المتوقعة فيها. والتي التحق فيها سيد الوصيين الى الرفيق الأعلى والتي أنتقل من دار الدنيا الى دار الأخرة والتي كان من حديثه المعروف والمشهور بقوله { ثم إن الدنيا دار فناء وعناء وغِير وعبر}(1) ويقول { أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز والآخرة دار قرار...}(2).
وكانت حياة الأمام علي(ع) قد تمثلت فيها اعلى معاني التضحية والبطولة والفداء والايثار والمسير على طريق الحق والتي كانت ملازمه في كل مراحل الحياة لهذه الشخصية الفذة والتي لم ينجب التاريخ مثلها بعد نبينا الاكرم محمد(ص)لينتقل باستشهاده الى النعيم الموعود والتي بشره بها حبيبه ورسوله الرسول الاعظم محمد(ص)والتي قضى حياته في الزهد والعبادة والتقوى والتي يقول عن هذه الدنيا الفانية في احدى خطبه { ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ...}(3).
والذي عاش الدنيا بزهد خالص لوجه الله سبحانه وتعالى فيقول عن حياته في رسالته الى عثمان بن حنيف { ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه(4)ومن طعمه بقرصيه (5) }(6).
ولهذا تجسد الاسلام وباروع صوره في شخصية الامام علي(ع)السامية ومن دون أي رياء أو زيف أو تحريف ولهذا كان ينظر الأمام علي(ع) وسيرته العطرة من قبل الأعداء والأصدقاء نظرة كلها احترام وتقديس وبدون أي رتوش أو زيادة فهي شخصية كانت تمثل الدين الحق والشخصية المسلمة بأبهى صورها فكان وهو بفخر وليد الكعبة الوحيد عبر التاريخ واستشهاده في المحراب ليكرم الله جل وعلا امير المؤمنين والتي لم بها اي شخصية اخرى هذا التكريم وعلى مر التاريخ عدا حبيب الله ورسوله محمد(ص) والذي جاءه نداء السماء من الاعلى وعلى لسان جبرائيل جبريل " لافتى الا علي لاسيف الا ذو الفقار ". فهذا علي الذي لم يتردد لحظة ولم يرف له جفن في البطولات والتضحيات عبر سيرة الإسلام ونشر الدعوة الإسلامية فهو من بات على فراش رسول الله يوم هجرة النبي والذي قال للنبي عندما ابلغه بالهجرة والمبيت بدله { ...أو تسلمنّ بمبيتي هناك يا نبي الله؟»، قال: «نعم»، فتبسّم علي (ع) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً، فلمّا رفع رأسه قال له: «امض لما أمرت، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكن فيه كمسرتك واقع منه بحيث مرادك، وإن توفيقي إلّا بالله... »}(7).
والذي يقال عندما كان الإمام علي (ع) في فراش رسول الله (ص)، هبط جبرئيل فجلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول: « بخ بخ، مَن مثلك يا ابن أبي طالب! والله عزّ وجلّ يباهي بك الملائكة »(8).
والذي علماء الشيعة والسنة يفسرون أن الآية: ﴿وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفُ بِالْعِبَاد﴾(9)نزلت في شأن الإمام عليه السلام في حادثة ليلة المبيت(10).
وكان فعلاً سيف الإسلام والفدائي الأول ولم يتردد في قول الحق والدفاع عنه في ظرف من الظروف والمكان والذي قال عنه رسول الله { علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيث دار ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض }(11).
ولأختم بمقالتي بحديث رسول الله(ص) للصحابي الجليل عمار بن ياسر عن الحق مع علي { يا عمار إن رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس كلهم واديا فاسلك مع علي فإنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من هدى ، يا عمار من تقلد سيفا وأعان به عليا على عدوه قلده الله يوم القيامة وشاحين من در ، ومن تقلد سيفا أعان به عدو علي قلده الله تعالى يوم القيامة وشاحين من نار ، قلنا : يا هذا حسبك يرحمك الله حسبك يرحمك الله }(12).
فهذا الأمام علي(ع)سار مع الحق ولم تهتز مبادئه التي آمن بها ونشأ وتربى عليها في حضن الرسول الاعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم والذي لاتأخذه في الله لومة لائم مهما تكالبت عليه الاعداء وحاصرته عاديات الزمن وخذله المقربون منه قبل الاعداء، والذي يقول روحي له الفداء{ لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه }(13).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ نهج البلاغة خطبة 0224.11.
2 ـ نهج البلاغة خطبة 203،1.
3 ـ نهج البلاغة خطبة 0128.3
4 ـ طِمْر ـ بالكسر ـ : الثوب الخلق البالي.
5 ـ قُرْصَيْه: تثنية قرص، وهو الرغيف.
6 ـ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٠ - الصفحة ٣٤٠
7 ـ المجلسي، بحار الأنوار، ج19، ص60.
8 ـ الصدوق، الأمالي، ص469.؛ الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج 5، ص 174 ؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 1، ص 123.
9 ـ [البقرة: 207].
10 ـ اخرجه الحسكاني في (شواهد التنزيل بعدّة طرق 1/123و 129و130 و131و132). وذكره ابو حيان الاندلسي في تفسيره (البحر المحيط 2/ 127). وذكره ابن عساكر في (تاريخ دمشق 42/67) عن ابن عباس وبسند اخر عن ابن عباس (42/ 68). وذكره ابن الاثير في (اسد الغابة 4/25) والمقريزي في (امتاع الاسماع 1/ 57) وذكره الحلبي في (السيرة الحلبية 2/ 192). لطباطبائي، الميزان، ج 2، ص 135.؛ الحاكم النيشابوري، المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 5.؛ ابن حنبل، فضائل الصحابة، ج 2، ص 484.؛ العياشي، تفسير العياشي، ج 1، ص 101، ح 292.؛ الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج 1، ص 206..
11 ـ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٨ - الصفحة ٢٩. أبو القاسم الكوفي – الاستغاثة الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 9 ). صحيح الترمذي 5 / 592 ح 3714. الحاكم النيسابوري، رواه بسنده كذلك، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» المستدرك على الصحيحين 3 / 134 ـ 135 ح 4629. مجمع الزوائد 7 / 235 ـ 236. تاريخ بغداد 14 / 320 ـ 321 ح 7643. ابن عساكر، روى بسنده «عن أبي ثابت مولى أبي ذر، قال: دخلت على أُمّ سلمة . . .»تاريخ دمشق 42 / 449. وغيرها من المصادر.
12 ـ الطرائف : 24 و 25 . بشارة المصطفى : 178 . الإمام علي بن أبي طالب (ع) - أحمد الرحماني الهمداني - الصفحة ٤٥. فرائد السمطين للعلامة الجويني الشافعي ج 1 ص 178. المناقب الفصل الثامن ص57. تحفة المحبين بمناقب الخلفاء الراشدين ص203.
13 ـ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٧ - الصفحة ١٠٧. جامع أحاديث الشيعة - للسيد البروجردي - ج 14 - ص 405. سنة الطبع : 1407 - 1366 ش المطبعة : المطبعة العلمية – قم. الناشر : منشورات مدينة العلم - آية الله العظمى الخوئي - قم – ايران. نهج البلاغة (: 442 ، الخطبة 199 ). كتاب : فضائل أمير المؤمنين ( ع )المؤلف : ابن عقدة الكوفي. تحقيق : تجميع عبد الرزاق محمد حسين فيض الدين. ورواه محمد بن إبراهيم الثقفي في الغارات : 2 / 584 . وغيرهم كثير.