الحسين بن علي 5 /علي الابراهيمي

الخميس - 07/05/2020 - 19:42

ان انصار الحسين في كربلاء قد كانوا من مختلف القبائل , الظاهرة الولاء او غيرها , الى جانب العديد من الموالي من مختلف الشعوب غير العربية‪[1]‬ , كانوا افراداً وصلهم صوت الحسين . وهو العنوان الأمثل لرسالة الحسين ذاته . لكنّ الملفت كان هو غياب قبائل مفصلية في حركة التشيع للأربعين سنة التي سبقت ثورة الحسين , مثل النخع , وهي القبيلة التي قادت الثورة عملياً بعد شهادة الحسين , ثم استمرت بمجموعة من الثورات اللاحقة على بني امية , الامر الذي يكشف ان هناك ما منعها من حضور كربلاء , كأن يكون ظرفاً زمانياً او ظرفاً مكانيا , فليس من المعقول ان تجمع على عدم الحضور ثم تجمع على الثورة والاخذ بالثأر , وهم المعروفون بالولاء والبأس .
وكان الموالي يخضعون في ولائهم لأهل البيت ومنهم الحسين بن علي الى مقدار معرفتهم بهم من خلال من يوالونه من العرب , فنجد مثال ( زاهر ) مولى عمرو بن الحمق الخزاعي الثائر حتى الشهادة عميق الولاء دائم الثورة ضد بني امية في زمان معاوية او يزيد , حتى استشهد مع الحسين في كربلاء , وكان من ذريته عدة محدثين ورواة نقلوا عن اهل البيت منهم محمد بن سنان الزاهري‪[2]‬ .
ومن دفن بعض بني اسد للشهداء من أصحاب الحسين ومجازفتهم بالمخاطرة تلك‪[3]‬ , وكذلك من استشهاد زعيمهم حبيب بن مظاهر مع الحسين , وايضاً من مشاركة نسبة كبيرة من هذه القبيلة في الحرب الاموية على الحسين , نفهم ان هذه القبائل كانت متفرقة فكريا , ومنقسمة على الذات في تلك الفترة . ومن ثم تكون شهادة الحسين وما احتج به من القول قبل شهادته بداية التوحيد لتلك القبائل على التشيع .
لقد كتبت موسوعة ( الدرر السنية ) التي يديرها ( علوي عبد القادر السقاف ) في فرع ( موسوعة الفرق / الباب الثامن / الفصل الثاني والعشرون / المبحث التاسع ) ما نصه ( ومما يدل على خيانة الروافض - هنا أن هولاكو لما أتم تدمير دمشق وبلاد الشام أرسل تقليدًا بولاية القضاء على جميع المدائن الشام والجزيرة والموصل وماردين والأكراد للقاضي كمال الدين عمر بن بدر التفليسي الشيعي )
ولعلّ القارئ - لا سيما السني - يجد أن هذه الكتابات جاءت بعد تحقيق ، وأن من يقوم عليها قد يخجل من نشر معلومة غير موثقة ، فضلا عن نشر كذبة ما . لكنّ الحقيقة ان بضاعة هؤلاء ليست علمية دائما ، خصوصا عندما يرتبط الأمر بجرح الآخر ، وبالأخص اذا كان الآخر من شيعة علي بن ابي طالب عليه السلام .
واذا رجعنا إلى الشخصية التي أوردها النص أعلاه نجد ابن كثير في كتابه البداية والنهاية قد أورد ترجمته بشكل واضح - على تشدد ابن كثير وتلمذته على منهج ابن تيمية العدائي - فقال ( قاضي القضاة كمال الدين أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر بن علي التفليسي الشافعي ولد بتفليس سنة إحدى وستمائة، وكان فاضلاً أصولياً مناظرا، ولي نيابة الحكم مدة ثم استقل بالقضاء في دولة هلاوون - هولاكو - وكان عفيفاً نزهاً لم يرد منصباً ولا تدريساً مع كثرة عياله وقلة ماله، ولما انقضت أيامهم تغضب عليه بعض الناس ثم ألزم بالمسير إلى القاهرة، فأقام بها يفيد الناس إلى أن توفي في ربيع الأول من هذه السنة، ودفن بالقرافة الصغرى )‪[4]‬ .
ويقول صاحب هذه الموسوعة العجيبة ( الدرر السنية ) أيضا في المبحث الثالث عشر من ذات القسم ( خيانة البدر لؤلؤ الشيعي صاحب الموصل في أواخر سنة 656هـ: كان بدر الدين لؤلؤ هذا أرمينياً اشتراه رجل خياط، ثم صار إلى الملك نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود الأتاباكي صاحب الموصل ... ثم إنه لما انفصل هولاكو عن بغداد بعد الوقعة الفظيعة سار بدر الدين لؤلؤ لخدمته وطاعته وحمل معه الهدايا والتحف. وما هذا إلا خيانة لأمانة الجهاد العظمى. وبعد: فهذه بعض نماذج لخيانات الشيعة للدولة السلجوقية، وإضعاف جانبها لأنها كانت على مذهب أهل السنة، نرى فيها الدروس والعبر، ليعتبر من اغتر بحال الروافض وهو يدرس التاريخ لا يعرف شيئًا من مذاهب الدول ونحل الأمم )
بينما يذكر ( الذهبي ) في ( سير أعلام النبلاء ) ما نصه: ( الملك الرحيم السلطان بدر الدين أبو الفضائل لؤلؤ الأرمني النوري الأتابكي مملوك السلطان نور الدين أرسلان شاه بن السلطان عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي بن أقسنقر صاحب الموصل . كان من أعز مماليك نور الدين عليه ، وصيره أستاذ داره وأمره ، فلما توفي تملك ابنه القاهر ، وفي سنة وفاة الملك العادل سلطن القاهر عز الدين مسعود ولده ومات رحمه الله ، فنهض لؤلؤ بتدبير المملكة ، والصبي وأخوه صورة ، وهما ابنا بنت مظفر الدين صاحب إربل ، أقامهما لؤلؤ واحدا بعد واحد ، ثم تسلطن هو في سنة ثلاثين وستمائة . وكان بطلا شجاعا حازما مدبرا سائسا جبارا ظلوما ، ومع هذا فكان محببا إلى الرعية ، فيه كرم ورئاسة ، وكان من أحسن الرجال شكلا ، وكان يبذل للقصاد ويداري ويتحرز ويصانع التتار وملوك الإسلام ، وكان عظيم الهيبة خليقا للإمارة ، قتل عدة أمراء وقطع وشنق وهذب ممالك الجزيرة ، وكان الناس يتغالون ويسمونه قضيب الذهب ، وكان كثير البحث عن أحوال رعيته . عاش قريبا من تسعين سنة ووجهه مورد وقامته حسنة ، يظنه من يراه كهلا ، وكان يحتفل لعيد الشعانين لبقايا فيه من شعار أهله ، فيمد سماطا عظيما إلى الغاية ، ويحضر المغاني ، وفي غضون ذلك أواني الخمور ، فيفرح وينثر الذهب من القلعة ، ويتخاطفه الرجال ، فمقت لإحياء شعار النصارى ، وقيل فيه : يعظم أعياد النصارى محبة ويزعم أن الله عيسى ابن مريم     إذا نبهته نخوة أريحية إلى المجد قالت أرمنيته : نم . وقيل : إنه سار إلى خدمة هولاكو ، وتلطف به وقدم تحفا جليلة ، منها جوهرة يتيمة ، وطلب أن يضعها في أذن هولاكو فاتكأ ففرك أذنه ، وأدخل الحلقة في أذنه ثم رجع إلى بلاده متوليا من قبله ، وقرر عليه مالا يحمله ، ثم مات في ثالث شعبان بالموصل سنة سبع وخمسين وستمائة . فلما مات تملك ولده الملك الصالح إسماعيل وتزوج بابنة هولاكو فأغضبها وأغارها ، ونازلت التتار الموصل ، واستمر الحصار عشرة أشهر ، ثم أخذت ، وخرج إليهم الصالح بالأمان فغدروا به ، واستباحوا الموصل ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وبدر الدين ممن كمل الثمانين ، وكان ابنه الصالح إسماعيل قد سار في العام الذي قتل فيه إلى مصر ، واستنجد بالمسلمين وأقبل فالتقى العدو بنصيبين فهزمهم ، وقتل مقدمهم إيلكا ، فتنمر هولاكو ، وبعث سنداغو ، فنازل الموصل أشهرا ، وجرى ما لا يعبر عنه )‪[5]‬.
لذلك كان من المتوقع دائماً ان يتم استغلال العلاقة الذهنية بين التشيع والعراق لتصوير قتلة الإمام الحسين بن علي عليه السلام على أنهم شيعة ، لا للهروب من تبعات هذه الجريمة وحسب ، ولا لتبرئة ساحة المجرمين الحقيقيين الذين صارت ترجع لهم بعض أصول العقائد لدى العامة ، بل لإظهار الشيعة - اصحاب الثورة الدائمة - على أنهم خونة لا عهد ولا ذمة لهم .
ومن هنا كان من الضروري وضع نقاط هذه القضية على الحروف ، وإيضاح ما تم التعتيم عليه من عقائد قادة جيش عمر بن سعد ، والناس على دين ملوكهم وامرائهم . والله من وراء القصد .
جاء في البداية والنهاية : ( وكتب إليه - الحسين بن علي بن ابي طالب - شبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث بن رويم ، وعزرة بن قيس ، وعمرو بن حجاج الزبيدي ، ومحمد بن عمير بن يحيى التميمي : أما بعد ؛ فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار وطمت الجمام ، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجند ، والسلام عليك ... فتجهز الحسين من مكة قاصدا الكوفة كما سنذكره ، وانتشر خبرهم حتى بلغ أمير الكوفة النعمان بن بشير ، أخبره رجل بذلك ، فجعل يضرب عن ذلك صفحا ولا يعبأ به ولكنه خطب الناس ، ونهاهم عن الاختلاف والفتنة ، وأمرهم بالائتلاف والسنة ، وقال : إني لا أقاتل من لا يقاتلني ، ولا أثب على من لا يثب علي ، ولا آخذكم بالظنة ، ولكن والله الذي لا إله إلا هو لئن فارقتم إمامكم ونكثتم بيعته ، لأقاتلنكم ما دام في يدي من سيفي قائمته . فقام إليه رجل يقال له : عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي . فقال له : إن هذا الأمر لا يصلح إلا بالغشم ، وإن الذي سلكته أيها الأمير مسلك المستضعفين . فقال له النعمان : لأن أكون من المستضعفين في طاعة الله ، أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله . ثم نزل ، فكتب ذلك الرجل إلى يزيد يعلمه بذلك ، وكتب إلى يزيد عمارة بن عقبة وعمر بن سعد بن أبي وقاص ، فبعث يزيد ، فعزل النعمان عن الكوفة وضمها إلى عبيد الله بن زياد مع البصرة ، وذلك بإشارة سرجون مولى يزيد بن معاوية وكان يزيد يستشيره ، فقال سرجون : أكنت قابلا من معاوية ما أشار به لو كان حيا ؟ قال : نعم . قال : فاقبل مني ، فإنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد ، فوله إياها ، وكان يزيد يبغض عبيد الله بن زياد ، وكان يريد أن يعزله عن البصرة فولاه البصرة والكوفة معا لما يريده الله به وبغيره ... وأقبل الحسين ولا يشعر بشيء حتى أتى الأعراب فسألهم ، عن الناس ، فقالوا : والله لا ندري ، غير أنك لا تستطيع أن تلج ولا تخرج . قال : فانطلق يسير نحو يزيد بن معاوية ، فتلقته الخيول بكربلاء ، فنزل يناشدهم الله والإسلام . قال : وكان بعث إليه ابن زياد عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وحصين بن نمير .. فقالوا له : لا ; إلا على حكم ابن زياد .  )‪[6]‬ .
وكان من شأن الكوفة ان تقتل عبيد الله بن زياد , فقتله إبراهيم بن مالك الاشتر زعيم النخع على نهر الخازر وبعث برأسه الى المختار الثقفي ليبعثه الى علي بن الحسين‪[7]‬ .
امّا ( سرجون ) - والد يوحنا - فقد ذكره المؤرخون العرب ( سرجون بن منصور الرومي، كاتب معاوية وابنه يزيد بن معاوية، وعبد الملك بن مروان ) . ولّاه معاوية بن ابي سفيان ديوان المالية في ولاية الشام اولاً، ثم في سائر ارجاء الإمبراطورية الأموية عندما اصبح الخليفة الأموي الأول، وقد استمر في وظيفته هذه الى خلافة عبد الملك بن مروان، اي ما يزيد على الثلاثين عاماً كان خلالها زعيم المسيحيين في دمشق. ويكفي في سوء صنيعه انه هو الذي أشار على ( يزيد بن معاوية ) تولية ( عبيد الله بن زياد ) العراقين ( الكوفة والبصرة ) ، للقضاء على أيّ حركة تخرج لنصرة ابن بنت رسول الله ( الحسين بن علي بن ابي طالب ) ، ومن ثمّ قتله بكربلاء .
كتب الدكتور ( جوزيف زيتون ) عن ( يوحنا الدمشقي ) بحثاً جاء فيه : ( كان مولد يوحنا في مدينة دمشق ما بين العامين ( ٦٥٥ - ٦٦٠ م ) دُعي منذ القرن التاسع “دفاق الذهب” أو “مجرى الذهب”- وهو اسم نهر بردى في الأساس- بسبب النعمة المتألقة في كلامه وحياته. تتلمذ هو وأخ له بالتبني، اسمه قزما الأورشليمي، لراهب صقلي اسمه “قزما” ايضاً كان واسع الاطلاع، محيطاً بعلوم عصره. كان قد أسره قراصنة وجاءوا به الى دمشق لبيعه في سوق النخاسة، اشتراه سرجون والد يوحنا منهم، وضمه الى بيته معلماً لولده يوحنا وشقيقه بالتبني وهو ”قزما الأورشليمي”. تعلما منه الايمان الأرثوذكسي، والفلسفة اليونانية، وقد ملك يوحنا الفلسفة اليونانية فطوعها فيما بعد لإيضاح العقيدة والايمان الأرثوذكسي. عاش يوحنا في بيت والده عيشة الدمشقيين الأثرياء والوجهاء السهلة، وكان من رواد البلاط الأموي بالنظر الى مكانة والده عند الخلفاء. وقد ربطته بالخليفة يزيد بن معاوية صداقة حميمة، وكانت ام ميسون زوجة معاوية وهي مسيحية من بني تغلب من زعماء قبيلة كلب… قضى يزيد صباه بين اخواله وفي صحبة اتراب مسيحيين كالأخطل الشاعر المسيحي التغلبي والمنصور بن سرجون اي يوحنا الدمشقي وقد تحررعلناً من احكام الشريعة الاسلامية حتى اتهمه بعض المؤرخين المسلمين بانتحال المسيحية، وقد عهد بتثقيف ابنه الى راهب مسيحي. ويخبرنا ابن العبري انه ابقى حكاماً مسيحيين على مقاطعات كثيرة والرها خصوصاً، فقد ظلت المدينة يحكمها انستاس بن اندراوس. كان يوحنا يتحسس الشعر ويتذوقه وخاصة في بلاط الخلفاء، والذي كان مفتوحاً على السواء للشعراء المسيحيين والمسلمين، وكان الأخطل يدخل على الخليفة معلقاً على صدره صليباً من ذهب مما حّمّله لقب “حامل الصليب” وكان به مرفوع الرأس وكان الخليفة ورجال البلاط لا يرون حرجاً في ذلك بعكس الوافدين من مكة والحجاز فكانوا يستاؤون بشدة من دخوله والصليب على صدره.، وتهتز مشاعر يوحنا من هذا المشهد المحبب الى قلبه لإيمانه، وكانت تهتز مشاعره لدى احتكاكه بشعراء الصحراء. ويرى عدد من الدارسين أن بعض تآليفه تأثرت بهذا الاحتكاك لاسيما أناشيده وقوانينه... هذا ويظهر أن يوحنا شغل منصباً إدارياً رفيعاً في زمن الأمويين، وعلى الأغلب هو وظيفة ابيه امين ديوان المال العام في الخلافة الأموية، كما يجمع معظم الدارسين لسيرته، إضافة الى ان البعض اسند اليه بالإضافة وظيفة امانة سر الخليفة او مستشاراً أولاً )‪[8]‬ .
و ( يوحنا الدمشقي ) سليل الاسرة السرجونية الرومية هذه ، والمتنعّم بأموال الدولة الاسلامية ، كتب في كتابِه "الهرطقات" (باليونانيّة) الذي يُعدّد فيه مئة بدعة نشأت في المسيحيّة (حتّى عصرِه)، ويختمها بالهرطقة المئة "هرطقةُ الإسماعيليّين" أي "الإسلام". في مقالِه هذا يقول: ( محمّدٌ نبيٌّ كذّابٌ قابلَ راهبًا آريوسيًّا فاخترعَ بدعتَه ).
‪ ‬