يشرع الله كل ما فيه خير للمرأة والرجل , ويستحيل أن يكون ثمة أمر في الشريعة يجعل حياة أحد الطرفين تعيسة لا تطاق ,فانطلاقا من هذه القاعدة حول موضوع التعدد بشكل إيجابي , علما تستند هذه القاعدة على قوله تعالى: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به).
والزيجة الثانية ليست حراماً , فشرعا يحق للرجل الزواج بأربعة نساء بشرط وجود العدالة وعدم توفر الخوف من تحقيق الشرط إلى جانب ذلك التمكن من القدرة والاستطاعة . والعيب الحقيقي لهذا الزواج بوجود مطاردة شبح للزوجين !
فالزوجة الثانية التي تزوجت مثلاً من خلال حب ناضج , يتقابل فيه السلوكان وتتوافق الافكار ,فانجذبت القلوب لبعضهما , ثم درسا عناصر التكافؤ للاقتران كالعمر , المستوى الدراسي والثقافي والاجتماعي والمادي , الحالة الصحية والنفسية , فنتج من خلال هذا التفكير المتأني الهادئ زواجهما , فهنا إن اتهمت من الزوجة الاولى أو المجتمع فإنها ضحية والاتهام أنانية وظلم .
أما إذا كان زواجهما قد لحق به شبح سلوة العشق (الحب الأعمى ) بدرجة قول أحد الشعراء :
أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ - وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
أُصلّي فما أدري إذا ما ذكرتُها - أثنتّينِ صلّيتُ العشاء أَم ثمانيا
هذا الناتج من عقل السحلية اللاوعي عند الإنسان يغض النظر فيه عن العيوب لكلاهما ,وتطفو على سطحه الانفعالات والحماقات التي تمنعهما من التفكير المتأني في حسابات الزواج ,فحسابات العقل بغير اتزان وتتسرب الافكار بإيعازات عاطفية شديدة تنتج تصرفات هوجاء مؤقته تنقلب بعد الزواج إلى أمراض نفسية كالشك ومواجهة مشاكل وواقع غير محسوب ينجم عنه الالم والوجع وحرقة القلب , فهنا كلاهما محكوم بالجناية وتقيم هذا الاقتران بالفشل . والضحية هي الزوجة الاولى والابناء .
وأيضا يتحقق الزواج الثاني في أغلب الأحيان بتعدد الاشباح لكلا الجنسين فالرجل في منتصف العمر يعاني من أزمة والمرأة كذلك ,فتنشب بين الزوجين المتقاربين في العمر بعض المشاكل كعدم الاهتمام بالزوج والعكس وينحدر الموضوع بتصابي كل منهما , فيذهب الرجل يبحث عن بديل وتعيد له شبابه فيختار من تصغرها في السن بعد أن تركته زوجته الأولى يرتمي بأحضان الثانية . وبسبب شبح الازمة والهروب منها تستقبله الأخرى وتستعيد له إحساسه بالرجولة والاهتمام والحب , فتظهر منزله الثاني بأناقة عالية يفتقر لها منزله الأول .
وفي الآزمة المذكورة قد ينظر الرجل إلى شريط حياته الماضية ثم يكتشف أنه لم يحقق إنجازات تذكر, الا أنّ بعض الرجال في هذه الفئة قد لا تطول مدة زيجاتهم الثانية، حيث تستمر لأشهر محدودة الزواج الثاني – الرابع السبب ليس من الزوجة بل من الزوج ايضا.
ومن المفترض على الزوجة الثانية وقبل الاقتران أن تسأل نفسها ماهو سبب زواجه مني ؟
من لم تسأل نفسها هذا السؤال وتضع الإجابة الصحيحة ستفاجئ في أول عاصفة من رياح مشاكل الحياة لتجده عاد لبيته الاول أو ذهب ليتزوج ثالثة !
إنّ أعمار الرجال بين 40ـ 55 وكما ذكرنا يمرون بأزمة منتصف العمر وبنفس الوقت اكتسابهم خبرة كافية فى الحياة تجعلهم يبحثون عن الراحة مع ظهور الأزمة بالذات , فمن جانب ينتصر لذاته وما عاصره من ويلات مع الأولى , وتاره يحقق ما لم يصنعه أيام المراهقة ,ليعيش جسد بروح , قلب بمشاعر , نظرات بمعنى , كلمات بإحساس , فمنهم من يختار زوجته الثانية بعمر العشرينات ممن تطاردها بقايا المراهقة الطبيعية للأعمار(20ـ 24) , وتارة نساء بسن الثلاثينيات يحاولن الهروب من شبح العنوسة أو لتلافي شبح الوضع الاقتصادي والظروف المعيشية الصعبة , فليست بالضرورة أن تكون باكرا ,ففي بعض الاحيان أرملة أو مطلقة وتريد الخلاص من شبح الضغوط الاجتماعية التي تتعرض لها فتدفعها للقبول وضعها كزوجة ثانية.
وأيّ امرأة من هذه النسوة غير واثقة من نفسها أو تحمل من الغيرة أبشع أنواعها ,فسيتحول زواجها منه إلى كابوس , ثم لا يطول عمر الزواج .
وفي بعض الحالات الزوجة الأولى هي الضحية والزوج هو الجاني , فالكثير من الرجال لا يعرف حق زوجته الأولى ومقدارها عنده، إلا بعد أن تزوج غيرها، وكم رأينا من القصص العجيبة والأحوال الغريبة، التي حصلت لكثير من الرجال حين تزوجوا على زوجاتهم، حيث لم يكتشفوا حبهم إلا بعد الزواج من الثانية.
إن كثيرا من الأزواج ازداد حبه لزوجته الأولى بعد أن تزوج عليها، لأن مكانة الزوجة الأولى لا تضاهيها مكانة، فهي التي تزوجته بكرا، وهي التي عاشت معه عنفوان الشباب.
وبكل الأحوال التقيم أو الحكم على الزوجة الثانية بأنها ضحية أو جانية تقررها ظروف تلك الزيجة ,فمثلا إذا كانت دوافع الرجل من الزواج ليست أساسية , بل ثانوية كالتقصير الجزئي من الزوجة أو رغبته في الازدياد، وحب التغيير ..الخ . ففي هذه الحالة الزوجة الثانية مع الزوج كلاهما جاني والضحية الزوجة الأولى .
وأيضا المفروض على المرأة الحليمة الواعية رفضها أن تكون مرحلة أو نزوة بحياة الرجل , وتشد انتباهها هل قراره بالزواج منها مبني على معايير وأسس واستعداد؟
أو أن شبح أثبات نفسه يطاردها حيث يريد أن يثبت لنفسه ولكل من حوله أنه مازال قوياً وجذاباً ومؤثراً.
إنّ الأسرة ليست زوج وزوجة فقط، الأسرة هي منزل وأبناء وأطفال ومستقبل كامل لعدد من الأرواح، ويجب أن يتم التعامل بعقلانية وهدوء مع أي عارض أو مستجد داخلها، وألاّ يتم النظر للموضوع بأنانية خاصة من النساء والرجال معا.
وبنفس الوقت ليخلو الموضوع من الضحية والجاني لابد أن نعي الشرع المقدس ونفهم بأن الزواج أعفاف النفس وصيانة الاعراض وحفظ الانساب واستمرار الانسال، وبناء الاسرة التي يجد فيها الرجل والمرأة الاشباع الكريم لحاجتهما الجسمية والنفسية والاجتماعية والروحية. ويعطي لحياته معنى نفسيا ولسعيه في الحياة قيمة انسانية ولوجوده في الدنيا مكانة اجتماعية يحرم منها غير المتزوجين.
ولهذا يجب الخروج من إطار الصراعات والأنانية وحب التملك الذى تتمتع به الزوجة الأولى فى تقييد الرجل بها حتى لا يتزوج بأخرى.
فاقتحام القلوب بالفرض لا يجدي نفعا , لاسيما إذا كان أحد الطرفين يعي جيدا أن الطرف الآخر مُجبر على العيش معه ,فلو تأملت الزوجة الأولى ووضعت نفسها محل الزوجة الثانية وكانت الحالة عكسية فكيف ستفكر؟
هل ستنهي مشاعرك تجاه رجل تحبينه؟
لماذا لم تعالجي الصراعات والخلافات والمشاكل؟
ما سبب تهاونك في عصمة الرجل من الوقوع في الحرام؟
هل فكرتِ يوم من الأيام بحقوق زوجك كإنسان ورجل له الحق فى الحب والحياة؟
ممكن ان تتخلي عن أنانيتك ويخطر على بالك أنتِ الجانية والزوجة الثانية ضحية كونها وحيدة بالأيام أو الشهور وتعاني الحرمان والاشتياق!
متى تتركين موقف الدفاع عن نفسكِ وتتحولين إلى محام عن زوجك وزوجته المختارة؟