تأملات في القران الكريم ح450 سورة الاعلى الشريفة /حيدر الحدراوي

الاثنين - 06/04/2020 - 21:05


بسم الله الرحمن الرحيم
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى{1} 
تستهل السورة الشريفة ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) , نزه اسم ربك الاعلى عما لا يليق به جل جلاله . 
( عن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وآله إذا قرأ سورة سبح اسم ربك الاعلى قال سبحان ربي الاعلى .
عن علي عليه السلام وفي التهذيب والعياشي عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله اجعلوها في ركوعكم ولما نزلت سبح اسم ربك الاعلى قال اجعلوها في الركوع اللهم لك ركعت وفي السجود اللهم لك سجدت .
عن الباقر عليه السلام قال إذا قرأت سبح اسم ربك الاعلى فقل سبحان ربي الاعلى وإن كنت في الصلاة فقل فيما بينك وبين نفسك ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" . 
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى{2} 
تستمر الآية الكريمة ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ) , خلق الخلق فقوم كل شيء بنسق ونظام معين , يتيح له استمرار الحياة له ولجنسه . 
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى{3} 
تضيف الآية الكريمة ( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) , قدّر كل شيء , ثم هدى كل شيء الى ما يناسبه من النظام المعيشي والتكاثر ... الخ , ترى في عالم الحيوان من عجائب التقديرات , منها واكثرها انتشارا , المواليد الجديدة , حالما تولد تقصد الرضاعة , وكأن احدا قد اخبرها بالمكان المناسب للرضاعة , او دلها عليه , وهي لا تزال في يومها الاول , ثم ان المواليد تتعرف بسهولة ويسر على الحيوانات التي ينغي الحذر منها , والحيوانات التي لا ينبغي الحذر منها , وكأن احدا قد اخبرها بقائمة الحيوانات الخطرة والحيوانات غير الخطرة فتالفها وتتعايش معها . 
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى{4} 
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ) , أنبت العشب في المراعي . 
فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى{5} 
تضيف الآية الكريمة ( فَجَعَلَهُ ) , بعد انباته , ( غُثَاء ) , جافا هشيما , ( أَحْوَى ) , اسود يابسا . 
سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى{6} 
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ( سَنُقْرِؤُكَ ) , القرآن , او نعلمك , ( فَلَا تَنسَى ) , فلا تنسى ما قرء عليك من القرآن او فلا تنسى ما تعلمته . 
إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى{7} 
تستثني الآية الكريمة ( إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ ) , ان تنساه , يختلف المفسرون في النص المبارك ولهم اراء مختلفة فيه , منها : 
1- ان الذي لا ينسى هو الله تعالى , لذا فأن النسيان واقع على المعصوم , ولا يؤمن عليه منه . 
2- عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وآله إذا نزل عليه جبرئيل بالوحي يقرأه مخافة أن ينساه فكان لا يفرغ جبرئيل من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله فلما نزلت هذه الآية لم ينس بعد ذلك شيئا , ويقابلها قوله جل وعلا { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }القيامة16. 
3- الاستثناء هنا خاص بالناسخ والمنسوخ ، فالمنسوخ يكون بحكم المنسي أي المعطل. 
( إِنَّهُ ) , جل وعلا , ( يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ) , يعلم ما ظهر من افعالكم واقوالكم وما خفي منها . 
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى{8} 
يستمر الخطاب في الآية الكريمة ( وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ) , يختلف المفسرون في ذلك ايضا , فمنهم من يرى : 
1- للشريعة السهلة وهي الإسلام . "السيوطي في تفسيره الجلالين" . 
2- للطريقة اليسرى في حفظ الوحي . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
3- هو ما يسهل له "ص واله" من الالطاف والتأييد ما يثبته على امره ويهون عليه كل امر مستصعب في تبليغ رسالته والصبر على ذلك . 
فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى{9} 
تضيف الآية الكريمة ( فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى ) , عظ قومك بالقرآن او بما يسرناه لك من الوحي , فبعضهم ستنفعه الموعظة والتذكير , والبعض الاخر لا تنفعه ولا ينتفع به , فخصّ من اتعظ وتذكر واعرض عمن لم يتعظ . 
سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى{10} 
تستمر الآية الكريمة ( سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ) , سيتعظ ويتذكر وينتفع بها من خشى الله تعالى . 
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى{11} 
تستمر الآية الكريمة ( وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ) , سيتجنب الموعظة ويعرض عنها ولا ينتفع بها الشقي الكافر . 
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى{12} 
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ) , الذي يدخل في النار الكبرى وهي نار الاخرة , اما نار الدنيا فتسمى "صغرى" . 
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى{13} 
تضيف الآية الكريمة ( ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا ) , فيستريح من عذابها , ( وَلَا يَحْيَى ) , واقع الحال ان سكان النار احياء , لكنهم معذبون , وحياة المعذب لا يعتد بها , فهم فيها لا يعيشون حياة هنيئة , كما هو الحال في الدنيا , حيث يحسب الناس ايام وساعات الفرح من العمر , اما ساعات وايام الحزن فائتة ساقطة منه , او هو كما قال جل من قائل { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى }طه74 . 
قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} 
تستمر الآية الكريمة محققة ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ) , الفلاح لمن تطهر من الشرك والمعصية , بالإيمان والعمل الصالح . 
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{15} 
تستمر الآية الكريمة ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) , بقلبه ولسانه فصلى الصلاة الواجبة . 
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{16} 
تضيف الآية الكريمة ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) , تفضلونها على الاخرة . 
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{17} 
تستمر الآية الكريمة ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) , افضل من الدنيا وادوم بقاءً . 
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى{18} 
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ هَذَا ) , اشارة الى التزكي والفلاح , او ان الاخرة خير من الدنيا , او الى ان القرآن والرسالة المحمدية بشرت بها كل الصحف السماوية السابقة , ( لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ) , المنزلة قبل نزول القرآن . 
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى{19}
تختتم الآية الكريمة ( صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ) , صحف ابراهيم "ع" عشرة او عشرون ,على اختلاف الآراء حولها , والتوراة لموسى "ع" . 
( عن أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله كم أنزل الله من كتاب قال مأة كتاب وأربعة كتب أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وعلى إدريس عليه السلام ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان قال قلت يا رسول الله وما كانت صحف إبراهيم عليه السلام قال كانت أمثالا كلها وكان فيها أيها الملك المبتلى المغرور إني لم ابعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها وإن كانت من كافر وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا أن يكون له ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل إليه وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب وتوديع لها وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه فان من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو تلذذ في غير محرم قال قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى قال كانت عبرا كلها وفيها عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح ولمن أيقن بالنار كيف يضحك ولمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ولمن يؤمن بالقدر كيف ينصب ولمن أيقن بالحساب لم لا يعمل قال قلت فهل في أيدينا مما أنزل الله عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام قال يا أبا ذر إقرأ قد أفلح من تزكى إلى آخر السورة .
عن الصادق عليه السلام إن الله عز وجل لم يعط الانبياء شيئا إلا وقد أعطاه محمدا صلى الله عليه وآله قال وقد اعطى محمدا صلى الله عليه وآله ما اعطى الانبياء وعندنا الصحف التي قال الله عز وجل صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام قيل هي الالواح قال نعم ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .