النظر بتأمل في التاريخ بعمومه يتضح إن قيام الدولة المستقلة لشعب أو إخفاقه ، هو مرهون بالدرجة الأولى والأساس به .
أتناول في هذه المقالة إمكانية قيام الدولة الكردية في كردستان ، حيث وطن الشعب الكردستاني ، أو عدم إمكانية قيامها ، وذلك بعيدا عن العاطفة والمبالغة في الأمور والشؤون ، والخوض في هذه الطريق الشائكة – طريق الدولة الكردستانية - ، أو المُحيِّرة برأي البعض بواقعية ودقة وأمانة . فالكتابة ، أو التحليل في القضايا السياسية والإجتماعية والتاريخية لا تقدم ولا تؤخر وحسب ، بل إنها تضر ولا تنفع ، وهو يتناقض من جهة أخرى مع معايير البحث والتحقيق أيضا ومصداقيتها .
فحينما نقول الدولة الكردية ، أو بالأحرى الدولة الكردستانية ينبغي أن يتبادر الى أذهاننا التساؤلات الهامة التالية ، وذلك لأهميتها الأساسية للقضية الكردية في جميع أجزاء كردستان – كما أعتقد - : هل إن القضية الكردية ضمن الواقع الحالي الموجود لأجزاء كردستان والشعب الكردي ، هي قضية واحدة ، وهل يوجد جزء واحد لكردستان ، وما هو حجم الأضرار التي لحقت بالكرد وكردستان من النواحي القومية والجغرافية – الوطنية والثقافية والإقتصادية والحضارية وغيرها منذ تقسيمهم في بدايات القرن العشرين المنصرم خلال إتفاقيات دولية معروفة ، حيث أشهرها وأخطرها إتفاقية سايكس – بيكو البريطانية – الفرنسية عام [ 1916 ] بعد سقوط الدولة العثمانية التركية وخلال الحرب العالمية الأولى [ 1914 – 1918 ] عليه يأتي التساؤل الهام جدا الآخر ، وهو : ما هو حجم التأثير والسلبية والخسائر الفادحة لتقادم الزمن على الكرد وكردستان بعيدا عن الحل النهائي العادل ، أي الإستقلال السياسي ، فتقادم الزمن على القضية الكردية لها مخاطر وسلبيات كبرى سكانيا وجغرافيا وآقتصاديا ..؟
ثم في أيِّ جزء من أجزاء كردستان ستقوم الدولة الكردية ..؟ فمثلا : هل هوعملي قيام الدولة الكردية في إقليم كردستان - العراق بمعزل عن باقي الأجزاء لكردستان ، ثم هل ستوافق الدولتان القويتان الكبيرتان تركيا وايران على قيام الدولة الكردية بجنبهما ، وهما يتقاسمان أكبر جزئي كردستان ، والتساؤل - ربما – الأهم والمركزي : ما هو موقف السياسة الدولية ، أي الدول العظمى الخمسة في العالم لقيام الدولة الكردية في إقليم كردستان – العراق وحده ، في حال إستقلال وقيام الدولة الكردية فيه : ما هي حدودها الدولية ، وكيف ستتعامل مع العالم الخارجي ، حيث أجواؤها وحدودها ، أي الإقليم ستكون – يومذاك - مغلقة ومقفلة ...!؟
بالنسبة للنقطة الأخيرة والتساؤل الأخير سيكون الجواب ، أو الحل الإفتراضي كالتالي : إحداث جسر جوي عملاق بين العالم الخارجي والدولة المفترضة في إقليم كردستان - العراق ، أي : ينبغي دعم تلك الدولة المفترضة على الصعد العسكرية والتسليحية والتموينية والصناعية والإقتصادية وغيرها عن طريق الإمداد الجوي المباشر الشامل لكي تتمكن تلك الدولة المفترضة في إقليم كردستان - العراق من الصمود والإستقرار والإستمرار في الحياة والوقوف على قدميها ، فهل ستقدم السياسة الدولية على تنفيذ مشروع كهذا ، أنا شخصيا لا أصدق ذلك ولا أعتقد بأن السياسة الدولية ستقوم بتبني مشروعٍ غريب ، أو خيالي من هذا القبيل ، بل بظني لا يوجد طرح كهذا في أجندتها ...؟
عليه ، نستمر في طرح هذه التساولات الضرورية : هل عمليٌّ إستقلال كردستان الملحقة بتركيا التي هي أكبر أجزاء كردستان من حيث المساحة والسكان ، أو كردستان الملحقة بإيران التي هي ثاني أكبر أجزاء كردستان من حيث المساحة والسكان أيضا ...؟
حتى الآن إن الغالبية من التركيز العالمي هي على إقليم كردستان - العراق ، مع إنه ثالث أجزاء كردستان مساحة وسكانا ، فلماذا التركيز عليه دون الجزآن الأكبران الآخران المذكوران ، أي كردستان الملحقة بتركيا ، وكردستان الملحقة بإيران ، فهل إقليم كردستان - العراق هو المفتاح لحل القضية الكردية بعمومها ، أو هل إن إستقلال إقليم كردستان – العراق وقيام دولة كردستانية فيه سيكون فاتحة لإستقلال سائر أجزاء كردستان ، أو قيام دولة كردية كبرى مؤلفة من جميع أجزاء كردستان ، أو قيام أربعة دول كردستانية ، حيث لكل جزء من كردستان دولة مستقلة خاصة به ...؟
أيضا لا أعتقد ذلك ، لأن السياسة الدولية لا تقبل المساس بالخارطة الجغرافية الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وبلدانها أقلا حاليا وفي الوقت المنظور ، ثم إن الظروف الداخلية ليست مؤهلة ولم تصل بعد الى المستوى المطلوب للقيادات والأحزاب السياسية الكردية بسبب الخلافات والخصومات الفكرية والحزبية الحادة بينهم من ناحية ، ثم بسبب تعقيدات الواقع التقسيمي الدولي لأجزاء كردستان من ناحية ثانية ، والغريب هنا في الموضوع ، هو إن الأحزاب الكردية منذ عقود مضت ، والى اليوم متفائلة ولها آمال عريضة وطويلة بقيام الدولة الكردية ، مضافا إن الكثير من المثقفين الكرد لهم نفس التفاؤل والآمال القوية وكأنه قاب قوسين أو أدنى من توحيد وتحرير الكرد وكردستان وتشكيل الدولة الكردستانية الكبرى في كردستان واحدة موحدة ، مع إنه بالواقع يمكن الإستنتاج بالعكس ، وذلك بالإستناد لعوامل وآعتبارات كثيرة ، وهي هناك عوامل قوية متعددة لعدم قيام دولة كردستانية مستقلة ، أو إجهاضها وإفشالها ولو كانت في طورها الجنيني ، مثل عملية الإستفتاء التي جرت في أواخر عام [ 2017 ] في إقليم كردستان – العراق ، وهذه العوامل سواءً الإجهاضية ، أو المتعثرة والفاشلة كانت ومازالت مرتبطة بأسباب داخلية - ذاتية وخارجية في نفس الوقت !
فالقضية إذن ، ليست – برأيي ووفق قرائتي - بهذه البساطة والسطحية ، لأن الجزآن اللذان يتقاسمهما تركيا وايران ، هما في غاية التعقيد في السياسة الدولية التي جزأت كردستان الى أربعة أجزاء في بدايات القرن الماضي ، ثم ألحقت كل جزء منها بدولة مجاورة لكردستان ، وذلك كي لا تقوم الدولة الكردية في كردستان ، في القرن العشرين وربما بعده أيضا ، وهو قرننا الحاضر الذي نعيش فيه ، أي إن السياسة الدولية أسقطت كردستان جغرافيا وآستراتيجيا عمدا ، وضمن خطة محكمة لإفشال أيَّ جهد كردستاني للتحرر والإستقلال من التبعية والإحتلال ، ومن ثَم لتأسيس كيان سياسي كردستاني مستقل . وهذا ما لاحظناه تاريخيا في تعثُّر ، بل فشل جميع المحاولات الكردية السابقة واللاحقة من الثورات والإنتفاضات والحركات التحررية التي كانت تهدف بغالبيتها للإستقلال وتأسيس الدولة الكردية ولو في جزء واحد من كردستان . وقد لا يتحقق ذلك بسهولة في الوقت المنظور بسبب سقوط كردستان على الصعيدين الإستراتيجي والجغرافي منذ أكثر من قرن ، أو بالأحرى تم إسقاطها دوليا . ذلك يعني إن جميع المحاولات والجهود الذاتية الكردية في الماضي ، كما الحاضر فشلت فشلا ذريعا في تحرير كردستان وإقامة دولة كردستانية مستقلة في كردستان ، حيث وطن الأمة الكردستانية لأجل عوامل داخلية - ذاتية أولا ، ثم بسبب عوامل خارجية ثانيا . فالمحاولات الكردستانية للإستقلال السياسي لكردستان ما قبل الحرب العالمية الأولى ، أي خلال العهود العثمانية والصفوية يمكن تعليل غالبيتها الساحقة الى العوامل الداخلية الذاتية ، أما اللاحقة ، أي من الحرب العالمية الأولى والى يومنا هذا هي تعود بأكثريتها الساحقة الى السياسة الدولية التي تتحكم بها الدول العظمى في العالم . هنا بوسعنا القول : كان بالإمكان في العهود العثمانية – الصفوية تأسيس الدولة الكردستانية لو توفرت في الثورات والإنتفاضات الكردية يومها الشروط والعوامل الداخلية التي بها تتأسس وتقوم عليها الدولة والكيان السياسي المستقل لأيِّ شعب وأمة .