وضعت على مكتبه تلك القضية , أوصلتها أيادٍ خفية , قلّب أوراقها , تفحصها , وجد انها رفعت من قبل حزباً من الاحزاب الشقية , اشتملت على عمالة , تجسس , سرقات , وأعمال لصوصية , اغتيالات , انفجارات , وتعدٍ على الحقوق الانسانية , المتهم فيها احزاباً سياسية , من بينها الحزب الحاكم , للحزب عضويات برلمانية , وحقائب وزارية , كما وأن الرئيس ينتمي اليه بالشخص والهوية , وتربطه به علاقات نخاعية , بل ان الرئيس من الحزب الحاكم كضلع من الاضلاع الصدرية .
الاحزاب المتهمة الاخرى ذات فوهات نارية , ومخالب عدوانية , لا توادد ولا تجامل , مبادئها صميمية , كما ولديها أجنحة مشاكسة , ونوايا طيبة .. وغير طيبة.
المشكلة , أرفقت مع الدعوى براهين قطعية , وأدلة عينية , وشواهد حسية , فلا يمكن رفضها , خصوصاً , وان الحزب المدعي أيضاً صاحب كتلة نيابية .
قلّب الأوراق , تفحص الأدلة , مرة تلو المرة , أغلق الملف دونما تعب او ملل , بهمة ونشاط خالٍ من الكلل , تناول ملفاتٍ أخرى كانت متموضعةٌ في الجوار , قلًب أوراقها بعناية واهتمام , وبعينٍ فاحصة تأمل فيها , اكتشف انها جميعاً تتهم الحزب المدعي , ذاك الشقي , صاحب الادعاء , يتهم غيره وهو غارق في وحل المعترك السياسي , لا يقل عن جميع المتهمين فساداً ودموية.
وضع ملف الحزب المدعي الاسود الى يمينه , ووضع ملفات المدعى عليهم السوداء أيضاً الى يساره , خلع نظارته الطبية الكبيرة .. وتأمل !.
وأخيراً .. وبعد تأمل لبرهة من الوقت , موضع نظارته الطبية في مكانها المعتاد , وحاول إصدار القرار , كتب ( بإسم الشعب ...) , لكنه توقف , اكتشف ان الشعب أحد المتورطين أيضاً , فجميع الأحزاب من الشعب , كذلك هو الشعب نفسه من جاء بهم الى السلطة بالانتخاب , قرر أن يغير العبارة , ألقى القلم على ورقة القرار , فكر قليلاً , وتأمل عميقاً , ثم تناول القلم مرة أخرى فكتب ( بإسم العراق ... ) .