دنت ساعةُ الرحيل , اذ تلقت مسامعي ما أصابني ذعرا . ناعٍ يبلغني بين اصحابي , فأوقرهم سمعاً وأذهلنا فكرا.
غالطت مسامعي لكن قوله أرجفنا , فتيقنت ما اخبرنا به, وعلمت بأنَّ الشهادة فوضت مجداً شامخاً وطوت فخرا.
غاب عنا بجسده غير مودعٍ , وروحه تشرق وتسلم علينا بطلعتها الغراء .
كان يوم أمس يودعنا , قائلا : لن تستطيعوا معي صبرا.
عشقته الشهادة فسارعت روحه شوقا كالبرق الى سبحان من أسرى في جنة المأوى . وله قصر مشرف هناك يتفاخر القصر بروحه بين الأنجم الزاهرة.
كان يرى اعمار الضعفاء بحرا والحياة سفينة , اذا عبرت كانت روحه ودمه لها جسرا .
هكذا ديدن الشهداء عبروا الملايين بأعمارهم ,فجلبت ارواحهم نفعا ودماؤهم دفعت ضررا .
كل فرد منهم ضياء جبينه أغرّ إنْ اظلم الــــدجى , وتبدَّى بسنا أنواره يُخجل البدرا.
لنقف ونسأل التاريخ عنهم فأنهم للقرين عظة والاحرار موعظة كبرى .
قفوا واسالوا قبرا حوى جسداً أو رفات خيرِ أمّة حيرى؟
يجيبكم جسده حزتُ العلى والندى معا ,فاعجب عند تسميتي الورى قبرا !
يقولُ عياله : نبكيه عندك مدمعا في موعد الذكرى .
اجابتهم المدامع شعرا اذا سكبت نثرا فقد سكبت شعرا ..
صبرا آل الشهيد لفرط الاسى ,فما فارقكم إلا بجسده ,وابقا عندكم روحه خصالا حميدة للهدى والتقى عزا و ذخرا .