بسم الله الرحمن الرحيم
عَبَسَ وَتَوَلَّى{1}
تستهل السورة الشريفة ( عَبَسَ ) , اشاح بوجهه كالحا , مكفهرا , ( وَتَوَلَّى ) , معرضا , منصرفا .
أَن جَاءهُ الْأَعْمَى{2}
تستمر الآية الكريمة مبينة السبب ( أَن جَاءهُ الْأَعْمَى ) , يختلف المفسرون في الآية الكريمة , فمنهم من يرى :
1- ان العابس كان رسول الله محمد "ص واله" , وذلك انه "ص واله" كان مشغولا مع اشراف قريش يرجو اسلامهم , فجاءه عبدالله بن ام مكتوم وهو رجل اعمى , طالبا الاستزادة من علمه "ص واله" , فعبس النبي في وجهه واعرض عنه , وعندما عاد الى البيت عاتبه الله جل وعلا على ذلك , فعاد "ص واله" مرحبا بعبدالله بن ام مكتوم الاعمى قائلا له "مرحبا بمن عاتبني به ربي " باسطا له رداءه , يذهب الى مثل هذا الرأي الكثير من المفسرين , ويعترض عليهم كثير اخرون .
2- عن الصادق عليه السلام نزلت في رجل من بني امية كان عند النبي صلى الله عليه وآله فجاء ابن ام مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه , وهناك اراء اخرى تذكر ان العابس كان عثمان , وهذه الآراء هي الاقرب للصواب , فحاشاه "ص واله" ان يعبس او يعرض عن احد , وهو الغني عن التعريف , رسول الرحمة والمحبة , والمعصوم عن الخطأ والزلل بالإجماع , وهو "ص واله" المخاطب بقوله جل من قائل { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4، فلا يصدر ذلك منه حاشاه.
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى{3}
تستمر الآية الكريمة مضيفة , اعتاد الخطاب القرآني مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" , على ان يكون المعني بالخطاب اشخاص اخرون , ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) , لعله بسؤاله تزكو وتطهر نفسه .
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى{4}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى ) , او لعله يتعظ مما يسمع من الرسول الكريم محمد "ص واله" , فتنفعه الموعظة .
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى{5}
تستمر الآية الكريمة ( أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ) , بماله , او استغنى عن مواعظك .
فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى{6}
تضيف الآية الكريمة ( فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ) , تتصدى او تتعرض مستمعا له .
وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى{7}
تستمر الآية الكريمة ( وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ) , وما عليك بطهارته او عدمهما ان كان غنيا .
وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى{8}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى ) , اما من جاءك ساعيا حريصا على لقاءك , وهو عبدالله بن ام مكتوم .
وَهُوَ يَخْشَى{9}
تستمر الآية الكريمة ( وَهُوَ يَخْشَى ) , حاله الخشية من التقصير .
فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى{10}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) , تتلهى وتتشاغل عنه .
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ{11}
تستمر الآية الكريمة رادعة ( كَلَّا ) , ردع , ولا ردع لرسول , لان الرسل والانبياء "ع" معصومون بالإجماع , ( إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ) , آيات القرآن موعظة للخلق .
فَمَن شَاء ذَكَرَهُ{12}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( فَمَن شَاء ذَكَرَهُ ) , فمن شاء حفظ ذلك واتخذ منه موعظة ومرشدا .
فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ{13}
تستمر الآية الكريمة ( فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ ) , عظيمة القدر عنده جل وعلا .
مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ{14}
تستمر الآية الكريمة ( مَّرْفُوعَةٍ ) , رفيعة مرفوعة عند الله تعالى , ( مُّطَهَّرَةٍ ) , منزهة عن ايادي الشياطين وتلاعبهم بها , سالمة من النقص والزيادة والتحريف والتبديل ... الخ .
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ{15}
تضيف الآية الكريمة ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ) , كتبة من الملائكة , و ( سَفَرَةٍ ) , يرى بعض المفسرين أي انهم سفراء بين الله تعالى وعباده .
كِرَامٍ بَرَرَةٍ{16}
تستمر الآية الكريمة ( كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) , مطيعين لله تعالى .
( عن الصادق عليه السلام الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ{17}
تضيف الآية الكريمة ( قُتِلَ الْإِنسَانُ ) , يرى بعض المفسرين عني بها الكافر , واقع الحال , ان حتى المؤمنين يدخلون في الكفر او الشرك في بعض الموارد , اما جهلا او قهرا او غفلة , او تعمدا , حسب الظرف , بذا يكون الخطاب معمم لجميع جنس الانسان , ولا يخص الكفار وحدهم , استثناء المعصومين من الشرك والكفر والرجس والفسوق والعصيان , كالرسل والانبياء "ع" ومن عناهم جل وعلا بقوله { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33 , ( مَا أَكْفَرَهُ ) , تعجب , بيانا لكثرة كفر الانسان , رغم كثرة الشواهد والدلائل أمامه وبين يديه على وحدته جل وعلا .
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ{18}
تضمنت الآية الكريمة استفهاما للتقرير او للتحقير على اختلاف الآراء ( مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) , ألا يرى الانسان من أي شيء خلقه الله تعالى ؟ ! .
مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ{19}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( مِن نُّطْفَةٍ ) , ماء قليل , ( خَلَقَهُ ) , منها خلقه انسانا كاملا , ( فَقَدَّرَهُ ) , فقدر له اطوار الحياة , حتى يكتمل خلقه او حتى يفنى .
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ{20}
تستمر الآية الكريمة ( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) , يسر له طريق الخير على بعض الآراء , وفي اراء اخرى طريق الخير والشر حسب اختياره "الانسان" , بينما هناك اراء تشير الى خروجه من بطن امه .
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ{21}
تستمر الآية الكريمة ( ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ) , ثم يموت ويدفن في قبر , وفي دفن الانسان بعد موته كرامه له وصيانة من السباع .
ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ{22}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ ) , احياه وبعثه جل وعلا للحساب .
كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ{23}
تستمر الآية الكريمة رادعة ( كَلَّا ) , ردعا للإنسان مما هو عليه من الكفر والعصيان وكثرة الذنوب , ( لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ) , منذ ان خلق آدم "ع" والى الان لم يقض احدا من البشر ما امر به , وذلك لعدم خلوهم من التقصير .