يَمُر العراق هذه الأيام بمفترق طُرقٍ خطير؛ فقد انفجرت قنبلة موقوتة, تم تنظيم توقيتها بدقة بالغة, فتكوين الحكومة غير الدستوري, بتوافق من كتلتين لا ترغب أحداهما بالأخرى, أثار حفيظة كثيرين.
بعد الانتخابات البرلمانية لعام2018, وللإخفاق السياسي بتكوين الكتلة الأكبر, التي كان من المؤمل أن ترشح, رئيس مجلس وزراء وتكون حكومة, اتخذت كتلتا الفتح وسائرون, عملية غير دستورية, بترشيح السيد عادل عبد المهدي, والتوافق مع الكتل الأخرى, لتمرير ذلك برلمانياً, فأعلن عن تكليف السيد عادل برئاسة مجلس الوزراء.
خلافا لما تم الترويج له, أثناء الحملة الدعائية الانتخابية, فقد عادت أغلب الكتل, لنظام التوافق والمحاصصة الذي أثبت فشله؛ ليتم تقاسم الحقيبة الوزارية, ما زاد شعور المواطن العراقي, باستمرار تجاهل إرادته, وبعد المسافة بين أغلب الساسة, ومطالب المواطن بالتغيير والإصلاح, فما بين وزير فاسد, وارتباط آخر بالإرهاب, وإحباطٍ تَأصلت جذوره, استغل من يترقب الفرصة, لإسقاط العملية السياسية برمتها, فشرع بالتحشيد لتظاهرات واسعة, تطالب بإسقاط النظام, بعد تجاهل الحكومة للمطالب, التي وعدت بتنفيذها, في البرنامج المعلن برلمانياً.
كسر حاجز الخوف ليس شعاراً, ينتهي حال انتهاء الاقتراع, ليتربع الفاسدون والفاشلون, أربع سنوات جديدة, تذيق الشعب الصابر الأصيل, التجاهل وتبويب سرقة خيراته, من خلال قوانين لا تفضي, إلا لصالح أحزاب وفئات معينة, فلم يبق بالعمر بقية للصبر, أصبح المولود عند سقوط الصنم رَجلاً, وفقد شباب العراق الأمل, فلا وظائف تحويهم, ولا مشاريع استثمارية تستقطبهم, وبرغم مساحات العراق الفارغة, لا يوجد مصانع ومجمعات سكنية, ناهيك عن المدارس المهدمة, والباقية آيلة للسقوط, كما هي سياسة أغلب الأحزاب, التي باتت تحضر حقائب سفرها, بعد نهب ما نهبوه, وفسادٍ نشروه وبناءٍ هدموه, وشعبٍ أبي قد حطموا أحلامه, بعيش كريم بعد تمزيقه.
لم تفكر الحكومات المتعاقبة, ولو بالحًدَ من الفساد, بل قامت بتشريعٍ قانون يعفي الفاسدين, بدل محاسبتهم وإعادة ما سرقوه, أما الفاشلين فيتم تدويرهم, كنفايات ولو كانت مسرطنة, فماذا كان يتوقع أولئك المتغطرسون, غير ثورة وهيجان شعبي, حتى وإن كان بتحشيد خارجي؟ كيف ينام الحاكم الظالم, على ظلم شعبه, وأمامه تأريخ حافل بمصير الطغاة؟ شَعب العراق الذي ضرب, أكبر مثل بالصبر والتحمل, لا يمكن أن ترهبه قنابل مسيلة للدموع, وبدلاً أن ينتحر بصمت, اختار الشهادة بمواجهة الظالمين, فقدم المئات من الشباب أرواحهم, فداءً لقضية الكرامة, ليعيش بعدهم من أخوتهم بكرامة.
وسط بغداد على عكس التظاهرات السابقة, التي كانت تنبثق من البصرة الفيحاء, فساحة التحرير التي كانت للاستعراضات السياسية, قبيل كل انتخابات, أصبحت قبلة الشباب, وساحة لتقديم الضحايا, لم تسكت المرجعية العليا كعادتها, فأيدت التظاهرات السلمية, وطالبت الحكومة بعدم استخدام العنف, بالرغم من تحشيد, بعض الساسة المشتركين بالحكومات الفاشلة والفاسدة, لتحاول الحكومة عبر تصريحها, بزج الحشد الشعبي الأبي, كقوة استخبارية داخل مجاميع المتظاهرين, ليس حرصاً عليهم, بل لجر البلاد لحرب أهلية, كي يهربوا بسلام, تاركين العراق وشعبة, في حريقٍ دائم.
كتلة واحدة لم تشترك بالحكومة, واتخذت خيار المعارضة السياسية البرلمانية, بإعلانٍ واضح صريح, وعندما وجه السؤال لقائد المعارضة, لماذا لا تشتركون بالحكومة, فكان الجواب ساطعاً برؤية مستقبلية: لا نشترك بحكومة ولدت ميتة.
لم يفهم أغلب الساسة الجملة الحكيمة, فكانت النتيجة صاعقة على حكومة الشؤم, التي حاولت ومن يواليها, كبح جماح التظاهر بشتى الوسائل, فما بين الوصف بالعمالة, والقناصين المجهولين والعتاد الحي, وركوب الموجة كسابق عهدهم, فلت زمام الأمور من يدهم, لقد رفضهم الشارع العراقي, الذي لم يعد يتحمل الظلم والظالمين, فقابل الشباب الرصاص, بأجسادٍ عارية وقلوب واعية.
لم يخرج شباب العراق, أشراً ولا بَطراً ولكن, خرج للمطالبة بالإصلاح, وصلته رسالة الحسين عليه وآله الصلاة والسلام, كما وصلت الحر بن يزيد الرياحي, حين صمت آذان الفاسدين, فأجابوا " لا نفقه ما يريدون" وكما قال أحدهم" كل شيء بلاش فماذا يريد العراقيون؟" وكأنه يقصد أنه باع العراق ببلاش.