بسم الله الرحمن الرحيم
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً{1}
تستهل السورة بقسم ( وَالنَّازِعَاتِ ) , يكاد يجمع المفسرون على انها الملائكة , تنزع روح ابن ادم , او سائر الارواح , ( غَرْقاً ) , ينزعون روح الكافر بشدة .
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً{2}
تستمر الآية الكريمة ويستمر القسم ( وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً ) , والملائكة تنشط ارواح المؤمنين أي تسلها برفق .
يرى بعض المفسرين ان الآيتين الكريمتين في ملك الموت عزرائيل "ع" واعوانه , اما الآيات الكريمة التي تليها لعموم الملائكة .
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً{3}
تستمر الآية الكريمة ويستمر القسم ( وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً ) , يختلف المفسرون فيها , فمنهم من يقول أي تنزل الملائكة من السماء مسبحة , واخرون يرون ان نزول الملائكة من السماء كالسباحة , وغالبا ما يطلق العرب على الفرس "السابح" .
فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً{4}
تستمر الآية الكريمة ويستمر القسم ( فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ) , يختلف المفسرون فيها ايضا , فمنهم من يقول:
1- ان الملائكة تسبق ارواح المؤمنين الى الجنة , ويسبقون بأرواح الكفار الى النار.
2- واخرون يرون ان الملائكة يسبقون مسارعين الى تنفيذ اوامره جل وعلا .
فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً{5}
تستمر الآية الكريمة ويستمر القسم ( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ) , الملائكة , حيث ان كل ملك منهم مكلفا بمهمة ما , فجبريل "ع" موكلا بالرياح , وميكائيل "ع" موكل بقطر المطر والنبات والموازين , وعزرائيل "ع" موكل بقبض الارواح , واسرافيل "ع" موكل بنفخ الصور , وبعض الملائكة مكلفون بحماية بني آدم , وبعضهم موكلون بكتابة اعماله الى غير ذلك .
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ{6}
تضمنت الآية الكريمة جواب القسم ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ) , تنشق الارض وتتزلزل باهلها , وعلى اراء اخرى , هي نفخة الصور الاولى .
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ{7}
تضيف الآية الكريمة ( تَتْبَعُهَا ) , يتبع الراجفة , ( الرَّادِفَةُ ) , الصيحة , او نفخة الصور الثانية , وبينهما اربعون سنة على بعض الآراء .
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ{8}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ) , خائفة , مضطربة قلقة .
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ{9}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ) , ذليلة من الخوف وشدة الهول .
يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ{10}
تروي الآية الكريمة على لسان ارباب القلوب الواجفة والابصار الذليلة , او هم كفار مكة ( يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ) , أنحيا بعد الموت .
أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً{11}
يستمر كلامهم في الآية الكريمة مضيفين ( أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً ) , أنرد الى الحياة , بعد موتنا وقد بلت عظامنا ؟ ! .
قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ{12}
يستمر كلامهم في الآية الكريمة معترفين ( قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ) , أي رجعتنا الى الحياة تلك اذا صحت , ستكون خاسرة , ونحن خاسرون بها لتكذيبنا لها , قالوا ذلك استهزاءً وسخرية .
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ{13}
تضمنت الآية الكريمة الرد الحاسم على قولهم ذاك ( فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ) , اي ان الرادفة التي يعقبها البعث نفخة واحدة , فلا تستصعبونها ، فذلك على الله يسير.
فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ{14}
تستمر الآية الكريمة ( فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ ) , فاذا كانت النفخة الثانية , فاذا جميع الخلق احياء على وجه الارض , بعد ان كانوا في بطنها , والساهرة الارض البيضاء المستوية .
( عن الباقر عليه السلام في قوله أئنا لمردودون في الحافرة يقول في الخلق الجديد وأما قوله فإذا هم بالساهرة والساهرة الارض كانوا في القبور فلما سمعوا الزجرة خرجوا من قبورهم فاستووا على الارض ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى{15}
تنتقل الآية الكريمة لتعرج على ذكر شيئا من قصة موسى "ع" وخطابها للنبي الكريم محمد "ص واله" والمعنى للعموم , او ان الخطاب للرسول الكريم محمد "ص واله" بالخصوص في مورد التسلية عنه لما كذبه قومه ( هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ) , ألم يأتيك خبره , وما اصاب المكذبين به , فالمكذبين بك من قومك سيصيبهم مثل ما اصاب المكذبين بموسى "ع" .
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى{16}
تستمر الآية الكريمة ( إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ ) , حين ناداه جل وعلا , ( بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) , اسم الوادي المقدس طوى .
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى{17}
تستمر الآية الكريمة ( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) , أذهب يا موسى "ع" الى فرعون , فأنه تجاوز الحد في الطغيان والظلم .
فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى{18}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( فَقُلْ ) , يا موسى "ع" , ( هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى ) , قل لفرعون هل لك ان تتطهر من الكفر والطغيان , بالتوحيد والايمان والصلاح .
وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى{19}
تستمر الآية الكريمة ( وَأَهْدِيَكَ ) , وارشدك يا فرعون , ( إِلَى رَبِّكَ ) , خالقك , ( فَتَخْشَى ) , فتخشاه بالإيمان به والعمل على طاعته .
فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى{20}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى ) , أي ان موسى "ع" قد ذهب الى فرعون , واراه المعجزة الكبرى , وهي اليد والعصا على بعض الآراء .
فَكَذَّبَ وَعَصَى{21}
تبين الآية الكريمة ان فرعون :
1- ( فَكَذَّبَ ) : كذب فرعون بموسى "ع" .
2- ( وَعَصَى ) : وعصا الله تعالى .
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى{22}
تستمر الآية الكريمة ( ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ) , أدبر عن الطاعة , ساعيا في ابطال امر "معجزات" موسى "ع" .
فَحَشَرَ فَنَادَى{23}
تضيف الآية الكريمة ( فَحَشَرَ ) , السحرة واهل مملكته وجنوده , ( فَنَادَى ) , فيهم .
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى{24}
تستمر الآية الكريمة ( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) , مدعيا الربوبية , بل مدعيا ان لا رب فوقه .
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى{25}
تستمر الآية الكريمة ( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ) , فعاقبه الله تعالى على كلمته الاخرى وهو قول فرعون ( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) , وايضا عاقبه الله تعالى على قول فرعون الاول {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}القصص38 , وكان بينهما اربعون سنة .
( عن الباقر عليه السلام انه كان بين الكلمتين أربعون سنة ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى{26}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ فِي ذَلِكَ ) , المذكور من قصة موسى "ع" وفرعون , ( لَعِبْرَةً ) , موعظة , ( لِّمَن يَخْشَى ) , لمن كان حاله الخشية من الله تعالى .