هذه التظاهرات الشبابية لها ميزات ايجابية وهي عدم تبنيها على الاقل امام الاعلام من الاحزاب والتيارات السياسية فهي مختلفة عن سابقاتها وهذا احد اسباب العنف الذي تميزت به , في ظرف اقل من اسبوع سقط على الاقل (108) شهيد واكثر من ( 4000) جريح وهذا رقم كبير مقارنة بالفترة الزمنية , على اية حال ان جملة من الاسباب الكبيرة والخطيرة ادت الى خروج المئات من الشباب للمطالبة بحقوقهم , لعل اهم ما اثار حفيظة الشباب المشاكل المتراكمة التي انتجتها سياسات القوى السياسية التي تدير البلاد منذ عام 2003 وقراراتها الخاصة بتوزيع الموارد بشكل غير منظم , فأن ندرة الموارد وسوء توزيعها تؤدي الى تصاعد المقاومة ضد النظام الذي يتولى توزيع هذه الموارد , وسوء التوزيع هذا ادى الى تجلي الطبقات الاجتماعية المتباينة حسب دخل الفرد , .من جهة ارتفع متوسط دخل شريحة واسعة من ( السجناء السياسيين , وسجناء رفحاء , والدرجات الخاصة وغيرها ) الى 1000 دولار شهرياً ومن جهة اخرى انخفض متوسط دخل الشريحة اخرى الى 200 دولار شهرياً بينما الشريحة الواسعة والمسحوقة هي شريحة الفقراء الذي يصل متوسط دخل الفرد فيها الى ( 0 ) دينار عراقي , وهذا الاختلال الخطير في التوازن هو الاخطر منذ نشوء الدولة العراقية وبدوره ادى الى الصراع الاجتماعي او الصراع الطبقي ,فالطبقة المستفيدة تحاول الحفاظ على وضعها عن طريق الاعلام وارتباطها بالنظام السياسي بينما تحاول الطبقة الفقيرة استعادة قوتها لتكون قادرة على الفعل ومن هذا المنطلق حشدت هذه الطبقة صفوفها عبر وسائل الاتصال المتاحة , وتجلى هذا الصراع واضحاً بين هذه الشرائح على مواقع التواصل الاجتماعي وصل الى حد السب والطعن واخرها كان مقطع رجل الدين الذي ينتمي الى المستفيدين من ( قانون رفحاء ) والذي انتشر على نطاق واسع في المواقع الاجتماعية وهو يشتم وينعت من يتكلم على قانون رفحاء (بالبعثي اولاد الرفيقات ) , هذه السياسات الخاطئة قسمت الشعب العراقي الى طبقات ( طبقة حاكمة مترفة , طبقة وسطى ,طبقة ميسرة , واخيراً طبقة الفقراء ) ويمكن تصنيف هذه الطبقات بشكل اخر وهي الطبقات الخضراء وهي المستفيدة من النظام السياسي والطبقات الصفراء وهي طبقة الموظفين والمتقاعدين متوسطي الدخل وطبقات الهشيم ( الفقراء), وان ما اشعل ذلك الهشيم وحرك (التظاهرات ) هو عود الثقاب الذي قمع اعتصامات طلبة الدراسات العليا امام الكاميرات وبوحشية ولعل تلك الفتاة التي سقطت من جراء رش المياه الحارة اشعلت غيرة العراقيين , كما للحدث الثاني وهو اقالة عبد الوهاب الساعدي بدون ذكر الاسباب ومكاشفة الشعب والذي يعتبره الشباب احد ابطال التحرير ايضاً ناراً في ذلك الهشيم .
اما بخصوص الفئات المشاركة في هذه التظاهرات فهي ما بين ( 16 – 25 ) سنة وهم فئة الشباب الذين ليس لديهم شيء ليخسروه سوى انفسهم لذلك كانت هذه التظاهرات هي الاشرس والاخطر بين سابقاتها , اما بخصوص استجابة الدولة , كانت واضحة نوعا ما تجلى في خطابات الرئاسات الثلاث ولعل كان ابرزها خطاب رئيس البرلمان الذي بدى متعاطفا ومنغمساً مع حالة التظاهرات واضعاً للحلول التي هي ليست من صلاحياته لكنه ساهم بالتهدئة نوعاً ما , اما حزمة الاصلاحات التي قام بها رئيس الوزراء لم تعالج اصل المشكلة بل حاولً التخفيف من شعبية التظاهرات من خلال قرارات احادية من شأنها ان تقلص حجمها وخطورتها , واعتقد التظاهرات ستستمر اذا ما عولج اصل المشكلة وهي (التوزيع العادل للواردات بين جميع فئات الشعب العراقي ) وتحسين المستوى المعيشي للجميع واصدار قانون يجرم تقاضي راتبين للشخص الواحد والتي انهكت كاهل الدولة العراقية واسهم في تعزيز التمايز الطبقي , كانت عفوية التظاهرات هي المحرك والقوة التي دعت الحكومة الى الوقوف على كلتا رجليها بعد ما كانت تقف على رجل واحدة وتنظر بعين واحدة لطبقة دون اخرى , لعل ما ينقص التظاهرات هو التنظيم والتنسيق .