منذ سنوات وانا اود التصميم على مسايرة الناس نحو كربلاء تقرباً الى الله والحصول على مزيدا من المثوبه ودعما لصاحب القضيه الحسين عليه السلام.التي استشهد على ايدي طغاة امة الاسلام يزيد وعبيد الله في سنة 61 هـ ولكن اردت استصحاب الصديق قبل الطريق لأني لم اذهب من قبل وهذه تجربتي الاولى, ومن الناصريه انطلقت بعد ان عزمت الهمه وثمت تحاور بيني وبين رفيق دربي ابو مصطفى من اهالي البصره.
قلت: من غير المعقول أن تتحرك عشرة ملايين نسمة في مدينة يشكو أهلها أصلا من ترهلها وضيق شوارعها. عشرة ملايين نسمة في أقل تقدير , وأعداد لا تحصى من السيارات والسرادق . ولم يكن هنالك تصادم أو شجار أو ارتباك في توالي الخطى.
قال مبتسما: أتعتقد أن كل هذه الأعداد حملتها هذه الطرقات القليلة؟
قلت: لا أفهم ما تقصد.
قال:لقد تسامت الأجساد وارتقت تملأ الفضاء وما بقيت إلاّ صورها.
كلماته مكثفة, يحاول سحب نفسه من المحاورة. وأنا أشد خيوط الكلام لاستمراريتها.
قلت:الأجسام التي قطعت مئات الكيلومترات بأيام دون انقطاع, لم يصبها إنهاك أو إعياء أو تردد . فأي عداء ماروثوني يقطع عُشرها؟ ولم يستلق على الأرض ليسترد أنفاسه, ويلعن المسافات في خطواته الأخيرة .
قال: إلاّ السائر الى كربلاء تزداد همته وتتفجر طاقته.
قلت: نعم, أحس أن هناك جاذبية تسحب هذا الجمع فترتعد فرائصه لتصدر أزيزا وهتافا تهتز لها حتى الأرض.
قال: محال أن تكون هذه الأصوات وهذه الطاقة لهذه الأجساد التي تتحرك على الأرض..
فقدت صاحبي بين الزحام الكثيف فأكملت حديثه مفكرا:
ـ عجبت من استهلاك الطريق برشاقة وأنا الذي لم أكن أقطع خمسة كيلومترات مشيا وان كان الرفيق من ودعت قلبي عنده.
أدهشني المشهد , فتوقفت لأستطلع الزحف المثير. أنظر لإمتداداته غير المتناهية, فيمتد نظري الى مسافات لم تكن بمتناول بصري, وحينما أعود لمواصلة الزحف أحس بجسدي قد سبقني, أهرول إليه بسرعة قصوى دون أن أصطدم بأحد.
لكنني تراجعت مفكرا لذلك الشاب الثلاثيني والمرأة الخمسينية التي معه,اللذان فقدتهما في الزحام الكثيف. كانت دموعهما متواصلة الهطول دون انقطاع , ينشجان هتافا بهمس متواصل , وقد تذكرت شيئا حرك انتباهي الآن إنهما خائفان. يتلفتان كثيرا, يحاولان الانضمام على بعضهما دون التماس مع الآخرين, واختصار الإجابة لأسئلتي. وتذكرت أنني حينما قدمت قنينة ماء الى المرأة الخمسينية امتنعت بالإيماء. .
تركت جسدي يهرول أمامي, وأثقلت الخطى للبحث عنهما, ربما سبقته فهو يثقل خطاه لأجل المرأة التي تصاحبه.
ثم التقيت صاحبي تارة اخرى بعد زحام كبير وتجاذبنا الحديث وقصة واقعة الطف وقلت له اية ميزانية هذه تستطيع الدوله ان تمول الناس الزاحفه نحو مدينة كربلاء المقدسه يحتاج الى مليارات الدنانير ولجان كثيره وجهد جهيد ولكني هنا ارى طوعية المؤمنين الموالين الزاحفين فالجميع قلوب صافيه مؤمنة مواليه لأل البيت .