أربعة عشر قرناً تمرّ على الحادث الأليم الذي دفع بالامام الحسن بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين نحو التوقيع على "معاهدة صلح" مع الطليق أبن الطلقاء معاوية بن أبي سفيان 26 ربيع الأول سنة 41 للهجرة في واقع ممزق ومريب، حقناً لدماء المسلمين ودفعاً للفرقة والنفاق والتشتت والانقسام وإندحار الرسالة النبوية الشريفة، لكن المؤرخين المتأثرين من قريب أو بعيد بتاريخ ودعايات وروايات الشجرة الملعونة (بنو أمية) الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس، والشجرةَ الملعونةَ في القرآن.." - سورة الإسراء الآية 60؛ وفق تفسير المفسرين ومنهم الكركي في رسائله: 2/227، وفي الخصال/398، وشرح الأخبار:2/535، والإحتجاج:1/409، وشرح النهج:6/290، والغدير: 10/82، وجمهرة خطب العرب:2/25وتفسير الطبري:1/169؛ لايزالون حتى يومنا هذا يظلمون الامام الحسن (ع) لحقنه دماء الأمة.
الامام الحسن المجتبى الذي نعيش هذه الأيام ذكرى إستشهاده المؤلم المفجع، مرّ بظروف عصيبة حيث النفاق والدجل والخيانة ألأموية تكتسح الشارع الاسلامي بقيادة أبن صاحبة الراية الحمراء معاوية الفاسق الفاجر وعقله المدبر عمرو بن العاص، بعد اغتيال أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام بسيف القاسطين المارقين المنافقين الخارجين عن دين الله سبحانه وتعالى، حيث عمت الفوضى في وسط الأمة خاصة في العراق والحجاز لما آلت اليه ماكنة الاعلام الأموي المسموم والضآل ما دفع بالكثير من أصحاب وأعداء الامام الحسن بن علي (ع) التخطيط والعمل على أغتياله إرضاءً لأبن هند آكلة الأكباد وبث الدعايات المسمومة والمغرضة مما أدى الى انقلاب الواقع والحقيقة وانتصار الشر على الخير كما هو مألوف لدى عرب الجاهلية والقبلية على مر السنين والقرون .
توارث بنو أمية جيلاً بعد جيل الغدر والمكر والحقد والكراهية والعمل جاهدين على شق عصا المسلمين وتحريف وتزييف الدين الاسلامي الحنيف، والإجهاد والتخطيط في قتل الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأبن عمه ووصيه دون فصل الامام علي أمير المؤمنين (ع) وأولادهم المعصومين عليهم السلام وأنصارهم وابتاعهم الميامين البررة واحداً بعد آخر بالسيف أوالسم أو في السجن طوال التاريخ، ليتعلم سلاطين العصر وطغاته وحكام الفسق والفجور والظلم والجور ذات الموروث في قتل المعارضين لهم بمختلف الطرق تحت يافطة الاغتيالات السياسية التي ملأت تاريخنا الاسلامي الدامي ضد الأئمة الهداة والأولياء والصلحاء والمؤمنين البررة والعلماء العاملين ودعاة العدل والمساواة وحرية المعتقد خاصة في بلادنا العربية من العراق حتى اليمن ومن البحرين حتى المغرب، مروراً بسوريا ولبنان ومصر والاردن وغيرها من بلاد المسلمين وخارجها بقيادة السعودية وأخواتها وبترودولارها .
أسباب عديدة دفعت بالامام المجتبى عليه السلام القبول بالصلح مع الحاكم الغاصب للولاية الفاسق معاوية ومنها:
1- خيانة قائد الجيش "عبيد الله بن العباس" الذي التحق بركب "معاوية" لقاء رشوة تلقاها منه رغم أن الأخير كان قد قتل أثنين من أبنائه.
2- خيانة زعماء القبائل في الكوفة الذين أغدق عليهم معاوية الأموال الوفيرة فأعلنوا له الولاء والطاعة وعاهدوه على تسليم الإمام الحسن (ع) له.
3- قوّة جيش العدو في مقابل ضعف معنويات جيش الامام (ع) الذي كانت تستبد به المصالح المتضاربة.
4- الدعايات والاشاعات التي أخذت مأخذاً عظيماً في بلبلة وتشويش ذهنية المجتمع العراقي.
الظروف الحرجة التي وضع فيها الامام الحسن (ع) من خذلان الناصر وغدر الشجرة الخبيثة لم تعطه خياراً سوى التنازل الاضطراري عن الخلافة لفترة من الزمن ليعود بالنفع على الدين وأهله وبهذا الأسلوب تحققت بشرى الرسول الأعظم (ص): "إن أبني هذا سيد وسيصلح الله به فئتين من المسلمين"- صحيح البخاري ج2 كتاب فضائل الصحابة ص1280 الحديث 3536 ـ سِيَر أعلام النبلاء ج3 ص251 إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى ص191 ـ أسد الغابة ج2 ص12 ـ تذكرة الخواص ص177 ـ الإصابة ج1 ص330 ـ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ص227 ـ الصواعق المحرقة الباب العاشر ص137 ـ المعجم الكبير ج3 ح2590 ص33 ـ كنز العمال ج13 ح570 ص100 ـ ذخائر العقبى ص125 ـ مجمع الزوائد ج9 ص175 ـ البداية والنهاية ج8 ص17 ـ تاريخ ابن عساكر ج13 ص271 ـ مستدرك الصحيحين ج3 ص192 ـ جامع الأصول ج9 ح6562 ص33 ـ الاتحاف بحبّ الأشراف ص34ـ كفاية الطالب الباب97 ص340- 353.
المجتمع الاسلامي آنذاك وبدلاً من الوقوف الى جانب سيد شباب أهل الجنة هذا الامام المفروض طاعته في حقنه لدماء المسلمين، استناداً للقرآن الكريم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ " سورة النساء الآية 59، وبما قاله الرسول الأعظم (ص) "الحسن والحسين عليهما السلام إمامان قاما أو قعدا"- جاء في كتاب علل الشرائع ج1ص248باب 159 والمناقب لإبن شهر آشوب ودعائم الإسلام والإرشاد للمفيد والبحار وكفاية الأثر وغيرها من مصادر الحديث؛ أخذوا يرمونه جفاءاً وحقداً وكراهية أموية ببغيهم واتهموه (ع) بأنه "مذل المؤمنين"!! مما جرح قلبه الشريف عليه السلام ليرد عليهم بقوله:-
1- أرى والله أنّ معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون انّهم لي شيعة ، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي (الاحتجاج : ج2 ، ص20).
2- والله لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأؤمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي ، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما ( المصدر السابق).
3- لولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتِل(علل الشرائع : ص211).
4- والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير أو يمنّ عليّ فيكون سنّة على بني هاشم آخر الدهر لمعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحيّ منّا والميت(المصدر السابق).
5- والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ إنّي لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه (علل الشرائع ص12).
6- لكنّي أردتُ صلاحكم وكفّ بعضكم عن بعض “ وقوله في جواب حجر بن عدي : “ وما فعلتُ ما فعلتُ إلاّ إبقاء عليك والله كلُّ يوم في شأن” (شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد : ج16 ، ص15).
7- ولكنّي خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً تشخب أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمُه (المصدر السابق).
8- علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة و... أولئك كفّار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفروا بالتأويل(المصدر السابق).
خذلان الأمة لقائدها السماوي زاد من جرأة الديكتاتور الفاجر في جفائه ومواصلة إذاه لسبط الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ معاوية يخطط لإغتيال الامام الحسن حتى مكر مكراً بدس السم الى الامام (ع) بواسطة زوجته جعدة بنت الأشعث طمعاً بأن تصبح زوجة يزيد ملك بنو أمية المقبل، ليقضي الامام المجتبى (ع) نحبه شهيداً مسموماً ويدفن في بقيع الغرقد بعد أن رفضت عائشة السماح بدفنه الى جوار جده الرسول الأعظم (ص) .