بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً{17}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ ) , بين الخلائق , ( كَانَ مِيقَاتاً ) , موقوتا , له وقت معلوم , عنده تنتهي الدنيا , ومنه تبدأ مرحلة جديدة .
يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً{18}
تستمر الآية الكريمة ( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ) , يتردد المفسرون بين النفخة الاولى او الثانية , ( فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ) , على شكل جماعات .
( عن النبي صلى الله عليه وآله إنه سئل عن هذه الآية فقال يحشر عشرة أصناف من امتي أشتاتا قد ميزهم الله من المسلمين وبدل صورهم فبعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكوسون أرجلهم من فوق ووجوههم من تحت ثم يسحبون عليها وبعضهم عمى يتردون وبعضهم صم بكم لا يعقلون وبعضهم يمضغون ألسنتهم فيسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذرهم أهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار وبعضهم أشد نتنا من الجيف وبعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقه بجلودهم فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس وأما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت وأما المنكوسون على رؤوسهم فآكلة الربا والعمي الجائرون في الحكم والصم البكم المعجبون بأعمالهم والذين يمضغون ألسنتهم العلماء والقضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم والمقطعة أيديهم وأرجلهم الذين يؤذون الجيران والمصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان والذين أشد نتنا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله تعالى في أموالهم والذين يلبسون الجباب فأهل الفخر والخيلاء ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَاباً{19}
تستمر الآية الكريمة ( وَفُتِحَتِ السَّمَاء ) , تشققت , ( فَكَانَتْ أَبْوَاباً ) , ذات ابوابا كثيرة , قيل ذلك لنزول الملائكة لسوق الناس للمحشر .
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً{20}
تستمر الآية الكريمة ( وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ ) , اقتلعت , ( فَكَانَتْ سَرَاباً ) , فكانت كالسراب في خفة مشيها .
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً{21}
تقرر الآية الكريمة ( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً ) , قائمة مقام الراصد للكفار الذي اعدت لهم .
لِلْطَّاغِينَ مَآباً{22}
تستمر الآية الكريمة ( لِلْطَّاغِينَ مَآباً ) , للكفار مرجعا ومأوى .
لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً{23}
تستمر الآية الكريمة ( لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً ) , دهورا متتابعة , فبعض اهل النار لا يخلدون فيها , بل سيخرجون بعد مدة او بشفاعة شافع , وبعضهم مخلدون فيها مهما توالت الحقب .
( عن النبي صلى الله عليه وآله لا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقابا والحقب بضع وستون سنة والسنة ثلاثمئة وستون يوما كل يوم كألف سنة مما تعدون فلا يتكلن أحد على أن يخرج من النار .
عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال هذه في الذين يخرجون من النار .
عن الصادق عليه السلام قال الاحقاب ثمانية حقب والحقب ثمانون سنة والسنة ثلاث مئة وستون يوما واليوم كألف سنة مما تعدون ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً{24}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا ) , في النار , ( بَرْداً ) , ما يبرد الحرارة عنهم , ( وَلَا شَرَاباً ) , ولا يشربون شرابا طيبا مستساغا , وقيل ان البرد هو النوم .
إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً{25}
تستمر الآية الكريمة مستثنية ( إِلَّا حَمِيماً ) , ماء في غاية الحرارة , ( وَغَسَّاقاً ) , وهو ما يسيل من صديد اهل النار .
جَزَاء وِفَاقاً{26}
تستمر الآية الكريمة ( جَزَاء وِفَاقاً ) , موافقا لأعمالهم وعقائدهم , فلا اعظم من الكفر ذنب , ولا اعظم من النار عذابا .
إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً{27}
تستمر الآية الكريمة مضيفة مقررة ( إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً ) , لا يخافون الحساب , لأنكارهم البعث والنشور .
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً{28}
تستمر الآية الكريمة ( وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ) , بالقرآن , بل وبكل ما جاءتهم به الرسل .
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً{29}
تضيف الآية الكريمة ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً ) , كل شيء من فعل وقول , صغيرا كان او كبيرا , مدون في اللوح المحفوظ .
فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً{30}
تروي الآية الكريمة على لسان ملائكة العذاب قولهم للكفار ( فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً ) , ليس لكم سوى العذاب , بل المزيد منه , يرى بعض اصحاب الرأي ان هذه الآية الكريمة انها أشد ما في القرآن على اهل النار .
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً{31}
تستمر الآية الكريمة مقررة ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ) , لهم الفوز والكرامة .
حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً{32}
تستمر الآية الكريمة ( حَدَائِقَ ) , بساتين مختلفة , ( وَأَعْنَاباً ) , ومنها العنب .
وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً{33}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَكَوَاعِبَ ) , ولهم فيها ايضا نساء مكعبة أثدائهن , ( أَتْرَاباً ) , على سن واحد .
( عن الباقر عليه السلام وكواعب أترابا أي الفتيات الناهدات ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
وَكَأْساً دِهَاقاً{34}
تستمر الآية الكريمة ( وَكَأْساً دِهَاقاً ) , كأس خمر ممتلئة .
لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذَّاباً{35}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً ) , باطل القول , ( وَلَا كِذَّاباً ) , ولا يكذب بعضهم بعضا .
جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَاباً{36}
تضيف الآية الكريمة ( جَزَاء مِّن رَّبِّكَ ) , جزاءهم منه جل وعلا على مقتضى وعده لهم , ( عَطَاء حِسَاباً ) , جزيلا , كافيا , كثيرا .
( عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال حتى إذا كان يوم القيامة حسب لهم حسناتهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف قال الله تعالى جزاء من ربك عطاء حسابا وقال اولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً{37}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) , ملكا وخلقا وتدبيرا , ( الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً ) , لا يملك احدا من الخلق ان يخاطبه , او يسأله , او ان يعترض عليه في عقاب او ثواب , الا من أذن له بالشفاعة او الكلام .
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً{38}
تستمر الآية الكريمة مبينة ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ ) , يختلف المفسرون فيه , فمنهم من يرى انه جبريل "ع" , او هو ملك اعظم من جبريل "ع" , او هو خلق من خلق الله تعالى , ( وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً ) , مصطفين صفوفا , ( لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ) , لا يملك احدا ان يتكلم , الا من نال الاذن بالكلام ونطق بالحق .
(عن الصادق عليه السلام وعن الكاظم عليه السلام : نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صوابا قيل ما تقولون إذا تكلمتم قالا نمجد ربنا ونصلي على نبينا ونشفع لشيعتنا ولا يردنا ربنا ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً{39}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ) , الثابت وقوعه , ( فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً ) , مرجعا بالإيمان والطاعة .
إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً{40}
تختتم الآية الكريمة مقررة ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً ) , عذاب الاخرة , وقربه لتحققه , كل آت فهو قريب , ( يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) , يومها ينظر كل امرء ما عمل من خير او شر , ( وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ) , يومها يقول الكافر متمنيا "ليتني كنت ترابا , فلا تكليف ولا عذاب" .