المثورة الحسينية ، حدث عظيم ، تجاوز الزمان والمكان ، وقد قدمّت قراءات متعددة في محاولة فهم هذا الحدث ، وقدمّت معايير مختلفة في قراءة الثورة الحسينيّة العظيمة.
الذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع ، هو مايثار في الصحف ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، من تساؤلات ، وتشكيكات ، حول حركة الانبياء في مجتمعاتهم بوجه عام ، والثورة الحسينية بوجه خاص .
من هذه التساؤلات والتشكيكات ، القول : بان اتباع الانبياء هم الطبقة المستضعفة التي لايقيم الناس لها وزنا ، اتباعهم كانوا قلة مستضعفة ، مقهورة ، ومغلوب على امرها ، لم يكن اتباع الانبياء ، اعيان المجتمع ووجوهه ، ولااصحاب ثروات وجاه ، وكذلك الامر مع الامام الحسين عليه ، وان اختلف قليلا ، فالامام الحسين عليه السلام ضمّت حركته بعض الاعيان والوجوه ، كحبيب بن مظاهر ، وضمت بعض قيادات الجيش كالحر بن يزيد الرياحي ، وضمت من كل طبقات المجتمع .وقد جمع كل هؤلاء الصدق والتفاني والاخلاص والتضحية .
الكثرة معيار كمّي ، والقلة معيار كمّي ، ونحن نحكم على الحركات وحقانيتها من خلال معايير الكم ، ونغيّب المعايير الكيفية .
موقف القران الكريم من معايير الكم
الكثرة ليست معيارا للحق ، فليست كثرة الجماهير والاتباع لشخص ما ، دليلا على حقانيته ومقياسا لايخطيء في ان الحق معه ، القران الكريم يتحدث عن هذا المعيار الكمّي ، ويذم الكثرة التي تنكبت طريق الحق ، ويمدح القلة التي ثبتت على الحق ، واستمرت في الثبات على مواقفها .يقول الله تعالى ذاما للكثرة التي تنكبت الطريق :
(لقد جئناكم بالحق ولكنّ اكثركم للحق كارهون ) . الزخرف : الاية : 78.
(وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) . يوسف: الاية : 103.
( ومايؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون ) . يوسف: الاية : 106.
( وان تطع اكثر من في الارض يضلّوك عن سبيل الله ) . الانعام : الاية : 116.
هذه كثرة تنكبت الطريق ، وحادت عن الجادة ، وانغمست في الاثم والشهوات ، فهي معيار كم ، لايصلح لاثبات الحق .وهناك قلة قليلة صالحة تمسكت بالحق ، وثبتت عليه وواجهت التحديات ، وتحملت المصاعب والالام ، مدحها القران ، واثنى على موقفها يقول الله تعالى حاكيا عن اتباع هود عليه السلام :
( وما امن معه الا قليل ) . هود : الاية : 40 .
( وقليل من عبادي الشكور ) . سبا : الاية : 113.
( الا الذي امنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم ) . ص : الاية : 24 .
وقد تعهد الشيطان امام رب العالمين ، ان يبذل كل مكره وخداعه ، ويوجه كل كيده نحو القلة المؤمنة التي تمسكت بالحق ، كما جاء في قوله تعالى حكاية عن الشيطان :
( لاحتنكن ذريته الا قليلا ) . الاسراء : الاية : 62.
الغرب ومعايير الكم
الحضارة الغربية ، حضارة مادية ، وقيمها مادية ، تقيس كل شيء بمعايير الكم ، تقاس الاعمال عندهم بالكم لابالكيف ، فمن يدفع دولارا بنيّة صادقة ، هو محسن بقدر هذا الدولار ، ومن يتبرع بملايين الدولارات ، فهو محسن بدرجة كبيرة حتى ولو كانت دوافعه الرياء والشهرة والمجد الشخصي ، الكيف لايدخل بالحساب ؛ في حين ان نظرة الاسلام تقول : ان العمل لايقاس بكميته وحجمه ، بل يقاس بدوافعه وكيفه .
حتى في اختيار الحاكم ، هم يعتمدون معيار الكم ، من يحصل على 51% من الاصوات هو المؤهل والجدير بالحكم ، والذي يحصل على 49% غير جدير ، وان كانت مزاياه ومؤهلاته اكثر .
معيار الكيف في الثورة الحسينيّة
البعض يقول : ان هناك ماسي ومظالم في العالم ، اكثر مما جرى على الحسين عليه السلام ، فهناك ضحايا الحربين العالميتين ، واعدادها الهائلة من القتلى والجرحى والمعوقين ، وهكذا الامر في كل الحروب ، ومعاناة السجون والتعذيب ، ويقولون ان عاشوراء كان ساعات من يوم واحد ، للاسف هذه معايير كم في قراءة عاشور، اما معايير الكيف فتقول : ان الحسين عليه السلام رجل لانظير له ، ولايمكن ان يقاس باحد ، واهل بيته اطهر اهل بيت على وجه الارض، واصحابه خير الاصحاب على حد تعبير الامام الحسين عليه السلام . عاشوراء بمعيار الكم سويعات من يوم واحد ، اما بمعيار الكيف ، فعاشوراء اختزلت كل الزمان ، وكل المكان ، وبقيت صرخة خالدة ، لاتمحى من صفحات الوجود .
الامام الحسين طلب النصرة ، وفي نفس الوقت سمح لمن جاء معه ، ان ينسحب من البقاء معه ، لماذا ؟ لانه لايريد الكم ، يريد الكيف ، معادلات عاشوراء تختلف عن معادلات اية معركة اخرى ، المعارك الاخرى تريد كما من البشر ، اما معادلات عاشوراء فتبحث عن معايير الكيفية في الانصار .