من المعلوم أن النهضة الحسينية قد قامت منذ اكثر من اربعة عشر قرناً ولكن الكثير من الناس لم يعرف مكنونات ملحمة عاشوراء واهدافها. بل كان هناك جدال ولغط حولها وخصوصاً من أصحاب الفكر الأموي الذين ذهبوا أن الحسين قد خرج لطلب الحكم والكرسي وأنه قد أنشق على عصا الخلافة أي خلافة يزيد(عليه لعائن الله) وان بيعة يزيد بيعة شرعية وهذا ما قال مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ فيقول( أن بيعة يزيد شرعيه وعلى الذي يخرج على حكمه مأثوم حرام والحسين بن علي رضي الله عنه خرج على يزيد ويقول ايضا ان الحسين غير مصيب لأنه عارض يزيد ويقول ايضا وان اهل السنة متفقين على الذي اجتمعوا الناس عليه بالبيعة وجب على الناس السمع والطاعة وحرم الخروج عليه والحسين لم يلتزم بهذا فقتل رضي الله عنه ويقول ايضا من الواجب على الحسين بيعة يزيد لكن الحسين غرر به و لم يبايع) ومن يقول أن ما من داع لها، حتى يذهب البعض ليقول إن الحسين(ع) ذُبح بسيف جده. لكن الدليل التاريخي وما اكتنف تلك النهضة من ظروف يؤيد قيام تلك النهضة المباركة في ذلك الوقت. وللرد على تلك التساؤلات نجيب عنها في جزئنا هذا.
أحقاق الحق وعدم مداهنة الباطل
1 ـ في البداية نحب أن ننوه ان النهضة الحسينية كانت من أجل الوقوف بوجه وضد دعاة الوثنية الجديد وهم بنو أمية فكان النهضة الحسينية من أجل ترسيخ الحق ضد الحكم الاموي والذي امتد منذ حكم عمر بن الخطاب في الشام والذين وضعوا الاحاديث لرسول الله في تمجيد الحاكم وأطاعته مثل(أطع الحاكم ولو ضرب ظهرك، واستأثر بمالك). فكانت إطاعة الحاكم الجائر فرضا واجبا على المسلمين والذي لحد الآن يعمل به ومن أجل تثبيت احكام الطغاة وامتداد لسياسة الظلم على العباد وبموجب هذا الحديث الملفق لرسول الله(ص).
2ـ ولو رجعنا الى صلح الحسن فأحد بنوده المهمة وهي " ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين " ولهذا كان الحسين صاحب الخلافة وأن الخلافة تكون للأمام الحسن(ع) بعد هلاك معاوية ولكن باستشهاد الحسن ودس له من قبل معاوية (عليه لعائن الله)كانت الامامة قد انتقلت الى الأمام الحسين (ع)وبعد هلاك معاوية بعد عشرة سنين الذي اوصى لأبنه يزيد الفاجر والسكير بالخلافة ضارباً عرض الحائط بنود صلح الحسن والتي عندما خطب بالناس في مسجد الكوفة قائلاً أن هذا الصلح تحت قدمي دلالة على عهده بنكث العهود والمواثيق وان الصعلوك معاوية يسير مع الباطل طوال حياته. وهذا ما ينافي مع مسيرة الحق التي يسير بها أبي عبد الله وأن الحق يسير معه حاله حال أباه امير المؤمنين.
3 ـ ومن جملة بنود صلح الحسن : " وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم حيث كانوا ".
وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عاهد الله وميثاقه وأن لا يبتغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سراً ولا جهراً ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق. والسؤال الأهم هل أوفى معاوية بهذه البنود؟ بل هو هذا المجرم شرد الشيعة في كل مكان ومنع عنهم العطاء حيث قال :
كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب و أهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة و على كل منبر يلعنون عليا و يتبرؤون منه و يقعون فيه و في أهل بيته(1). وألا يجيزوا لأحد من شيعة علي و أهل بيته شهادة، كما زاد على ذلك الملعون معاوية بأنه اصدر أمراً بسب الأمام علي على المنابر وجعلها جزء من الخطبة والسنة حتى أنه أذا نسي الخطيب ذلك يقومون العامة بمطالبة بإكمال السنة ويطالبون بقولهم اين السنة؟!!! وهذا يعني ان سيرة معاوية كانت في الباطل ولا تسير ولا تلتقي مع الحق بأي شكل من الأشكال.
4 ـ قتل معاوية لخيرة الصحابة والتابعين من حزب الله المفلحون وكانوا يمثلون بحواريي الامام علي(ع)من امثال حجر بن عدي ورشيد الهجري وعمر بن حمق الخزاعي والكثيرين فكان هو قاتل للنفس المحترمة وحتى التمثيل بضحايا معاوية وبنو امية حتى ثم كان فيما كتب به الحسين عليه السلام الى معاوية: { ألست قاتل حجر بن عدي أخي كندة وأصحابه المطيعين الصالحين العابدين، ولقد كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون المنكر والبدع، ويؤثرون حكم الكتاب، ولا يخافون في الله لومة لائم، فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة أن لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ولا بأحنة تجدها في صدرك عليهم؟ أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفرت لونه وانحلت جسمه بعد أن آمنته وأعطيته من عهود الله عز وجل ومواثيقه ما لو أعطيته العضم (2)من عهود اللّه ومواثيقه ما لو أعطيته طائراً لنزل اليك من رأس الجبل، ثم قتلته جرأة على ربك واستخفافاً بذلك العهد }(3).
وحتى الصحابي الجليل رشيد الهجري تلميذ الأمام علي(عليه السلام)، وصاحبه المنقطع اليه، والعالم المعترف له بعلم البلايا والمنايا(4)، وغيرهم الكثيرين. والذين توضح أن الباطل يسير مع معاوية وبنو أمية معاً، ومن هنا ثار الحسين ولم يداهن الباطل والمجرمون لأنه كان مع الحق دائماً. ولهذا قال (ع) في مسيره إلى كربلاء : { إنّ هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت ، وأدبر معروفها ، فلم يبق منها إلا صُبابة كصابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون أن الحق لا يُعمل به ، وأنّ الباطل لا يُنتهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّا ، فإني لا أرى الموت إلا الحياة ، ولا الحياة مع الظالمين إلا بَرَما ، إنّ الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معائشهم ، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون }(5).
ودولة الحق هي دولة أهل البيت ( عليهم السلام )وهي دولة قائم آل محمد، والدولة الكريمة ، والدولة الشريفة ، ودولة الحق ، كما جاء تسميتها بها في الأحاديث المباركة.
ففي حديث الامام الصادق ( عليه السلام ) : « فأين دولة الله ؟ اما هو قائم واحد » (6). وفي الحديث الآخر عنه ( عليه السلام ) : « ودولتنا في آخر الدهر تظهر » (7).
وفي دعاء الافتتاح الشريف كما في الحديث أيضاً :« اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة » (8). وفي الزيارة المباركة للامام المهدي ( عليه السلام ) :« السلام عليك ايها المؤمّل لإحياء الدولة الشريفة » (9).
وفي حديث توصيف أصحابه ( عليه السلام ) : « منتظرون لدولة الحق » (10).
وبدراستها تعرف أنها دولة السماء في الأرض ، وأفضل دول العالم ، منذ خلق الله تعالى آدم ( عليه السلام ).
في هذه الدولة يتبدل الخوف الى الأمن ، والفقر الى الغنى ، والحزن الى السرور ، والجحيم الى النعيم ، والظلم الى العدل ، والجهل الى العلم ، والفساد الى الصلاح ، والضعف الى القوّة ، والذبول الى النضارة ، ويكون فيها كل الخيرات ، والخيرات كلها.
وما أجمل ما جاء من وصفها في الحديث : « وفي أيام دولته تطيب الدنيا وأهلها »(11).
طيباً لا كدر فيه ، وصلاحاً لا فساد فيه ، وسَعداً لا نحس فيه.
فهي الحَريّة بأن يكون عصرها أفضل العصور ، عصر النور ، عصر العلم ، عصر القدرة ، عصر السعادة ، عصر السلامة ، عصر المعجزات ، عصر الخير ، وخير عصر وهو يمثل عصر الحق بأسمى معانيه...
ففي الحديث : « يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً »(12). وكل ذلك يكون من البركات الآلهية للأمام المهدي(عج)وتلك القيادة الآلهية تكون من قبله وعلى جميع أنحاء العالم ليهمين على الدنيا وتكون عنده كراحة يده. وأنّها دولة القضاء والحكم العادل بين أفراد المجتمع، فلا ظلم ولا جور ولا حيف فيها، ولن يكون فيها مظلوميّة لأحد اي يكون الحق فيه سائد.
" فالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف خليفة الله في الأرض، ووارث النبيّين، والداعي إلى سبيل الحقّ والقائم بالقسط ومُجلي الظُلمة ومنير الحقّ، والناطق بالحكمة والصدق، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجوراً. ينتظره الناس لإزالة الهمّ وكشف الكرب والبلوى.
فعلى يديه ستتحقّق دولة العدل الإلهيّ في آخر الزمان ليعيش الناس بأمان واطمئنان لما يرونه ويتذوّقونه من طعم الإيمان وحلاوة العدل الّذي يحقّقه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
ولهذا أشارت الروايات والأخبار إلى معالم الزمن المهدويّ وما يتمّ على يد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من إنجازات على مستوى تحقيق الرفاهيّة والعدل للبشريّة. وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قال: "... وتُخرج له الأرض ـ أي للمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ أفاليذ كبدها وتلقي إليه سلما مقاليدها، فيريكم كيف عدل السيرة ويحيي ميت الكتاب والسنّة"(13 ، 14).
ومن هنا تبين الارتباط الوثيق بي ما قام به الحسين(ع) من نهضة من أحقاق الحق ورفض الباطل والظلم وعدم مداهنة الظلمة والطغاة من أجل التبشير لقيام دولة الحق من قبل أبنه الأمام الحجة(عجل الله فرجه الشريف)وهي دولة العدل الآلهية المنزلة من السماء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.