المعايير السائدةُ في النصرِ والهزيمةِ في عالم اليوم ، هو : انَّ النصرَ تصنعُهُ الجُيُوشُ ، والاتُ القتلِ والدمار، وحراب الموت . والهزيمة : هي ان توقعَ بخصمك ومقاتليه ، القتل الذريع ، والموتَ الزؤام، وان تهدم البيوتَ على رؤوسِ ساكنيها ، وان تمثل بالجثث ، وتسمم مياه خصمك ، وتنشر الرعب والذعر في صفوفه ، وتقتل اطفاله ، وتسبي نساءَهُ .
هذه هي المعايير السائدة في الماضي واليوم وفي غد . المهم تحقيق الانتصار على الخصم بايةِ وسيلةٍ ، المهمُ هو الانتصارُ العسكريُّ وان ديست القيم ، وسحقت الكراماتُ.
في عاشوراء ، نجدُ معركةً اخرى ... تمثل انقى واطهر معركة في التاريخ ، غير قابلة للتكرار باعيان شخوصها ، ووقائعها واحداثها . والذين يبحثون عن الطهر والنقاء ، يستلهمون من عاشوراء كلَّ هذه المعاني الساميّة ، والقيم النبيلة .
في عاشوراء حدثَ مثلُ هذا الانتصار المزعومِ ، والغرور الموهومُ ، وغطرسةُ القوة الفاجرةِ وعربدتها . في ساحة الطف قطعُ راسُ سيد الشهداء ، واحتز نحره ، وقطعت رؤوس اهل بيته واصحابه ، ومنع عنه الماء ، وحرقت خيامهم ، ورضت خيول الجريمة صدر سبط رسول الله (ص) وظهره ، وسبيت عقائل الوحي ، وبناتُ الرسالة .
ولكن ماذا كانت النتيجة ، كل ماحدث من تقتيل وتقطيع اعضاء ، ومنع الماء وقطع الرؤوس ، وسبي النساء ... ليس انتصاراً بمعايير القيم . هذا ليس انتصاراً ، وانما هو غطرسة القوة الغاشمة ، وعربدةُ الحرابِ الفاجرة ، وضيق افق المجرمين والقتلة اذ لم يحصلوا حتى على " خسيس عيشٍ كالمرعى الوبيل" على حد تعبير الامام الحسين عليه السلام . اما المقتولون بالحراب الغادرة ، اما الشهداء تحولوا الى تيجان مرصعة بالعز والكرامة على راس العصور والدهور .
انتصر الامام الحسين عليه السلام ، وكل شهداء كربلاء الابرار ، على الغرور والغطرسة والزيف ، وانتصرت قيمهم ، والمعاني التي ثاروا من اجلها ، وقضوا شهداء من اجل احيائها وبعثها في ضمير الامة .
هذه ما ابرزته عاشوراء بوجهيها ، الوجه الناصع العلوي الملكوتي الذي مثله سيد الشهداء عليه السلام واهل بيته واصحابه ، ووجهها الاخر البشع المظلم الذي جسده المجرمون والقتلة . هذا الوجه مثله يزيد وابن زياد وشمر بن ذي الجوشن وعمر بن سعد وانس وخولي ،وكل هذه القائمة من الاشرار والمجرمين.
ولكن في النهاية انتصرت المظلومية على القوة الغاشمة بكل حرابها وسيوفها وسهامها ونبالها ... وانتصر الدم على السيف .
الدرس الذي نتعلمه من عاشوراء هو : ان المظلومية تنتصر على قوى الشر الباغية ، اذا احسنا توظيفها .... ونحن لدينا مظلوميات حقيقية ، ولكننا لانحسن عرضها على العالم . والاخرون لديهم مظلوميّات موهومة ومبالغ فيها ، ولكنهم اجادوا الصراخ والعويل ، وتعاطف العالم معهم ، واسسوا لهم كيانا ... غاندي تعلم من الحسين عليه السلام توظيف المظلوميّة ، وحقق الانتصار ... نحن بامكاننا توظيف مظلومياتنا لننتصر.