ما أن عُرض الفيديو الهزلي للسيدة نادرة ناصيف وهي تُعلن عن تأسيس (مملكة الجبل الأصفر) الوهمية حتى أزهرت نظرية المؤامرة المنتشرة أصلاً في عالمنا العربي وفي العراق تحديداً، وانبرى بعض الكتّاب لتدبيج المقالات وترويج الأسطوانة إياها عن المؤامرة الإمبريالية الماسونية الأمريكية الصهيونية ... ألخ على العالم العربي حتى كتب أحدهم: «تدلل على وجود مؤامرة تحاك تجاه أهل غزة خاصة والفلسطينيين عامة، لتهجيرهم وترحيلهم لتصفية القضية الفلسطينية»، وكتب آخر: «ما أفصح به بيان الإعلان من أهداف سيكون بديلاً لمشروع الاستيطان الخاسر في سوريا والعراق، وستكون هذه المملكة المزعومة جنيناً صهيونياً جديداً في قلب القارة السمراء»!!!
وتكررت مثل هذه العبارات في أغلب مقالاتهم، بل تكرر حتى الخطأ نفسه حول مساحة (المملكة) البالغة (2060 كم²) فيذكرون أنها تعادل مساحة دولة الكويت ولم يتعب أحدهم نفسه ليبحث في (google) ليتأكد من المعلومة ليجد أن مساحة الكويت تبلغ حوالي (17.818 كم²) ولا تعادل مساحة (المملكة) المفترضة!
ثم يتحدثون بثقة عن تأسيس (المملكة) في مؤتمر القمة المنعقد في مدينة أوديسا الأوكرانية، مع أنه لم ينعقد أي مؤتمر قمة في أوكرانيا ولم يزرها أي رئيس دولة في تلك الفترة!
ونسوا أو لم يعرفوا أصلاً أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن (مملكة) في هذا المنطقة التي تقع بين مصر والسودان المسماة (بئر طويل)، فقد جرت مثل هذه المحاولات سابقاً ولم تنجح أي منها ولم يترتب عليها أي أثر، أنها مجرد فرقعات إعلامية تنتهي في وقتها، وهاكم بعض الأمثلة:
في عام (2010) أعلن أحدهم عن تأسيس (مملكة بئر طويل) وأطلق على نفسه لقب (الملك هنري) وفتح باب الحصول على جنسية (المملكة) ولكن لم يتقدم أحد ليكون من رعاياه مع الأسف!
وفي عام (2014) أعلن الأمريكي (جيرمي هيتون) أنه ملكاً على (مملكة شمال السودان) ليحقق رغبة أبنته في أن تكون أميرة! بل أنه حتى صمم علماً للمملكة وسك عملة لها وأعلن ابنته (إميلي) أميرة عليها!
وفي عام (2017) أعلن الهندي (سوياش ديكسيت) نفسه حاكماً على المنطقة وأطلق عليها أسم (مملكة ديكسيت)، وأيضاً صمم علم وشعار لها، وأعلن عن فتح الاستثمارات الأجنبية وطلبات الحصول على الجنسية، ولكن لا أحد أستثمر أو طلب جنسية (مملكته)!
كل هذه المحاولات وغيرها انتهت في وقتها وتناولتها وسائل الاعلام العالمية باعتبارها من الأخبار الطريفة ليس إلا، والمحاولة الاخيرة للسيدة (ناصيف) هي من هذا النوع أيضاً، وبالتالي فهي ليست جزءً من (صفقة القرن)، بل أكاد أجزم أن الرئيس (ترامب) وصهره المكلف بهذه الصفقة (جاريد كوشنر) لم يسمعا بـ (بئر طويل) ولا أين تقع!
نعم قد يستغرب البعض من ذلك لأنهم يتصورون أن الرئيس الأميركي يعرف كل شيء عن كل دولة بالعالم ويحدد مصيرها ومستقبلها بدقة، بالحقيقة هذا ليس صحيحاً، وعلى سبيل المثال أن الرئيس (جورج بوش) لم يعرف أسم رئيس باكستان (برويز مشرف) عندما سئُل عنه!
أيها السيدات والسادة: أرجوكم خذوا نفساً عميقاً ولا تهولوا الأمور وابتعدوا قليلاً عن نظرية المؤامرة وأنظروا للأشياء كما هي لا كما تتخيلونها!