بسم الله الرحمن الرحيم
لسورة الانفال الشريفة الكثير من الفضائل والخصائص , نذكر منها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال , عن ابي عبدالله (ع) قال : من قرأ سورة الانفال وسورة براءة في كل شهر لم يدخله نفاق ابدا , وكان من شيعة امير المؤمنين (ع) .
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{1}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) : الانفال جمع ( نفل ) وهو الزيادة على الشيء , وهنا هي غنائم يوم بدر "مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي" .
يشير النص المبارك , ان اصحاب النبي الكريم محمد (ص واله) سألوه عن الانفال ( الغنائم ) في يوم بدر , فيأمره النص المبارك (ص واله) ان يجيبهم ( قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) .
جاء في تفسير البرهان ج2 للسيد هاشم الحسيني البحراني ( عن ابي عبدالله (ع) قال : الانفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب , او قوم صالحوا او قوم اعطوا بايديهم , وكل ارض خربة وبطون الاودية فهو لرسول الله (ص واله) وهو للامام من بعده يضعه حيث يشاء ) .
وفي حديث اخر ( عن ابي عبدالله (ع) قال : من مات وترك دينا فعلينا دينه والينا عياله , ومن مات وترك مالا فلورثته ومن مات وليس له موال فماله من الانفال ) .
2- ( فَاتَّقُواْ اللّهَ ) : امر مباشر منه جل وعلا بألتزام طاعته وترك نواهيه .
3- ( وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ) : يشير النص المبارك الى الاصلاح بين الاطراف المختلفة من المسلمين .
4- ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) : يتضمن النص المبارك امرا ثالثا للمسلمين , فليزمهم بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله (ص واله) , فالمؤمن يجب عليه الالتزام بالطاعة لله تعالى ولرسوله (ص واله) .
يلاحظ في الاية الكريمة انها قرنت ما لله تعالى بما للرسول الكريم محمد (ص واله) في موضعين :
1- ( قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) : ملكية الانفال لله تعالى , ثم للرسول الكريم (ص واله) فيتصرف بها حيث شاء , وليصرفها في مواردها .
2- ( وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ ) : فكانت طاعة الرسول (ص واله) بعد طاعته عز وجل , او هي منها وامتداد لها , فمن اطاع الرسول الكريم (ص واله) فقد اطاع الله عز وجل .
مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة , ان النبي (ص واله) عيّن في يوم معركة بدر جوائز للمقاتلين المسلمين ترغيبا , كأن يقول (ص واله) مثلا : من جاءني بفلان من الاعداء اسيرا فله عندي كذا "جائزة" , وكان هذا الترغيب مدعاة ان يثب المقاتلون الفتية في تسابق افتخاري نحو الهدف , الا ان الكهول والشيوخ ظلوا ثابتين تحت ظل الرايات , فلما انتهت معركة بدر اسرع المقاتلون الفتيان لاخذ الجوائز من النبي (ص واله) , الا ان الشيوخ وكبار السن تقاعسوا عن ذلك . "مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي" .
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{2}
تذكر الاية الكريمة ثلاث صفات من صفات المؤمنين :
1- ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) : المؤمن عندما يذكر الله تعالى يخاف ويفزع ويسارع في اتجاهين :
أ) يعلم ويدرك ما لدى الله تعالى من جنان وثواب ونعيم , ومنازل الرضوان , فيسارع اليها , ويخشى ان تفوته واحدة منها .
ب) يفزع ويخشى المؤمن مما اعد الله تعالى من العقوبات لاهل المعاصي والاثام , فيسارع الى اجتنابها , ويحرص ان لا يصيبه شيئا منها .
2- ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً ) : المؤمن عندما يسمع او يقرأ ايات الله تعالى , يزداد ايمانا لتدبره وتفكره فيها .
3- ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) : يكل المؤمن كل اعماله وما يعترضه من شواغل الى الله تعالى , فلا يرجوا غيره , ولا يخشى سواه شيئا , ولا يحزن على ما فاته .
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3}
ذكرت الاية الكريمة السابقة ثلاثة مواصفات للمؤمنين , فتضيف الاية الكريمة أثنان أخريان :
1- ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ) : يواظب المؤمن على اداء الصلاة المفروضة في اوقاتها , ويحرص ان لا يفوت شيئا منها .
2- ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) : المؤمن ينفق مما رزقه الله تعالى على اعتبارين :
أ) النفقة الواجبة : كالزكاة والخمس وزكاة الفطرة في شهر رمضان المبارك وغيرها .
ب) النفقة المستحبة : لا تجب عليه , لكنه يتطوع بما فضل من ماله , مساعدة للاخرين , وزهدا في الدنيا , وطلبا لحسن المقام في الاخرة .
أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{4}
تمتدح الاية الكريمة المؤمنين المتصفين بالصفات اعلاه ( أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً ) , وتصف ايمانهم ( حَقّاً ) , وتقرر لهم :
1- ( لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ ) : الجنة درجات كثيرة , كل درجة افضل مما دونها , اقل فضلا مما فوقها , تعتمد كل درجة على مدى عزيمة المؤمن المستحق لها .
2- ( وَمَغْفِرَةٌ ) : يستر الله تعالى ذنوبهم وعيوبهم , فلا يفتضحون بها , ويكتنفهم عفوه عز وجل .
3- ( وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) : في الجنة , حيث لا عين رأت , ولا أذن سمعت , ولا خطر على قلب بشر ! .
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ{5}
مما يروى في نزول الاية الكريمة ( وذلك أن أبا سفيان قدم بعير من الشام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغنموها فعلمت قريش فخرج أبو جهل ومقاتلو مكة ليذبوا عنها وهم النفير وأخذ أبو سفيان بالعير طريق الساحل فنجت فقيل لأبي جهل ارجع فأبى وسار إلى بدر فشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال إن الله وعدني إحدى الطائفتين فوافقوه على قتال النفير وكره بعضهم ذلك وقالوا لم نستعد له كما قال تعالى ) " تفسير الجلالين/للسيوطي" .
يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ{6}
تشير الاية الكريمة الى البعض من صحابته (ص واله) , حيث انهم جادلوه (ص واله) بأمر القتال , بعد ما تبين لهم انه الحق , وهو واقع بهم لا محالة , فكانت حالتهم كمن يساق الى الموت , وهو ينظر اليه , نظرة عيان ! .
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{7}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ) : وعد الله تعالى نبيه (ص واله) والمسلمين بالظفر بأحدى الطائفتين ( العير او النفير ) .
2- ( وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ) : لكن المسلمين كانوا يودون الظفر بالعير , لقلة عددها ومددها , وطمعا لما فيها من حمولة , ويكون الظفر بها أسلم , اما الطائفة الاخرى ( النفير ) عبر عنها النص المبارك بأنها ( ذَاتِ الشَّوْكَةِ ) , حيث كان فيها البأس والسلاح , وفيها العدة والعدد من المشركين , ولا يمكن الظفر بها من دون قتال , مما يعرض الاراوح للموت , والاجساد الى التلف ! .
3- ( وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ) : لكن الله عز وجل يريد ان يحق الحق , بأرتفاع راية الاسلام , وذلك لا يكون الا بقتال النفير .
4- ( وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) : أرادة الله تعالى أستئصال الكافرين , فأمر المسلمين بقتال ذات الشوكة ( النفير ) .
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{8}
تبين الاية الكريمة ان في قتال ذات الشوكة ( النفير ) فيه امرين :
1- ( لِيُحِقَّ الْحَقَّ ) : انتصارا له , وقتالا في سبيله , ما يوجب احقاقه , وارتفاع شأنه , وفيه العزة للاسلام والمسلمين .
2- ( وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ) : وفيه ايضا دحرا للباطل , وهزيمته , واستئصاله .
يلاحظ ختام الاية الكريمة بــ ( وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) , ولم تقل المشركون مثلا او الكافرون , لذلك عدة أراء نطرحها على سبيل الطرح , في ايهما كان المقصود بــ ( الْمُجْرِمُونَ ) :
1- الكفار او مشركي مكة , كونهم من اعد النفير لمواجه الرسول الكريم (ص واله) , دفاعا عن العير .
2- المترددين او المتخاذلين من المسلمين , الذين كرهوا قتال النفير , وفضلوا العير ( غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ ) , لانهم بهذا الاسلوب قد اجرموا بطريقين :
أ) كادوا يشقون عصا المسلمين , فيتفرقوا الى طائفتين , طائفة تفضل القتال , واخرى لا تفضله .
ب) كان لهم دور كبير في تثبيط معنويات المسلمين , وبالخصوص اولئك الذين كانوا يفضلون القتال .
3- المنافقون : لا ريب ولا شك كانوا موجودين بين صفوف المسلمين , وكان لهم دورا اجراميا بارزا في شق عصا المسلمين , وثنيهم عن القتال .
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ{9}
ركزت الاية الكريمة على امرين :
1- ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ) : عند اشتباك الاسنة , وتعالت الصيحات , في يوم بدر , طلبتم ايها المسلمون العون من الله تعالى , لقلة عددكم , وكثرة عدوكم .
2- ( فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ ) : يروي النص المبارك ان الله تعالى قد استجاب للمسلمين , فأمدهم بألف من الملائكة , يتبع و يردف بعضهم بعضا , يقاتلون معهم .
يلاحظ في الاية الكريمة ان المسلمين أستغاثوا بالله تعالى وطلبوا العون منه جل وعلا , فكانت الاستجابة فورية , وكان المدد بألف من الملائكة , قاتلوا معهم حتى النصر , لا يخص ذلك واقعة بدر فقط , بل يعمم في كل زمان ومكان , فأينما وجد المسلمين في حالة قتال مع الكفار , فبمجرد ان يطلبوا العون منه جل وعلا , بأيمان صادق , وقلوب مدركة , فسيدركهم العون والنصرة والتأييد منه جل وعلا لا محال ! .
وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{10}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى ) : جعل الله تعالى الامداد بالملائكة بشرى للمسلمين .
2- ( وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ) : البشرى تطمئن القلب , وتهدأ الروع , وترفع المعنويات .
3- ( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ) : لا يمكن للمسلمين ان ينتصروا , ما لم ينصرهم الله تعالى , فما النصر الا من عنده جل وعلا .
4- ( إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) : الله جل وعلا عزيزا في ملكه وملكوته , حكيما في تصريف شؤون خلقه .