أن أهم خطر كان يواجه الإسلام هو التحريف في القرآن الكريم ولو أطلعنا على ما يقوله الكاتب د. محمد توفيق علاوي في أحد مقالاته فهو يقول " ان اخطر عملية كان يمكن ان يتعرض لها الاسلام هي تحريف كتاب الله، حيث وردت عدة آيات في الكتاب بحق الحكام الظالمين من بني امية اهمها حين وصفهم الله بالشجرة الملعونة ووصف آخر بالشجرة الخبيثة نقلاً عن الكثير من الصحابة كما ورد في الكثير من التفاسير وكتب الحديث، فضلاً عن الحديث المتواتر الذي رواه العشرات من الصحابة بان معاوية امام الفئة التي تدعو إلى النار بنص البخاري ومسلم بل لعله يندر وجود اي من كتب الصحاح والمسانيد والسنن التي تخلو من هذا الحديث، مع ورود آية صريحة في كتاب الله بوجوب قتال هذه الفئة (التي تدعو الى النار) وهي الفئة الباغية بقيادة معاوية ابن ابي سفيان في حرب صفين "(1).
ومن هنا كان لابد ان يسير أبي عبد الله الى المنية في ارض نينوى اي كربلاء من اجل القيام بأهم واجب ديني وهي اصلاح أمه جده بالنسبة للدين المحمدي أي الإسلام.
الإصلاح في الأمة المحمدية
ولو راجعنا الحديث والمقولة المشهورة لأبي عبد الله والتي كتبها في وصيته الى اخيه محمد بن الحنفيه قبل خروجه من المدينة حيث يقول{ أني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين}(2)
وهنا لابد من الإشارة الى نقطة مهم في حديثه هذا ان الهدف الأساسي من نهضة الحسين هو الإصلاح في أمة جده(صلى الله عليه وآله وسلم). وهناك عبارة مهمة في حديث الأمام الحسين, هي{ .... فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق }أنه لم يقول اقبلوني لنسبي من رسول الله أو لشرفي ومنزلتي بين المسلمين والى غير ذلك ...فلم يقل ذلك كانت دعوته هي قبول الحق والذي دعا اليه، وعندما يقبل الناس دعوة الحق فأنهم انهم قد قبلوا ذلك لما يحمل هذا الحق من الخير والحق لا لشخصه فقط. وهذا يؤشر هو رفعة وتسامي رفيع جد عن التفاخر الديني القبلي والذي كان ذلك رأس مال كل زعيم سياسي أو ديني في ذلك العصر. ولهذا كان الإصلاح كان من اهم العناوين التي نهض من اجلها الأمام الحسين(ع) ولهذا قال حول هذا الأمر وكذلك قوله عليه السلام لمروان بن الحكم حينما أشار عليه ببيعة يزيد، فقال عليه السلام:{ إنّا لله وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُون، وعلى الإسلامِ السّلامُ إذ قد بُليت الأمة براعٍ مثل يزيد، ولقد سمعتُ جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الخلافة مُحرَّمة على آل أبي سفيان }(3).
ونود ان نشير الى حقيقة مهمة والتي ترد على عدد من الكتاب القصيرى النظرة من اصحاب الهوى الأموي وعبيد الدرهم والدينار أن أبي الأحرار لم يخرج طمعا في الحكم والخلافة وكرسي الحكم والدليل أن كل من يراجع أحاديث ومقولات أبي عبد الله لم تشير بأي شكل من الأشكال الى مطامع الحكم والكرسي بل كانت كلها تؤشر حالة الضياع التي تعيشها الأمة الإسلامية في ظل حكم الطلقاء وابنائهم والانحراف الذي أصاب الأمة المحمدية ليصبح الإسلام على أهواء بنو أمية ومن بعدهم بنو العباس وليصبح دين ملوك وحكام ومجون وفسوق وفجور ولترجع الأمة الى عهود الجاهلية الأولى وهذا ما أراده هؤلاء الحكام.
وفي المقابل نجد ان حركة المهدي(عج)يكون من القيام لقائم آل محمد من أجل انتشار الفساد وبمختلف أشكاله وهذا ماصرح به الله سبحانه وتعالى في القرآن الريم بقوله { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }(4).
ولهذا فأن " إنّ فكرة الإمام الغائب هي بعينها فكرة ظهور المصلح الكامل الذي يبشّر بالنظام الأكمل، ويهيئ جميع البشر لبلوغ كمالهم، وذلك بإقامة أفضل مجتمع، وتطبيق أفضل نظام، وتعميم العدالة التامّة لكي يصل الإنسان إلى الذروة في المعرفة والعلم ووسائل العيش، وفي صلات الناس بعضهم ببعض، هذه الفكرة أساسها الشعور الفطري للإنسان، الذي يدفعه دائماً ومن دون توقّف إلى الأفضل، في جميع حقول معرفته، وميادين حياته، مقنعاً إيّاه أنّه يستمرّ في الصعود إلى مدارج التكامل، ويتقدّم دائماً، وأنّ تجاربه الدائمة قد تنعكس انعكاساً مؤقّتاً سرعان ما يعود عنه ولو بلغ عمر الانتكاسة عشرات السنين أو أكثر.
والعلم في سير دائم إلى الأمام، إذ أنّ الإنسان يجمع معلوماته وتجاربه دائماً لتكوين قوانين جديدة تزيد في دائرة علمه، فالعلم ينمو من جميع الجوانب، ويوفّر للإنسان التقدّم المنسّق المتكامل "(5).
فالإصلاح واقامة العدل هو القاسم المشترك للنهضة الحسينية والحركة المهدوية في أنه أن الأرض والناس قد ملئت ظلماً وعدواناً فكانت النهضة الحسينية لتصحيح مسار الدين الإسلامي والتي لولاها لما بقى من دين محمد الا الشكل والرمز ليحافظ على بيضة الإسلام بهذه النهضة التي اصطبغت بالدم الطاهر لأبي عبد الله وأخيه أبي الفضل العباس(عليهما السلام) واهل بيته وأصحابه المنتجبين والتي بهذه الشهادة الخالدة وملحمة عاشوراء تصححت مسيرة الإسلام ولتسير على النهج المحمدي الأصيل لتمر السنون ولينتشر الظلم والجور والفساد ومن الطبيعي أن التراث العام الذي ورثه الإنسان من تعاليم السماء في أغلب الأديان يجعله ينتظر ظهور مصلح كامل يعيد الحقّ إلى نصابه، ويطبّق ما تمنّاه الأنبياء للبشر تطبيقاً كاملاً غير منقوص.
والقرآن الكريم يشير في مواضع عديدة إلى هذا المستقبل; قال تعالى: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }(6).
ليظهر قائم آل محمد (عجل الله فرجه الشريف) ولينشر الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً والتي كل الأديان تبشر بظهر المصلح والمخلص والمنقذ للعالم وهو من ولد الرسول محمد(ص) ومن ذرية أمير المؤمنين وفاطمة والأمام الحسين( عليهم السلام أجمعين).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.