الامامُ الحسينُ -عليه السلام - ليسَ مِلكاً لطائفةٍ خاصةٍ ، ولاملكاً للمسلمينَ ؛ وانما هُوَ شخصيّةٌ عابرةٌ للطوائفِ ، والديانات والمذاهب ، والشعوب ، والتأريخ والجغرافيا.
الامامُ الحسينُ (ع) ، هو النور الساري في جنبات هذا الوجود .
وعلى هذا الاساس ؛ فالحسين شخصيّةٌ عابرةٌ ، تَسَعُ الجميعَ ، ويستظلُّ بمظلتها الوارفةِ حتى غير المتدينين .
قَرَأتُ كتابا عنوانه : " Jesus for the Non-Religious" ، وترجمة عنوانه : ( المسيح لغير المتدينين ) ومؤلفه هو :"John Shelby Spong" ، وانا اختلف كثيرا مع الكاتب ، فهو انطلق في فهمه للمسيح (ع) من رؤية لادينية ، واراد ان يجرد المسيح من كل خصائصه الدينية والروحية . ولكن فكرة تقديم المسيح لغير المتدينين فكرة صحيحة ، من خلال المشترك الانساني بين بني البشر.
الامام الحسين (ع) سأتناولُهُ من خلال دوائر ثلاث.
1- الدائرةُ الشيعيّةُ : تتعاطى مع الحسين (ع) تعاطياً خاصاً ؛ فهي تقول بامامتهِ وعصمته وهي تمارسُ طقوساً خاصةً في عاشوراء الحسين عليه السلام .وهي لاتستطيع ان تفرض طقوسها الخاصة ، ولا عقائدها الخاصة على بقيّةِ الدوائر، التي لاتعتقد بهذه العقائد الخاصّة، وتتحفظ على هذه الطقوس الخاصّة.
2- الدائرةُ الاسلاميّة : وهي دائرة اخواننا المسلمين من غير مذهب اهل البيت عليهم السلام ، فهم لايشتركون معنا في الاعتقاد بعصمة الامام الحسين عليه السلام ، وقد يتحفظون على هذه الطقوس او بعضها ، ويناقشونَ في مشروعيتها . هؤلاء ينبغي ان نتعاطى معهم على اساسِ المشتركات الاسلاميّة ، فهم يرونَ ان الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ويحبونه ، ويدينون قتله ، ويكبرون موقفه ، ويشيدون بشهادته وتضحيته الفريدة . والمجال مفتوح للحوار معهم في مناقشة مشروعية الممارسات الشيعيّة في عاشوراء .
3- الدائرة الكتابيّة : وهي دائرة اصحاب الكتب السماوية الذي نشترك معهم في بعض القيم الدينية . والكثير من هؤلاء الّفُوا كُتَباً في الامام الحسين ، وكتب شعراؤهم قصائد رائعة في الامام الحسين عليه السلام . هؤلاء نتعاطى معهم وفق المشتركات الدينية المتفق عليها .
4- الدائرةُ الانسانيّةُ : وهذه الدائرةُ اوسعُ الدوائر تشمل كل البشر ، من يؤمن منهم بدين ، ومن لايؤمنُ منهم بدينٍ ، وتشمل حتى اللاادري والمشكك والملحد ، من خلال المشتركات الانسانيّة . هؤلاء لانستطيع ان نقدمَ لهم الامام الحسين من خلال الدائرة الاسلاميّة الشيعية ولا من خلالِ الدائرة الاسلاميّة العامة ، ولامن خلال الدائرة الكتابية ، ولكن بامكاننا ان نقدمَ لهم الامامَ الحسينَ عليه السلام ، من خلال المشتركات الانسانية . هؤلاء لايمكن ان نقول لهم : ان الامام الحسين (ع) ثار على يزيد ؛ لانه شارب خمر ، ولا لانه يزني ، سيقولون لك هذه حرية شخصية ؛ والانسان حرٌ في تصرفاته ، مالم يتجاوز على حقوق الاخرين وحرياتهم ، ولكن اذا طرحنا لهم القضيّة على ضوء المشترك الانساني ، وقلنا لهم : ان الحسين عليه السلام ثارَ ضد يزيد الطاغيّة المستبد ، الذي انتهك حريات الناس وسلبهم حقوقهم ، وصادر اموالهم ، حينئذٍ سيتفاعلونَ مع القضيّة الحسينيّة .
الامامُ الحسينُ عليه السلام عابرٌ لكل هذه الدوائر ؛ ويجب تقديمه الى من لايؤمن بالدين على اساس المشترك الانساني ، والقيم الانسانيّة المشتركة.