ان شخصية امير المؤمنين وما يميزها ان العدالة كانت هي الجوهرة الثمينة التي يكنزها وكان بالعدالة يأنس بها وكانت جل اهتمامه. فكان العدل يقع نصب عينيه وكان يتخذ العدالة كأسلوب وكقدوة في برنامجه الذي يسعى لتطبيقه في حكومته العادلة. ولهذا فان التاريخ الإنساني لم يعرف والإنسانية شخصاً كعلي (عليه السلام) خلد اسمه إلى الأبد، وارتسمت صورة عدالته في أذهان البشر، فقد كان عاشقاً للعدالة، مولعاً بها إلى غايتها القصوى، ولهذا باعتقادي المتواضع كان احسن مصداق للآية الكريمة :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ .....}(1).
وكان الأمام علي(ع) لم يكف عن تطبيق العدالة أو التراجع عنها مهما كلف الثمن وكان الصفة الملازمة له عدم مهادنة او المساومة على الحق و كانت العدالة ضالته القصوى وكان كالظامئ الذي يبحث عن الماء ليروي ظمأه وفي كل هذا السعي الى معين العدالة العذب، وكل هذا كان من اجل تثبيت أركان الحكومة الفتية التي أنشأها وكانت حكومة محمدية قائمة على مبادئ الرسالة المحمدية الاصيلة وكانت العدالة التي اسسها في دولته يشهد بها العدو قبل الصديق . وحتى لم يضحي بالعدالة باسم الترحم او الشفقة لكي لا يعرض العدالة الى الانهيار او التزلزل. ولكي تكون العدالة هي السبب في قتله واستشهاده وكانت عدالته (عليه السلام) كانت ذكراً يلهج به لسان الخاص والعام، والعدو والصديق، حتى كانت كثرة عدله هي السبب في قتله (عليه السلام).. فكان طريق الحق بأمير طريق لم يسلكه اي أحد من العالمين في الأولين والآخرين وكان هو الحق المحمدي حتى قال { لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه }(2) وهي كلمة قالها أمير المؤمنين عليه السلام وما زالت ترن في أذهان البشرية جمعاء وهي تذكرنا ان طريق الحق موحش والسبب هو قلة سالكي هذا الطريق، ولهذا دلهم نبينا الأكرم الى السبيل والطريق القويم وهو أتباع الأمام علي(ع).
حتى قال لعمار بن ياسر في حديث شريف لعمار وهو { يا عمار سيكون في امتى بعدى هناه واختلاف حتى يختلف السيف فيما بينهم حتى يقتل بعضهم بعضا ويتبرا بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعنى على بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ فإن سلك الناس كلهم واديا وسلك على واديا فاسلك وادى علي وخل الناس طرا. ياعمار ان عليا لا يزال على هدى يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعه الله عز وجل }(3).
فكان الحق مع علي وهذا ما قاله رسول الله (صلى الله عليه واله ) الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى يقول ان { علي مع الحقّ والحقّ مع علي }(4) ليرويه أكثر من عشرين صحابياً، منهم: أمير المؤمنين، أبو بكر، أبو ذر، عمّار، عبد اللّه بن عبّاس، أبو سعيد الخدري، سلمان، أبو أيّوب الأنصاري، جابر بن عبد اللّه، سعد بن أبي وقّاص، عائشة، أُمّ سلمة... ورواه أكثر من مئة حافظ ومحدّث وعالم . . . من أهل السنّة ومن رواته الأعلام والثقات.
ليدور الحق مع اينما دار وهذا ما رواه الترمذي، في حديث بسنده عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد جاء فيه: «رحم اللّه عليّاً، اللهمّ أدر الحقّ معه حيث دار»(5).
والحديث المهم الأخر للرسول الأعظم الذي يرتبط مع علي والحق هو الذي يقول { علي مع القرآن والقرآن مع علي }وأنّ كلاًّ منهما عبارة أُخرى عن الآخر(6).
ولذا أصبحت عدالته (عليه السلام) نموذجاً واضحاً لكل القادة وطلاب العدالة على مرِّ القرون، ومصداقاً مشرِّفاً للإنسان المسلم المتكامل الذي يستطيع أن يكون قدوة في جميع المجالات.
ومن المثير للغضب والاشمئزاز انه يتم عمل مقارنة بين أمير المؤمنين ومولى الموحدين أمير المؤمنين(ع)وبين اللعين معاوية بن أبي سفيان في كتابات البعض من الكتاب القصيرى النظرة والتي تنبع من هوى أموي واضح في تزوير الحقائق وعلى تضليل الكثير من الناس هم والكتاب من وعاظ السلاطين معهم وهم موجودين عبر التاريخ في كل الأزمنة وهو مقارنة فاشلة وباطله جملة وتفصيلاً فأين الثرى من الثريا.
فهذا معاوية واصله الوضيع حيث امه وهي " هند بنت عتبة وقد اشتهرت بالبغاء السري في الجاهلية هي زوجة ابي سفيان , وابنها معاوية يعزى الى اربعة نفر غير ابي سفيان, مسافر بن ابي عمرو بن امية , عمارة بن الوليد بن المغيرة , العباس بن عبد المطلب , والصباح مولى مغن لعمارة بن الوليد. يروى ان سيدنا علي (ر) قال في كتابه الى معاوية ( .. واما قولك نحن بني عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض ...فكذلك نحن .. لكن ليس المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق..).وهي اشارة واضحة بإلصاق اصول معاوية بعبد مناف "(7).
وحتى هذه هند ام معاوية أمه هند بنت عتبة كانت من العواهر المعلمات (ذات العلم) اللواتي كن يخترن على أعينهن ، وكان أحب الرجال إليها السود ، وكانت إذا علقت من أسود فولدت له قتلت ولدها منه ! ...(8).
وحتى جدته حماه هي بغي من ذوات الرايات الحمر في الجاهلية(9).
فكيف يتم مقارنة وحتى جلب احاديث موضوعة تبين فضائل هذا الصعلوك والذي وصفه الرسول الأعظم بهذا الوصف والذي لا ينطق عن الهوى أن هو وحي يوحى. لتبين لنا مقدار التزوير والتحريف في تاريخنا والذي تفوح منه كل معاني التحريف والغدر والحقد على الأمام علي(ع) وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [النساء : 135]
2 ـ بحار الأنوار. الطبعة : الثانية المصححة. سنة الطبع : 1403 - 1983 م. الناشر : مؤسسة الوفاء - بيروت – لبنان.. ومثله تمامًا في جامع أحاديث الشيعة - للسيد البروجردي - ج 14 - ص 405. جامع أحاديث الشيعة، المؤلف : السيد البروجردي، سنة الطبع : 1407 - 1366 ش. المطبعة : المطبعة العلمية – قم، الناشر : منشورات مدينة العلم - آية الله العظمى الخوئي - قم - ايران[/. وفي نهج البلاغة (: 442 ، الخطبة 199 ) : قال أمير المؤمنين عليه السلام : أيها الناس ! لا تستوحشوا في طريق.الهدى لقلة أهله.... وفي فضائل أمير المؤمنين - كتاب : فضائل أمير المؤمنين ( ع ) ابن عقدة الكوفي - ص 122، تحقيق : تجميع عبد الرزاق محمد حسين فيض الدين . ورواه محمد بن إبراهيم الثقفي في الغارات : 2 / 584 . وغيرهم كثير. ما أهل السنة فيثبتون هذا عن الفضيل بن عياض رحمه الله- حيث يقول: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين... ومصادره كثيرة بحمد الله.
3 ـ البحار : 38 / 37 ، والخوارزمي في المناقب : 124 .
4 ـ صحيح الترمذي 5 / 592 ح 3714. الخوارزمي في المناقب : 56 ، والبحار 38 / 38 ، واحقاق الحق عن العبدري 5 / 626 وبلفظ مختلف. وغيرها من المصادر...
5 ـ وقد أخرجه كثير من الأئمّة باللفظ الثاني، ومنهم: الحاكم النيسابوري والذهبي مصحّحين إيّاه . المستدرك على الصحيحين 3 / 134 ح 4628.
6 ـ قال الحاكم بعد أحاديث هذا ثالثها: «هذه الأحاديث الثلاثة كلّها صحيحة على شرط الشيخين ولم يخرجاها». ووافقه الذهبي/المستدرك على الصحيحين 3 / 129 ح 4611. مجمع الزوائد 7 / 234 ـ 235 باب في ما كان في الجمل وصفّين وغيرهما.
7 ـ راجع مقال الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة والذي نشر في العديد من الصحف والمواقع الالكترونية و الذي سبب أزمــــه في مصر للمؤلف المعروف أسامة أنور عكاشه وحتى الأزهر والذي يحمل عنوان(هؤلاء هم الرجال الذين اسسوا الدولة الاسلامية , فلا غرابة ان نرى الدماء تلون كل اوراق تاريخنا ...)
8 ـ راجع المناقب والمثالب للقاضي النعمان / 243. وفي الغدير - الشيخ الأميني - ج 10 - ص 170.
9 ـ راجع مقال أسامة أنور عكاشة من نفس المصدر وكذلك انساب الأشراف -البلاذري - ص 72.