أعلن الاتحاد الأوروبي يوم أمس الخميس “عدم تأييده لجهود تطبيع العلاقات بين سوريا والدول العربية، وبين سوريا وتركيا”.
جاء ذلك على لسان المفوض السامي لشؤون السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد جوزيب بوريل، الذي تابع أن “هناك محاولات للعمل على علاقات طبيعية بين الدول العربية والنظام في سوريا، ويتابع الاتحاد الأوروبي جهود تركيا فيما يتعلق بالعلاقات مع الحكومة السورية، إلا أن هذه ليست الطريق التي كانت لتسلكها الدول الأوروبية في علاقاتها مع سوريا”، مؤكدا “مواصلة الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الحكومة السورية”.
قال “الدبلوماسي” الأوروبي المخضرم أن “الظروف الآن في الاتحاد الأوروبي ليست مواتية لتغيير سياساته تجاه سوريا”.
هكذا إذن.. لا يريد “السادة” في أوروبا أن تعود المياه إلى مجاريها بين الدول العربية وسوريا، أو تركيا وسوريا، ولا يريدون أن يحصل الشعب السوري المكلوم على أبسط حقوقه في الماء والغذاء والبنى التحتية والبقاء. في ذات الوقت الذي يبذرون أموال دافعي الضرائب الأوروبيين بكل سخاء لشراء كل أنواع الأسلحة الفتاكة وإمداد نظام كييف النازي بها.
دعونا نذكر أيضا أن “السادة” الغربيين كذلك لم يؤيدوا تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، ولا يرغبون في حل الأزمات في ليبيا واليمن ولبنان وفلسطين.
من ناحية أخرى، وفي حادث غرق سفينة تقل مهاجرين قبالة اليونان، أكد خفر السواحل اليوناني مصرع 79 شخصا، فيما تخشى المنظمة الدولية للهجرة أن يكون مئات الأشخاص قد غرقوا في واحدة من أسوأ الحوادث مأساوية في البحر الأبيض المتوسط منذ عقد من الزمان.
كانت السفينة تحمل 750 إنساناً يهربون من الواقع الذي فرضته عليهم دول الغرب الجماعي من خلال العقوبات والحصار والأزمات والصراعات والثورات الملونة والتدخل العسكري في بعض الأحيان.
لقد رفض الغرب، الذي يمثله السيد بوريل، الاستجابة لإشارة استغاثة أرسلتها السفينة الغارقة، يبدو لأن “ظروفهم لم تكن مواتية” هي الأخرى لمساعدة غرقى بالمئات.
نساء وأطفال ورجال يغرقون على مرأى ومسمع من “العالم الحر” في أوروبا، وتصل إشارات طلب الإغاثة إلى عدد من الدول الغربية وأساطيلهم متواجدة بالقرب من موقع الحادث، فيتجاهلون تلك الإشارات. هو نفس الغرب الذي يدفع بالشباب الأوكرانيين إلى أتون حرب خاسرة، ويزودونهم بالأسلحة التي يعرفون أنها ستكون طريقهم إلى الهلاك، هلاكهم وهلاك دولتهم.
يرفض الغرب كذلك مد يد العون لسوريا بعد إصابتها بكارثة الزلزال لأن “الظروف ليست مواتية”، ويواصل الغرب سياسته في الدفع نحو استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا من خلال العقوبات التي يعاقبون بها الشعب السوري بأكمله، في الوقت الذي تسرق فيه الولايات المتحدة الأمريكية النفط السوري، وتمنع وصول القمح والوقود، لتقتل بذلك مزيداً من السوريين، بعدما قتلت مئات الآلاف منهم بيد داعش، وبعدما قتلت مئات الآلاف في العراق بيد الجنود الأمريكيين، ومئات الآلاف من البشر بيد القاعدة وبن لادن والقائمة تطول.
تأتي تصريحات بوريل قبل عدة أيام من اجتماع نواب وزراء الخارجية لكل من روسيا وسوريا وتركيا وإيران، بهدف وضع خارطة الطريق لاستعادة العلاقات بين تركيا وسوريا، وهي خطوة شديدة الأهمية للبدء في تخفيف معاناة الشعب السوري، وحل مشكلة اللاجئين لبدء عودتهم إلى بلادهم بدلا من “غرقهم في البحر قبالة اليونان”!
بهذا الصدد أود أن أطمئن السيد بوريل، وغيره من “السادة” الأوروبيين أن العلاقات السورية التركية ستستأنف، وسيعقد اجتماع نواب وزراء الخارجية لكل من روسيا وسوريا وتركيا وإيران في العشرين من الشهر الجاري في أستانا، وسوف تتمكن الدول العربية، بعد أن عادت سوريا إلى حضن الجامعة العربية، من تقديم المساعدات لسوريا، شاء من شاء وأبى من أبى من أصحاب الفكر الاستعماري القديم والجديد معا، ولن تستطيع أي عقوبات أمريكية أو أوروبية إعاقة ذلك، وبصرف النظر عن وجود “الظروف المواتية” داخل الاتحاد الأوروبي أو انعدامها. كذلك سوف تستأنف اجتماعات اللجنة الدستورية واللقاءات بين المعارضة والنظام، وسيتم التوصل إلى اتفاق على حل جميع القضايا استنادا إلى مبدأ المصالحة الوطنية، وإعلاء للمصلحة العليا للشعب السوري، صاحب القرار الأول والأخير في مصيره. وآمل أن تتوحد جهود جميع السوريين، بمساعدة الدول العربية ودول مجموعة أستانا للبدء بعملية الإنعاش الاقتصادي وإعادة بناء ما تهدم.
أتمنى أن يشمل ذلك التعافي اليمن، لأنه لا يجوز استمرار مأساة الشعب اليمني على هذا النحو.