قبل اربعة عقود بالتمام، انطلقت رابطةٌ جامعة للمثقفين العراقيين الديمقراطيين ( المنفيين/ المغتربين) في الخارج، ضمت شعراء وكتابا وفنانين وصحفيين، متنوعين من مختلف الاختصاصات والاهتمامات، وقد كانت بيروت هي العاصمة التي أثمرت فيها جهود مكثفة لذلك الغرض، لتحتضن لاحقا المؤتمر التأسيسي الذي انبثق منه ذلكم الاطار، وليصبح منبرا لجموع العاملين في حقلي الابداع والثقافة، العراقية، الذين أضطرتهم اعتقالات وملاحقة السلطة البعثية الغاشمة، وارهابها للفرار – المؤت على الاقل- بسبب مواقفهم وآرائهم، ونشاطاتهم الهادفة للتنوير، والرافضة للقمع وأمتهان الحقوق والحريات الانسانية في بلادهم (1)..
ومن المهم ان نشير هنا الى ان هذه الكتابة ليست تأرخة لنشوء ومسيرة الرابطة، برغم ضرورة ذلك.. وعسى ان ينبري المعنيون، ومن المؤسسين خاصة، للخوض في هذا المضمار لما له من أهمية بالغة – كما نحسب - في توثيق جهود وعطاءات مخلصة وحميمة، لعبت أدوارا مهمة في التأطير والتحريك، ونشر الثقافة الوطنية المضادة للـ"ثقافة" البعثية. قلت ليس من مهمة هذه الكتابة التأرخة لذلك الشأن، بل هي- وكما يثبت العنوان- تسعى لتوثيق أعداد مجلة "البديل" التي صدرت عن "الرابطة" مع الاشارة الى ان هذا السعي لا بدّ وأن يتداخل مع مجمل التأرخة لانطلاقة ومسيرة ذلك الأطار الثقافي الحيوي والمثابر ، بل انه في صميم تلك المسيرة.
لقد كان الافضل بالطبع لو غَطت هذه الكتابة كل اعداد "البديل" .. ولكن المتوفر تحت اليد احدَ عشر عددا فقط ، من مجموع خمسة عشر (2) . مع التنبيه الى ان هناك عددا رُقمَّ بالرابع، وقد عُــدّ "شهيدا" لأحتراق مواده وتصميماته في مقر الرابطة ببيروت اثناء الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وذلك ما يشير اليه العدد اللاحق، اي الخامس- وهو الرابع واقعياً- من المجلة التي انتقل موقع تحريرها وطباعتها بعد ذلك الى العاصمة السورية – دمشق، وتوزيعها من هناك الى مدن وعواصم العالم ..
لقد راحت مجلة "البديـل" وعلى مدى سنوات صدورها (1980-1991 )صوتاً ثقافيا هادفا، ومنبرا تنويرياً، ليس عراقيا وحسب، بل وعربياً، كما سيتبين ذلك من خلال الأستعراض اللاحق لأسماء ثقافية عربية بارزة كتبت للمجلة التي تنوعت موادها: مواقف سياسية، وكتابات فكرية، وبحوثاً ودراسات قصيرة، عنتْ بالعديد من الرواهن الملحة آنذاك. كما ضمت نتاجات ابداعية كالشعر والسرد والقصة والنقود، والتراجم والتخطيطات وغيرها. ذلك فضلا عن توثيق نشاطات فروع الرابطة التي انتشرت في العديد من عواصم ومدن العالم، وحيثما كان هناك مبدعون ومثقفون وكتاب وفنانون وصحفيون عراقيون، ديمقراطيون، يقيمون او يعملون أو يدرسون.
ان هذه الكتابة لا تأتي فهرسة للاعداد، ولا تتجه نحو ذلك، وبرغم ذلك سأتوقف – استثناءً- لاظهار بعض المؤشرات، وبشئ من التفصيل، عند العدد الاول من المجلة، الصادر اوائل العام 1980 وقد جاءت افتتاحيته على الصفحة الخامسة بعنوان "لماذا البديل؟" وحملت توقيع هيأة التحرير، مع ملاحظة على الصفحة الرابعة، التعريفية، بأن "اعضاء الرابطة هم هيأة تحريرها ومراسلوها" .. وقد اسهبت الافتتاحية بعرض توجهات الرابطة، واسباب انطلاق مجلتها "البديل" والمسارات التى تهدف لها، وأسس ارتكازاتها .. وضمت صفحات العدد التي قاربت المئة والثمانين(3) العديد من المواضيع الكتابات ومن بينها للذوات: ادونيس، محمود صبري، الياس خوري، فيصل دراج، مصطفى عبود، فالح عبد الجبار.. اما القصائد والقصص والنصوص فكانت للمبدعين، وبحسب حروف الهجاء: ابراهيم احمد، رعد مشتت، سعدي يوسف، شوقي عبد الامير، فائز الزبيدى، فاضل العزاوي، فاضل الربيعي، عواد ناصر، مخلص خليل، موسى السيد، هاشم شفيق..
واضافة لتلك المشاركات التى اشرت لها في الفقرة السابقة، احتوت صفحات العدد الاول رسائل ثقافية من فروع، واعضاء الرابطة من عواصم مختلفة، وهنّ بحسب تسلسل صفحات نشرها، من: بيروت، روما، براغ، دمشق، برلين الشرقية، باريس. ومن بين ما احتوته تلكم الرسائل: نشاطات وتراجم، واخبار العلاقات، وفعاليات التضامن..
وهكذا راحت الاعداد اللاحقة غنية متطلعة، مع التفاوت طبعا، ليس في عدد الصفحات والمشاركات والمساهمين، وحسب، ولكن في مستويات المواد المنشورة، وتنوعها، مما قد يؤشر – بهذا القدر او ذلك- عن بعض التراجع في الحماسة لـ"البديل" وبدءا من اواخر الثمانينات، ولاسباب موضوعية من بينها توزع الكتاب والفنانين والصحفيين العراقيين في المزيد من المنافي، واستمرار تعقد الاوضاع في البلاد، والتغيرات العالمية بعد انهيار الانظمة "الاشتراكية" في بلدان شرق اوربا، وانحسار التضامن العربي والاممي .. اما الاسباب الذاتية فمن اهمها بتقديري اختلاف وارتباك الاراء والرؤى، والتماحك والمناكدات والتشابكات في مواقف الاعضاء من "الرابطة" عموما، ومن مسيرتها، والتجاذبات بشأنها ..
وفي عودة لأعداد مجلة "البديل" التي بأيدينا، يمكن توثيق مساهمات سياسية وثقافية وابداعية لكمٍ كبير من المثقفين - الى جانب منْ ذُكرت اسمائهم في الفقرات السابقة- ومنهم العراقيون الذوات، مع حفظ المكانات: ممتاز كريدي، عرفان عبدي، شاكر لعيبي، مفيد الجزائري، صالح كاظم، زهير الجزائري، شمران الياسري، غائب طعمة فرمان، محمود البياتي، منعم الفقير، كاظم حبيب، نائل الحيالي، كريم دحام، ، فاضل السلطاني، سعدي المالح، قاسم الساعدي، قاسم حول، مجيد الراضي، كريـــم عبد، عادل العامل، سمير سالم داود، ابراهيم الحريري، فاطمة المحسن، خالد بابان، جنان جاسم حلاوي، زهير ياسيـــن شلبية، سالمة صالح، ضياء مجيد، جمشيد الحيدري، ثابت المشاهدي، جواد بشارة، ابراهيم الحريري، عادل العامل، فاضل سوداني،هـــادي العلوي، نجم والي، صلاح الحمداني، عارف ولي، ممتاز كريدي، كامل شيــاع، سعود الناصري، شاكر الانباري، سلام ابراهيم، محمد حسين هيثم، على كامل..
اما الشعراء الذين نَشروا، أو نُشر لهم، او عنهم (قصائد وغيرها) فهم: الجواهري، جليل حيدر، صادق الصائغ، محمد سعيد الصكار، نبيل ياسين، عبد الكريم كاصد، شيركو بي كه س، مهدي محمد علي، فائز العراقي، مصطفى عبد الله، أنور الغساني، رفيق صابر، كريم عبد، كامل الركابي، حميد العقابي، اضافة للذين وردت اسماؤهم في الفقرة اعلاه التي وثقت للعدد الاول من المجلة.
ثم هناك كم كبير اخر من المثقفين العرب (او من البلدان العربية) الذين كتبوا، للبديل، وعنها، وهم الى جانب ادونيس، والياس خوري وفيصل دراج، الذين سبق وان اشرت لاسمائهم، الذوات: يمني السعيد، حيدر حيدر، فواز طرابلسي، عبد الرحمن بسيسو، صالح علماني، محمد كروب، شوقي بغدادي، على الجندي، علي عبد العال، حميد المازن، محمد عزيز ظاظا، محمد بنيس، براء الخطيب، جورج ابراهيم، نيروز مالك، ممدوح عدوان، غالب هلسا، صبحي دسوقي، اسماعيل حسن حسو، عبد الله طاهر، زكريا شريفي، خلدون زيبو، عبد المعين الملوحي، سعيد حوراني، عبد الرحمن منيف، سعد الله ونوس، يمني العيد، خيري الذهبي، فيصل دراج، محمد دكروب، مها بكر، غالية قباني..
لقد تنوعت المشاركات المنشورة في اعداد مجلة البديل، كما سبق القول، وتداخلت بين الشأن السياسي والثقافي، والمواضيع الفكرية برغم محدوديتها، والتوثيقات التاريخية، والمقابلات، والنصوص والكتابات الابداعية، والتخطيطات التشكيلية، والندوات، الى جانب مواد مترجمة، وتغطيات لنشاطات الفروع والاعضاء، والفعاليات ذات الصلة .. كما وثقت "البديل" قوائم باسماء العديد من المثقفين والمشتغلين بالشأن الثقافي والاعلامي، الذين طاردهم نظام البعث العراقي، واجهزتها الامنية و"الثقافية" : اعتقالاتٍ وتعذيباً وسجناً وقتلاً، وخاصة في اواخر السبعينات، حتى مطالع الثمانينات الماضية (4). وقد وثقت المجلة ايضاً قوائم باسماء مئات من المؤلفين والمثقفين العراقيين والعرب الذين منع النظام الدكتاتوري تداول مؤلفاتهم، وكذلك دور نشر عديدة عدّها النظام واجهزته "الثقافية" معادية له (5).
ان التوقف عند اسماء المشاركين في الكتابة لمجلة البديل، والنشر فيها، والمشار لهم في ما سبق من سطور - وجمعٌ منهم له اكثر من مساهمة بل ومساهمات- اقول: ان لذلك التوقف والتوثيق اكثر من مؤشر ومغزى، ولا سيما حين يتبيّن التنوع، وما يحمله اصحابه من آراء ومواقف ومفاهيم متباينة، حول مهمات المثقفين، التنويرية والسياسية، والادوار التي يجب على منظماتهم وأطرهم تبنيها، وسبل متابعتها، وشفافيتها وما الى ذلك. وقد حملت بعض اعداد "البديل" مناقشات وتصورات جدية، وملموسة، حول تلكم الشؤون..
وبرغم الاعلان بأن تكون "البديل" مجلة فصلية الصدور، الا ان واقع المنفى، وظروف التحرير، واسباب اخرى حالت دون التمكن من الالتزام بمواعيد الصدور.. وهكذا لم تستطع سوى ان تكون دورية (15 عددا في 10 اعوام) مع تباعد الفترة الزمنية بين عدد وآخر لشهور وشهور احيانا، برغم الجهود المبذولة، وخاصة من الجهات الداعمة، وخاصة في الحزب الشيوعي العراقي، وبشكل أخص المسؤول القيادي في الحزب، فخري كريم، الذي لم يكن سراً تحمله مهماتٍ وأدواراً رئيسة في دعم تشكيل "الرابطة" واطلاق نشاطاتها الاساسية، والابرز منها، مجلتها - البديل.
ان كل الحديث اعلاه عن "البديل" ليس بأحتسابها مجلة فقط، بل انه يشمل، من جملة ما يشمل، الحديث عن بعض تاريخ ومسيرة رابطة المثقفين العراقيين الديمقراطيين، في المنفى وبلدان الأغتراب الأضطراري، وغيره، والتي لعبت دورها المناسب والممكن في ما هدفت اليه. وأظن ان هناك جوانب عديدة بهذا السياق، ينبغي الحديث عنها – كما سبقت الاشارة- من قبل نشطاء "الرابطة" وقيادييها الاساسيين، والتوقف عند محطات ومراحل التأسيس والانطلاق، ثم المراوحة، والتراجع، وبما يرتبط طبعا بالظروف الموضوعية – دعوا عنكم الذاتية - في كل تلك المراحل..
اخيرا، وبرغم اعتقادي بأن العديد مما نشرته "البديل" قد أعيد نشره في العراق بعد 20013 بهذا الشكل أو ذلك، غير ان هناك في ذات الوقت مساهمات وكتابات ذات اهمية تاريخية، وجدلية، من المهم ان تتصدى لأعادة نشرها، مؤسسات معنية، ولربما أولها الاتحاد العام للادباء والكتّاب في العراق، لأنه الاقرب واقعا للرابطة، ولمجلتها "البديل". ومع كل التقدير لأنشغالاته برواهن أخرى، غير ان في التراث - كما هو معروف- تجارب لا غنى عنها، وذلك ما يدفع للتأكيد على موضوعة اعادة النشر، وعلى الاقل للمساهمات الأكثر اهمية، وما أكثرها في المجلة التي نعني: "البديل"