في مقابلة تلفزيونية بثتها وسائل إعلام محلية يوم الأحد، 31 يوليو، كشف الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن اجتماع في الجزائر لمنظمة التحرير الفلسطينية، تشارك فيه جميع الفصائل، قبل القمة العربية المرتقبة هناك، مطلع نوفمبر المقبل.
وقال تبون: نحن مع فلسطين، ومع منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلا وحيدا عن الشعب الفلسطيني. وكل الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة حماس، لديها ثقة كبيرة في الجزائر، لأنها ذات مصداقية، وليس لديها أي مصلحة، مؤكدا على أن هذه اللقاءات ستتواصل حتى تعود المياه لمجاريها.
وعلى الرغم من أنني لم أحظى بشرف لقاء فخامة الرئيس تبون، ولم أتعرف إليه شخصيا، وآمل أن يحدث ذلك يوما ما، إلا أنني حظيت بشرف مقابلة الرئيس الجزائري الأسبق، هواري بو مدين، مرتين، وتربطني بأهل الجزائر علاقات صداقة وأخوة ومودة. ربما لهذا السبب، سمحت لنفسي بكتابة رسالة مفتوحة إليه، لما لمسته في مبادرته وحديثه من صدق في القول، وإخلاص في النية للم شمل الأسرة العربية، نوفمبر المقبل على أرض الجزائر الحبيبة، أرض المليون شهيد، التي يعرف ترابها جيدا رائحة الدم وطعم السيادة، بينما يعرف مواطنوها عبير الحرية وقيمة الاستقلال ومعنى الإرادة السياسية.
فخامة الرئيس الجزائري/ عبد المجيد تبون
تحية طيبة وبعد،
أتقدم إليكم أولاً، سيادة الرئيس، بجزيل الشكر على الجهود التي تبذلونها من أجل استعادة الدور العربي في التأثير على مجريات الأحداث في منطقتنا والعالم، خاصة عودة الدور الفعال لجامعة الدول العربية، بما يعنيه ذلك من التئام شمل جميع الأخوة، وعودة سوريا، العضو المؤسس للجامعة إلى مقعدها الذي طال أمد خوائه، وإضافة إلى كل ذلك رغبتكم في استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومبادرتكم لدعوة ممثلي الفصائل الفلسطينية في محاولة مخلصة للتوصل إلى اتفاق قبيل اجتماع القمة العربية.
ثانياً، فقد كتبت عدة مقالات خصصتها لضرورة وأهمية استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، والتقيت ممثلي الفصائل الفلسطينية في موسكو، أثناء تواجدهم بدعوة من الجانب الروسي، وضمان منصة للحوار في موسكو، أملا في أن يتفقوا ونستعيد اللحمة الفلسطينية والجسد الفلسطيني الواحد، ولكن، لكي أكون صريحا معكم، سيادة الرئيس، فلم يحالفني التوفيق، ربما لعجزي عن رؤية الصورة من بعض الزوايا، أو لسوء اختياري للتوقيت، أو تقديري للأمور.. يعلم الله. إلا أنني، وبعد كل هذا الوقت، ومع كل الأحداث التي تتبدى أمامنا كل ساعة لا كل يوم، وكل التغيرات في موازين القوى ليس فقط على مستوى المنطقة، وفي محيط الصراع العربي الإسرائيلي، وإنما على مستوى العالم، وما نراه اليوم من أفول لبعض القوى لحساب قوى أخرى، توصلت إلى قناعة مفادها أن استعادة وحدة التنظيمات الفلسطينية ليست حجر الأساس في حل القضية الفلسطينية، سواء في الداخل أو في الشتات.
فبعد أحداث غزة والحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع، وما توازى وتوالى معها من أحداث القدس، وما يجري الآن يوميا في الضفة الغربية من مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، والعمليات الفدائية التي ينفذها أبطال شعبنا الفلسطيني العربي الأبي الحر في داخل العمق الإسرائيلي، أصبح من الواضح للعالم قبل أن يكون واضحا لنا أو حتى للعدو الإسرائيلي، أن كلنا فلسطيني في موقعه، ولا أعني بذلك فتح أو حماس، في الضفة أو في القطاع، وإنما أعني بذلك كذلك عرب 48، وأعني بذلك فلسطينيي الشتات، وأعني بذلك السوري واللبناني والجزائري والمصري وكل عربي وإنسان لا زالت تجري في دمائه نخوة العروبة وكرامة الإنسانية وعزة الأحرار، فلم تجد “صفقة القرن” ولا “اتفاقيات إبراهام” سبيلا إلى خداع قلبه وعقله.
لقد أصبح من الواضح أن الشعب الفلسطيني بل الشعب العربي موحد أينما وجد، ولا يمكن أن تزعزع وحدته وتصميمه على المقاومة ضد الاحتلال أي عوامل داخلية كانت أو خارجية، لا يمكن أن يزعزع إيمانه بقضيته أي خلاف في وجهات النظر على أسلوب المقاومة أو توجهها أو عرقها أو دينها، فالهدف أمامنا جميعا واحد، وكل ما يحاول إضعاف عزيمة وتصميم هذا الشعب واستمراره في النضال إلى زوال.
لذلك، وأمام دماء الشهداء الطاهرة وتضحيات أبنائنا من الشباب والشابات يصبح الخلاف بين فتح وحماس، والمسافة بين الضفة والقطاع لا شيء، ولا أشكك في وطنية أحد، ولا أزايد على أحد، وأعلم أن كل يقوم بواجبه من موقعه وحيثما وكيفما يستطيع، وهو أمر يخص كل إنسان وضميره، وضميرنا واحد، وتجربتنا النضالية خصبة خضبناها بدماء زكية لتثمر حرية شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية، ولا يوجد طرف فلسطيني واحد يرضى بالحوار مع المحتل الإسرائيلي قبل الانسحاب الكامل من جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، “الأراضي” بالألف واللام العربية، لا “أراض” كما جاء في نص القرار 242 لمجلس الأمن لعام 1967 في نسخته الإنجليزية، بما في ذلك القدس الشرقية والجولان السورية.
لهذا يا سيادة الرئيس تبون، أرجو أن تركز قمة الجزائر المقبلة على اتخاذ موقف عربي واضح وموحد، ليصل صوتنا إلى جميع زعماء العالم، أنه لا حوار بخصوص الوضع النهائي لقضية الصراع العربي الإسرائيلي، سوى بعد الانسحاب الكامل لإسرائيل من الأراضي التي قامت باحتلالها عام 1967، وأن الدول العربية عازمة على دعم المقاومة الفلسطينية بكل أطيافها، وستمضي قدما في تجنيد كافة الإمكانيات العربية البشرية والمادية والطبيعية لدعم الشعب الفلسطيني في نضاله، وعلى البلدان العربية أن تبني علاقاتها المستقبلية مع بلدان العالم، استنادا إلى مواقف تلك البلدان من القضية الفلسطينية، ومن تأييد الحقوق الوطنية العادلة للشعب الفلسطيني، وفقا لما ورد في قرارات هيئة الأمم المتحدة، وغيرها من قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
نعم سيدي الرئيس، وبقدر ما يبدو ذلك حالما وشاعريا، إلا أنه المطلوب اليوم في ظل تحول العالم من عالم أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل، إلى عالم متعدد القطبية يسعى إلى تعزيز مفاهيم هيئة الأمم المتحدة في المساواة بين سيادة الدول، وهو ما نسعى إليه جميعا، ولسنا، نحن العرب، أقل من أي منطقة أخرى حول العالم، ونطالب بالحد الأدنى من حقوقنا الطبيعية ألا وهي المساواة في السيادة، واحترام إرادتنا ووحدة أراضينا وحقنا في تقرير المصير.
لا يعني ذلك أن ننعزل عن أي جهود دولية تبذل من أجل حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وشامل، بل يجب أن يكون الموقف العربي موقفا واضحا ومبدئيا، يدعم ويقوي جميع الجهود الدولية الخاصة بالتوصل إلى الاتفاق على آلية انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، والوساطة التي يمكن أن تقوم بها هذه الدول تحت رعاية الأمم المتحدة والرباعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية بمشاركة القيادات الفلسطينية بطبيعة الحال. إلا أن الأهم من كل ذلك هو عدم إعطاء أي مجال للمحتل الإسرائيلي للتحجج بالذريعة الواهية أنه “لا يوجد طرف فلسطيني موحد يمثل كل الفلسطينيين”، فيجب أن يعي المحتل أن أي مواطن فلسطيني مفوض للنقاش حول مستقبله، ولكن بعد الانسحاب الإسرائيلي لا قبله، خاصة من القدس الشرقية وقبل كل شيء.
إذا ما نظرنا للوضع من زاوية أخرى، سيادة الرئيس، فليس هناك انشقاق فلسطيني، بقدر ما هو خلاف حول رؤية أسلوب النضال، ونطاقه، وآلية الوصول لنفس الهدف، وذلك الخلاف إنما أثرى قضية النضال على مدى السنوات الماضية ولم يعطلها، وكانت له الكثير من التداعيات الإيجابية من حيث تعزيز ديناميكية هذا النضال، وجعله دائما خارج نطاق توقع أو خيال العدو، ودائما ما ساهم ذلك في إرباك حساباته سواء في غزة أو الضفة، في الداخل أو في الشتات.
إن شعبنا الفلسطيني، سيادة الرئيس، شعب واحد، له قضية واحدة، وأرض واحدة، وتاريخ واحد، ومصير واحد، وثقافة واحدة، وممثلنا الشرعي الوحيد هو منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، بصرف النظر عن أي مشكلات داخلية يمكن أن تكون محل جدل أو نقاش أو حتى خلافات داخل هذه الهياكل، والتي يجب العمل على تعديلها لتوسيع قاعدة المشاركة لتسع الجميع. إلا أنه لا يجوز أن يكون أي خلاف أو جدل أو نقاش بين الأخوة مبررا لعدم بدء الانسحاب الفوري من جميع الأراضي المحتلة من جانب إسرائيل منذ 55 عاما! ولا يجوز أن يعيق ذلك اتباع سياسة مبدئية واضحة وموحدة من جميع الدول العربية في المطالبة الفورية بالانسحاب الفوري إلى حدود الرابع من يونيو حزيران 1967، الانسحاب الفوري من القدس الشرقية والضفة الغربية والجولان السوري.
سيدي الرئيس، أينما تواجد الفلسطينيون، ومهما حملوا من جوازات سفر لدول أخرى، بغرض تيسير إدارة حياتهم اليومية وحركتهم، ومهما ارتبطوا بالشعوب واللغات والثقافات التي ترعرعوا فيها، إلا أن ارتباطهم جميعا بمسيرة تحرير وطنهم، وإعلان دولتهم المستقلة يظل شيئا مقدسا يحيون من أجله، ويربون أجيالهم عليه. ويحضرنا هنا مراسلة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، المغدورة برصاص الاحتلال مؤخرا، وكانت تحمل الجنسية الأمريكية، وكان بإمكانها أن تكون مراسلة في أي مكان حول العالم، وتعيش حياة مختلفة في أي بقعة من بقاع الأرض. إلا أن تاريخها وقضيتها وواجبها الوطني لتحرير الوطن من الاحتلال بالكاميرا والميكروفون والصوت والكلمة والفكرة في مجابهة الرصاص هو أقوى دليل على أننا شعب يضرب الأمثلة يوما وراء يوم على تمسكه بأرضه وترابه ووطنه الغالي فلسطين.
دمتم بالعافية والصحة سيادة الرئيس عبد المجيد تبون، وتمنياتي بالتوفيق فيما ينتظركم من مهام جليلة".