يوم الغدير هو يوم مقدس وثابت في الوجدان الشيعي، لأنه حقيقة ربانية وحقيقة نبوية حاسمة راسخة في قلوب الشيعة الأبرار، لا تقبل الإهتزاز ولا يعتريها الشك، مهما حاولت الحكومات وأتباعها أن تنتقص من حجته وعظمته، وفي هذا الزمان نحن نبايع إمام زماننا وحبيبنا ومخلصنا ومنفذنا ، ومن خلال البيعة مع صاحب الزمان "عليه السلام" هي نفسها البيعة مع الله، والبيعة مع إمامنا هي بيعة في أصل العقيدة، ولابد أن تمتزج هذه البيعة بالعقول والأرواح والقلوب المهدوية، ولابد أن تكون أولى الأولويات عند المؤمن المنتظر لامام زمانه لأنها بيعة إلهية.
لابد أن يتصف المبايع لإمام زمانه بصفات، منها الإيمان والإخلاص والتقوى والمعرفة والورع والجد والاجتهاد، وغيرها من الصفات حتى يستكمل بيعته مع إمام زمانه الحجة بن الحسن(عجل الله فرجه) وهو الفوز العظيم، وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
منذ ذلك اليوم انغرست في قلوب شيعة علي (عليه السلام) شجرة الولاية، وصار الغدير سقياً مقدساً لها في كل العصور، وتحولت تلك القلوب في صحراء قريش الظالمة لأهل البيت (عليهم السلام) إلى حدائق غناء مفعمة بثمار العقيدة وأزهار المحبة، وصار صاحب يوم الغدير وبيعة يوم الغدير، وخطبة النبي (صلى الله عليه وآله) وقصيدة حسان بن ثابت، وبيعة عمر وأبو بكر وبخبخـة عمر يوم الغديـر حجة الثابتين على عهدهم، وأنشودة الأوفياء لنبيهم وأهل بيته في كل جيل.
تميزت خطبة الغدير وبيعة الغدير بمفاهيم سامية ومعان عميقة في مقام الولاية للعترة النبوية الطاهرة (عليهم السلام) بمراسمها الخاصة قبل الخطبة وبعدها، مثل إهداء النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) عمامته الخاصة، وأمر المسلمين بتهنئته وبيعته، وتميز يوم الغدير بنزول الخطاب الإلهي الخاص بعد بيعة الأمة لعلي عليه السلام (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا) وهو خطاب لا مثيل له في الخطابات الإلهية السابقة.
حديث الغدير من مميزاته كثرة أسناده من الصحابة والتابعين، وأن كبار الحفاظ والعلماء ألفوا في أسانيده وأثبتوا تواتر أحاديثه، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، وإن هذه الميزات الضخمة تدل على الأهمية العظيمة للغدير في ثقافة الإسلام، وتثير فينا روح الغيرة على الإسلام لكي نحافظ على هذا الأصل العقائدي الرباني النبوي الامامي، وندافع عنه بكل كياننا لانه يرتبط ارتباطا وثيقا و عاطفياً و وجدانيا بالقضية المهدوية.
وشهدت الصحراء لأول مرة ذلك الاجتماع العظيم من الناس، وقد زاد من عظمته حضور الأنوار الخمسة المقدسة النبي الأكرم وأميرالمؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام) وقد اشترك في ذلك التجمع الجماهيري الرجال والنساء من مختلف الأقوام والقبائل والمناطق، وبدرجات متفاوتة من الإيمان، انتظاراً لخطبة النبي الأكرم (صلوات ربي وسلامه عليه واله).
وقبيل الظهر من يوم الإثنين في الثامن عشر من ذي الحجة ولدى وصولهم إلى منطقة "غدير خم" جاءه جبرئيل لخمس ساعات مضت من النهار وقال له: يا محمد، إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك: (يا أيها الرسول، بلِّغ ما أنزل اليك من ربك، وان لم تفعل فما بلغت رسالتك، والله يعصمك من الناس، ان الله لايهدى القوم الكافرين) ونزل الرسول (صلى الله عليه وآله) عن ناقته وحط رحال النبوة عند غدير خُم، وكان جبرئيل إلى جانبه، وهو يراه يرتجف من خشية ربه.
رافق إعلان النبي (صلى الله عليه وآله) لإمامة علي والعترة (عليهم السلام) الوعد الإلهي بعصمته وحفظه من كيد الأعداء المعترضين. وهما ضمان وعصمة لا نجدهما طيلة عمر النبي (صلى الله عليه وآله) وتبليغه الرسالة، ثم يقول صلوات الله وسلامه عليه واله
معاشر الناس: النور من الله عز وجل في مسلوك، ثم في علي، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لان الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين، ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين،
ألا إنه المنتقم من الظالمين،ألا إنه الغراف في بحر عميق، ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله، وكل ذي جهل بجهله،
ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه، ألا إنه الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه، ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده، ولا حق إلا معه، ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه.ألا وإنه ولي الله في أرضه، وحكمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته... الى اخره الرواية.
معجم احاديث الامام المهدي عليه السلام ج5ص135_136
اللهم توِّج فرحتنا بالغدير بظهور وليك وحجتك صاحب الزمان (عليه السلام)، لكي نبتهج بعيد للغدير في حضرته ونسمع عن الغدير من فمه الشريف، أرواحنا فداه وعجل الله تعالى فرجه وفرج العالم به. ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله، ألا إنه الناصر لدين الله،