النصر غير المحتفى به / رزاق كشيش الغزي

الاربعاء - 06/07/2022 - 13:31
النصر غير المحتفى به  / رزاق كشيش الغزي


ذي قار
٥/٧/٢٠٢٢
قد أكون مبالغا في نظر البعض وخياليا في نظر اخرين وحالما عند اول استدلال لما سأقوله او اعرضه. ان ابسط  تعريف لمفهوم النصر والهزيمة هو بتحقيق او عدم تحقيق الاهداف التي أعدت المواجهه ووضعت الخطط لاجلها فلا يتحقق النصر استنادا للوسائل او الآليات ولا يتحقق بالتمنيات ولا يعود بجلد الذات او امتطاء الاعلام وصناعة فروسية في الهواء.
منذ اواخر القرن الثامن عشر ، كانت واضحة طبيعة  الصراع الحضاري بين الأمم والصراع الثقافي بين الشعوب والسياسي بين الدول . ولا اريد ان اذهب بعيدا فواضحة، لدى كل المتتبعين، بداية ثورات التحرر وصناعة الهويات وفرض الإرادات ، والمملكة العربية السعودية كانت  واحدة من الدول الفتيه التي بدأت بتشكيل هويتها في المنطقه واختارت لنفسها وضعا يمكنها من ادارة شعبها من جهه ومن (تصدير ) منهجها من جهة اخرى  وكان هدفها الاكبر هو ريادة وقيادة الامة الاسلاميه وانتزاع الصدارة من مصر او العراق او دمشق.
اختارت السعودية الإسلام ( السني السلفي الوهابي) منهجا فقهيا ومعرفيا ، ودستورا أنتجت على ضوئه مؤسسات وتشريعات ومنظومة قيمة واخلاقية وتربوية وسياسيه،  وقسمت السلطات على ذلك فكان لآل الشيخ سلطة الدين والفتوى والقضاء ولآل سعود الحكم والسلطة والجيش والمال وتعاهدا على تصدير المنهج( الثوره) الى المنطقه ثم بعدها الى العالم كما واتفقا على قيادة الإسلام و( خلافة) المسلمين وان لم يصرح بها فعندهم الدين الجديد ومكة الجديده والمال والحلفاء الجديدين .
كان لا بد للثورة من خصوم واعداء يستنهضون بهم الشعوب ويخيفون بهم الخصوم ويؤكدون ضرورة المواجهة وخطورة التحدي فكانت الشيعة خصمهم الجاهز ثم بعدها تأتي الخصومات الاخرى  كاليهود والنصارى والغرب وأخيرا أضعاف وليس إنهاء الطوائف السنية الاخرى!!
وانتصرت ارادتهم فكان لهم في كل منطقة مسجد وإماما وتمويل ودرس وبدأ الخطاب والإعلام وأنشأت المطابع ودور النشر والمسابقات .
لقد تفردت السعودية تقريبا ببسط سيطرتها الفكريه على المنبر الإسلامي والمكتبة الاسلاميه بل واستطاعت ان تجهز على الأزهر في مصر وعلى جامعة الخرطوم في السودان بل وعلى منصات المعرفة في المغرب العربي وعلى مطابع لبنان وإمامة مساجد دمشق ، وحاصرت جيوشها جبال عُمان ووصلت الى مراقد الأئمة في كربلاء والنجف وسامراء. كما واستطاعت السعوديه ان تدخل نادي الكبار فتساهم في اكبر القرارات الدولية وتشترك كحليف قوي وفاعل في القول الفصل في السلم والحرب الدوليين حتى اتقنت لعبة الدول واحتلت موقعا متقدما في التصنيف الدولي باعتبارها احد اهم أعضاء الدول العشرين الكبرى في العالم .
ولم تكتفي بذلك ، بل كان لمنهجها الفكري والعقائدي اثر في صناعة النصر على اكبر دول العالم الشرقي حتى كسبت الحرب في أفغانستان وباكستان ودول اخرى!!

ثم أخذ الصراع يأخذ منحى خطير هدد امن السعودية ووجودها وشعرت أمامه بهول الخطب فقد برز اليها من يخاف منه عليها ، انها الجمهورية الإسلامية في ايران بداية نهضة اشد الخصوم والضد النوعي لمملكة الخوف والجلد وثقافة النار وقطع الأيدي والرقاب، وانه الامام الخميني وولاية الفقيه وانطلاق الدوله الاسلاميه الحضارية الجديده ، ضدها النوعي في كل شئ في العقيدة والمنهج والعرق والثقافة واللغة والتاريخ والحضارة ومناهج البحث العلمي، حينها لملمت السعودية شتاتها واستعدت لأخطر معركة في تاريخها الحديث ومستقبلها السياسي وما وصلت اليه.
لم تترك السعودية وسيلة في المواجهة الا واستخدمتها، المال ، والرشوة ، والإعلام ، وتمويل الحروب ، وتأجير العلماء ، ونشر الأكاذيب وصناعة الحلفاء وزراعة الخصومه في قلب الامه الشيعيه حتى اصابها ذلك بالهوس والجنون عندما سقط اهم معاقلها وأكثرها اندماجا بمشروعها الطائفي .
انه الانهيار الاول انهيار  جدار صدام الذي صرفت عليه السعوديه نفطها  وخطابها وتمويلها وسلاحها وعقائدها .
لقد سقط صدام في الكويت وهزم اكبر جيش للعروبة وحاميا لبوابتها الشرقيه كما ارادته المملكة ثم انقض صدام على السعوديه بعد ان تركته وحيدا فاحتل الكويت ووصل الخفجي وكاد ان يصل الرياض لولا خوفه وارتباكه فكانت بداية الهزيمه والفشل بأول حرب مصيريه وسط تفرج لإيران واعادة التقاط الانفاس.
وسقط صدام على أيدي الأمريكان وبدأ الشيعة يحققون إنجازات سياسيه كبيره وسط ذهول سعودي وجنون سلفي ووهابي فكان جنونهم الثاني ان  اقترب الإسلام الشيعي من الحدود معها وأصبح يجالسهم في الجامعة العربيه والمؤتمر الإسلامي بل وماذا يفعلون للشريك  الجديد في الحكم والطامح لرئاسة الجامعة العربيه وعقد قمتها في بغداد ويرأسها زعيم اكبر حزب سياسي اسلامي بنكهة وعطر شيعي .وهكذا بدأ تحول الذهول الى جنون وهستيريا مركبه وفي نفس الوقت ومع تسارع خطوات المواجهة و بالتوازي بالمسيرة فان ايران امتلكت القدرة النوويه وبدأت تفاوض الولايات المتحدة وتقف بوجهها ندا عتيدا صلبا فما كان منها( المملكة العربية السعودية) الا داعش العراق فكان  الخطأ  ستراتيجي المميت( كخطأ دخول الكويت)، الخطأ  الذي لا يغتفر،  فكانت الفتوى الشيعيه التي زادت من التوحد العقائدي والعسكري فتناخى جميع الشيعة ولبوا نداء مراجعهم وسط هزيمة وانكسار داعش وحلفائهم وهزيمة مشروع عقدت عليه السعودية آمال كبيره ورصدت له أموالا طائله وحشدت له الكثير من الحلفاء والخطباء والأئمة والمنظرين ، انه النصر الثاني الكبير والمفصلي في حياة الامه ، فمع الانتصار العسكري الكبير فقد انتصرت التجربة الديمقراطية في العراق وصمدت امام جميع محاولات المملكة  واخواتها من عرقلتها كما وانتصر الحشد الشعبي وأصبح قوة رسمية تموله وتصرف عليه وترعاه الدولة العراقية، انها قوة شيعية عسكرية على حدودها مضافة لانتصارات التفاوض ومعززة لقوة الذراع الشيعي في لعبة لي الأذرع الدوليه .
بدأ الهلال الشيعي بالوضوح اكثر وبدأ الإسلام السياسي يأخذ مداه أكثر  فاكثر وبدأت الناس تتمحور اكثر فانتصار المقاومة في لبنان وهزيمة اسرائيل وانتصار الحشد في العراق وهزيمة السعودية وداعش وانتصار الحوثي وصموده وكسر إرادة الإمارات والسعودية وهزيمة داعش في سوريا وكسر الإرادة الأمريكية والاسرائيلية والسعوديه حتى أصبحت مباراة لكرة القدم معها تستنفر كل المخزون الثقافي في مواجهتها وترفع الاكف لخسارتها ولو كانت مع ايران فضلا عن العراق بل مع اي بلد تلاعبه وتواجهه .
لقد اُجبرت السعودية على التراجع في جميع معاركها ضد الشيعة فانحدر الإسلام السلفي الوهابي وانتهت أسطورته على يد بن سلمان داخليا وبدأوا يستقبلون الشيعة العراقيين بالحلوى والشوكولاته واعلنت الرياض مدينة الحب والسلام وفتحت الكنائس ورفعت القيود عن سياقة السيارة وتغيرت مناهج التعليم وانتهى تقاسم السلطة بين ال الشيخ وال عبد العزيز وانتهت الى الابد أسطورة السلف الصالح وتوقف تصدير ( الدين) وانتهى شعار الكفر والزندقة الى الابد.
انه النصر غير المحتفى به رسميا وأنها الهزيمة غير المعلنة ، واعلن الشيعة مشروعهم في بناء الدولة ونهضة الامه واستمر مشروع المقاومة لإسرائيل والغرب وأمريكا سياسيا وفكريا وعقائديا واجتماعياً واقتصاديا وأذعن السعوديون للغرب وطبعوا مع اسرائيل عسكريا وسياسيا وفكريا واقتصاديا واجتماعياً وغنى الشيعة الإيرانيون وأنشد معهم الشيعة العرب والعجم لحنا واحداً وهم يذرفون دموع الحب وصمود الانتصار نشيد الانتظار الكبير
سلام فرمانده وسلام يامهدي