أَلاِمامُ الحَسَنْ (ع) بَيْنَ مُؤهِلاتِ الْقِيادَةِ وَمُؤهِلاتِ السِّياسَةِ / زعيم الخيرالله

الثلاثاء - 19/04/2022 - 09:39
أَلاِمامُ الحَسَنْ (ع) بَيْنَ مُؤهِلاتِ الْقِيادَةِ وَمُؤهِلاتِ السِّياسَةِ  / زعيم الخيرالله


الاشكالاتُ التي تُثارُ حولَ بعضِ القرارتِ التي تتخذها الشخصياتُ الاِلهِيَّةُ ، كالتشكيكِ الذي طرحهُ بعضُ الصَّحابَةِ حولَ القرارِِ الذي اتخَذّهُ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ بالصلحِ مع المشركينَ في الحديبية ، فقد قالَ هذا الصَّحابِيُّ للنَّبِيِّ (ص) :(أَفنعطي الدَّنِيَّةَ في دِينِنا). أَواعتراضِ بعضِ اصحاب امير المؤمنين علي عليه السلام عليه في عدم ابقاء معاوية لحظةٍ واحدةِ في موقعه في الولاية على الشام ، أَواعتراض بعض اصحاب الامام الحسن(ع) على صلحه مع معاوية مُسَلِماً على الامام ? السلامُ عليكَ يامُذِلَ المؤمنين) ، أو من اعترض على الامام الحسين عليه السلام في نهضته المباركة في وجه يزيد بن معاوية كعبدالله بن عباس ومحمد بن الحنفية وغيرهم . 
كُلُّ هذهِ الاعتراضات منشؤُها عدمُ التفريق بينَ السِّياسِيِّ والقيادي ، بين السياسة والقِيادَةِ ، بينَ دَورِ القائِدِ ودَورِ السِّياسيِّ . السياسيُّ هو من يبحث عن الموقعِ والشهرةِ والاضواء . السياسيُّ هو من ينتهزُ الفُرَصَ ، ويبحث عن طموحاتهِ الشَّخْصِيَّةِ وَاِنْ أَدّى ذلكَ الى التَّضْحِيَةِ بالقِيَمِ والأخلاقِ . والقائِدُ هو من ينطلِقُ من المبادئ والقيم والأخلاقِ . القائدُ هو مَنْ يمتلك رؤيَةً واضحة للمستقبل . السياسي لايمتلكُ هذه الرؤية ، ولايرى أبعدَ من أرْنَبَةِ أَنْفِهِ . كلُّ هذهِ الاعتراضات منشؤُها عدم التفريق بين السياسي الآنيِّ اللحظيِّ والقياديِّ الذي يمتلك رؤية مستقبليَّةً للأُمورِ .فالنبيُّ (ص) في صُلْحِ الحُدَيبية كان يرى المستقبلَ بوضوح ، ومن اعترض عليه كان اعتراضُهُ عليه بالمنطقِ السِّياسِيِّ الآنِيِّ اللحظي ؛ اذ رأى في شروط الصلح الظاهريَّةِ اِذلالاً للمسلمين . وهكذا هو الحال مع المعترضين على الامام علي (ع) ، اعترضوا عليه بمنطق السياسة الذي يرى المصالح الآنيَّة السريعة ، بينما كان الامامُ عليه السلام يرى الأمُورَ بمنطق القائِدِ صاحبِ الرُؤيَةِ الثاقِبَةِ التي تنظر الى المبادئ والقِيَمِ .والحالُ على هذه الشاكلة مع الذينَ اعترضوا على الامامِ الحسن (ع) ؛ فالامامُ (ع) يرى في صلحهِ فتحاً مبيناً كصلح النبيِّ في الحديبية ، والذين اعترضوا عليه تحدثوا بمنطق السياسة والمصالح الانِيَّةِ فسلموا على ابي محمد الحسن (ع) : ( السلامُ عليك يامُذِلَّ المؤمنينَ) .
وفي هذا السياق يَتَحَدَثُ ميكافيلي مُفَرِّقاً بينَ القائِدِ والسِّياسيِّ : (على القائِدِ أَنْ يُمَيِّزَ جَيِّداً بينَ القِيادَةِ والسياسة ، القِيادَةُ تَستندُ في وجودها الى الأخلاق ، بينما علمُ السِّياسَةِ ليسَ لَهُ أَيَّةُ عَلاقَةٍ بِعِلمِ الأَخلاقِ .السياسَةُ كَعِلْمٍ لاتقومُ على الاخلاقِ. هناكَ سِياسِيُّونَ أَخلاقِيُّونَ ، ولكنْ ليسَ هناكَ سِياسَةٌ أَخلاقِيَّةٌ ). ويقول ارسطو : ( السياسِيُّونَ ليسَ لديهم وقتَ فراغٍ ؛ لأنَّهُم يَسْعَونَ دائِماً الى ماوراءَ الحياةِ السِّياسِيَّةِ نَفْسِها ، الى السلطةِ والمجدِ والنُفوذ ) .
الرؤيةُ القيادِيَّةُ للامام الحسن (ع) في صلحِهِ
------------------------------------
سَأَلَ أَبو سعيد الامامَ الحسن (ع) عن عِلَّةِ صُلْحِهِ معَ مُعاوِيَّةَ فاجابه: (يا ابا سعيد ....أَلستُ الذي قالَ رسولُ الله (ص) لي ولأخي : الحسنُ والحسينُ اِمامان قاما أو قعدا ؟ قلت : نعم ، قال: فانا اذن امام لو قمتُ ، وَأنا امامٌ لو قَعَدتُ . يا أبا سعيد عِلَّةُ مُصالَحتي لمُعاوِيَةَ عِلَّةُ مُصالحَةِ رسول الله (ص) لبني ضُمرَةَ وبني أَشجَع ، ولأهلِ مَكَةِ حينَ انصرفَ من الحُديبية ) . هذه رؤيَةٌ قياديةٌ يراها الامام الحسن (ع) لصلحهِ مع معاوية . وكذلك يصف الامام صلحه مع معاوية من خلال رؤيةِ القائدِ الذي يبصرُ الاُُمور متجاوزاً النظرة الدنيوية والمصالح الآنِيَّةَ القريبةَ بقوله (ع) :
(لو كنتُ بالحَزمِ في أَمرِ الدُّنيا وللدنيا أَعملُ وَأَنصب ، ماكانَ مُعاوِيَةُ بأبأسَ منيّ وَاَشَدَّ شكيمةً ولكنِّي أَرى غيرَ مارأَيتُم وَماأردتُ فيما فعلتُ الاّ حقنَ الدِّماء فارضَوا بقضاء اللهِ وسّلِّموا الامرَ والزموا بُيُوتَكُم وأَمسكوا وَكُفُّوا أَيديَكم حتى يستريحَ بَرٌّ ويُستراحَ من فاجِرٍ ) . 
المَنْطِقُ السِّياسِيُّ لِمُعاوِيَةَ من وراء الصُلحِ
-----------------------------------
مُعاويّةُ أرادَ تحقيقَ مصالحَ سياسيّةٍ آنِيَّةٍ من وراء الصُلح ، حيثُ يقولُ بعدَ أَنْ استتب لهُ الأمرُ :
(اِنِّي واللهِ ماقاتَلتُكُم لتُصَلُّوا ولالِتَحِجُّوا ولالِتُزَكُوا ولكنيّ قاتلتُكم لأتَأَمَرَ عليكم ، وقد أعطانيَ اللهُ ذلك وانتم كارهون ، أَلا وَاِنِّي كُنْتُ مَنَيْتُ الحسنَ وَأَعطَيتُهُ أَشياءَ وجميعُها تحتَ قدميَّ هاتينِ لا أَفي بشيءٍ منها لهُ ) . ( الارشاد ، المفيد ، ص 191). الامام الحسن عليه السلام يتحدث برؤيةٍ واضحةٍ ثاقبةٍ لصلحه ، يتحدث برؤيةٍ قياديّةٍ ، بينما معاوية يتحدث برؤية سياسية انتهازية .
والامام الحسين (ع) يؤيد اخاه في صلحه فقد اشار على الامام الحسين (ع) بالثورة على معاوية ونبذ الصلح ، اشار عليه بذلك علي بن محمد بن بشير الهمداني فاجابه الامام الحسين (ع) : ( صدقَ أَبو محمد فليكُنْ كُلُّ رجُلٍ منكم حِلساً من احلاسِ بيتهِ مادامَ الانسانُ (معاوية) حَيّاً). ( الاخبار الطوال ، الدينوري، ص 221) .وهذا لايعني ان الامام الحسن عليه السلام واباه علياً عليه السلام لايفقهانِ السِّياسَةَ ، نعم : هما يفقهانِ السِّياسَةَ ويجيدانِ كلَّ ألاعيبها ، ولكن السياسةَ لجيهما منظبطَةٌ بقيمٍ واخلاقٍ ومناقبياتٍ . وهذا ما أشار اليه عليٌّ (ع):
(قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين ). 
والخلاصةُ اَنَّ المُعْتَرِضينَ على صُلْحِ الامامِ الحسن (ع) كانوا ينطلقون من رؤيةٍ سياسية آنِيَّةٍ في فهمِ الصلح وشروطِهِ المُذِلَةِ -حسب فهمهم - والامام (ع) ينظر الى صلحِهِ رؤية قيادية تمتلك البصيرة في رؤيَةِ مايحققهُ الصُلحُ من خيرٍ للاُمَةِ مُستقبلاً .