الدعاء, سلاح الإمام زين العابدين في توعية الامة / جميل ظاهري

الاحد - 13/03/2022 - 19:18
الدعاء, سلاح الإمام زين العابدين في توعية الامة  / جميل ظاهري

 

الدين الاسلامي الحنيف اعتبر الدعاء المتمم والمكمل للعلم والمعرفة والضرورة الملحة لحياة البشر الاجتماعية والحياة السليمة والسلمية القائمة على روح التعاون والتسامح والرحمة والمودة والمحبة والتآخي فيما بين الناس بشتى صنوفهم، وهو أفضل وسيلة لتربية الإنسان المسلم وتوعيته وتنوير فكره وهدايته نحو الصواب والطريق القويم وتعزيز ارادته وعزمه على مواجهة المصاعب والمصائب وردع الظلم والقمع والفرعنة والطغيان، والتصدي للمحتل والمستعمر والمستكبر والشيطان، والدعوة نحو التحرر والاستقلال وعبودية الله سبحانه وتعالى وحده دون غيره. القرآن الكريم والاحاديث النبوية أشارا الى أن للدين مظهراً وجوهراً، فالعبادات كالصلاة والصيام والحج و.. هي مظاهر الدين الحنيف، فيما يشكل الدعاء جوهر الدين وعماده القويم فهو اتصال الانسان بالله سبحانه وتعالى وحديثه الخاص مع البارئ المتعال ومناجاته مع ربه الكريم، وهو ضرورة ملحة واساسية في تربية الإنسان العارف المؤمن الواعي والمسامح النبيل الشجاع الكريم المقاوم الصامد جيلاً بعد جيل.
من هذا المنطلق رسم أهل بيت العصمة والطهارة من جدهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه المنتجبين وحتى الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، هذه السيرة في توعية الأمة حسب الظروف التي تعيشها، حيث أن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام والذي نعيش هذه الايام ذكرى مولده المبارك، معالم مدرسته الاسلامية ونهجه المقاوم للطغاة وفضح الظلم ونبذه والتصدي اليهم بأدعية عالية المضامين تستند كلها لوحي القرآن الحكيم وتعتبر بحق دائرة معارف عليا لجميع المعارف الالهية، ابتداءً من معرفة الله سبحانه وتعالى، وانتهاءً بتكريس الصفات الرسالية عند الإنسان المسلم في التوحيد والعدالة والمساواة كما وردت في صحيفته السجادية في وقت كان العالم الإسلامي يمر بأصعب مراحله وحكم أعتى طغاته من بني أمية المجرمين.
ساد الحياة السياسية التي عاشها الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ألوان من القلق والاضطراب، حيث خيم الذعر والخوف على الناس وفقدوا جميع أشكال الأمن والاستقرار، خاصة بعد فاجعة كربلاء والمجزرة الدموية التي ارتكبها حفيد هند آكلة الأكباد وأعوانه، ما تسبب بتفكك المجتمع الإسلامي وشيوع الأزمات السياسية الحادة في وسطه، واندلاع الثورات المتلاحقة؛ والسبب الأول والأخير في كل هذه الأحداث المؤلمة يعود الى طبيعة حكم الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن الكريم بني أمية الطلقاء الجائر والمستبد والفساد الذي استشرى في البلاد من قبل الملوك والولاة.
وضع الامام علي بن الحسين السجاد أصبعه بعناية ربانية ووعي إمامي على مسألة العصبية القبلية والطائفية والقومية البالغة الحساسية وقال: "العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من قومٍ اخرين"، واراد من وراء ذلك مقارعة العصبية ومحاربتها بكل صورها المقيتة التي لا تزال تسري ويتوسع نطاقها في البلاد الاسلامية حيث نرى كيف يتفرعن الحكام ويطغون على أبناء جلدتهم بعد أن ينعتوهم بنعوت طائفية أو قومية أو قبلية بأفكار انحرافية تدفع المجتمع الإسلامي نحو التفرقة والنفاق والتحلل الفكري والمتطرف بحلة الدين وعبر وعاظ سلاطينهم المنحرفين مما أدى الى ظهور الفرق المنحرفة كالوهابية والسلفية لتدفع بالشاب المسلم نحو تكفير أخيه المسلم وهدر دمه بأبسط الصور.
الحديث عن الامام زين العابدين والكتابة في سيرته وسلوكه الرباني وطريقة هدايته للأمة عبر الدعاء، هو عمل صعب جداً حيث أن تعرف الناس على هذا الامام الهمام كان قد تم في أجواء غير مساعدة وبعيدة عن الحقيقة اطلاقاً، ففي ذهنية غالبية كتاب السيرة والمؤرخين والرواة أن هذا الإنسان العظيم التي أقرت الأمم المتحدة رسالته بخصوص الحقوق كوثيقة أممية يعتمد عليها في سن القوانين والقرارات الدولية لحقوق الانسان، قد انزوى في حياته للعبادة بعيداً عن التدخل في أمور الأمة السياسية جاهلين من أن الصحيفة السجادية هي خير سلاح في مواجهة الطغيان والديكتاتورية للحكام الظلمة والمستبدين والفراعنة اذا ما تمعنوا في مفهومها ودققوا في معاني كلمات الأدعية التي تحتويها.
البعض الآخر من هؤلاء المؤرخين والمفكرين برروا جلوسه الى مرضه خلال واقعة الطف بكربلاء عام 61 للهجرة والذي كان ذلك مشيئة الهية حتى يسقط عنه التكليف الالهي في الجهاد والدفاع عن امام زمانه يوم عاشوراء (نصّ على مرضه عليه السلام كثيرٌ من المؤرّخين وأرباب المقاتل بروايات مختلفة، منهم: المفيد في الإرشاد، ج 2، ص 93 و112 و113 و114؛ وابن طاووس في اللهوف، ص 63؛ وابن نما في مثير الأحزان، ص 83؛ والطبري في تاريخه ج 4، ص 293 و317 و318 و347، أصول الكافي للكليني، ج 1، ص 303؛ بصائر الدرجات، الصفّار، ص 168؛ الإمامة والتبصرة، ابن بابويه القمّي، ص 63 و64؛ بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 45، ص 91 نقلاً عن كتاب النوادر لعليّ بن أسباط، لسان العرب، ابن منظور، ج 13، ص 53 و54، ومجمع البحرين، الطريحي، ج 6، ص 215، وفي الإرشاد، (م. س.)، ج 2، ص 114؛ السرائر، ابن إدريس الحلّي، ج 1، ص 158؛ مثير الأحزان، (م. س.)، ص 83؛ إعلام الورى، الطبرسيّ، ص 246، وترتيب كتاب العين، الفراهيدي، ص 285).. كي يبقى حياً ليحمل عبء الأمانة الإمامة الإلهية الثقيل على عاتقه ولمدة حوالي 35 عاماً بعد استشهاد والده الامام الحسين عليه السلام واهل بيته الاطهار.
تجاهل آخرون من أن الامام السجاد رغم أنه كان وحيداً وأنصاره لايتجاوزون عدد أصابع اليدين من التصدي بعلمه وفكره وإيمانه وقوته الإلهية ورسالته السماوية التي كان يحملها على عاتقه، من التصدي لانحراف الأمة وظلم وطغيان الحكام والسلاطين وعلماء الزور والتزييف الذين أرادوا بالأمة العودة الى جاهلية قبل الاسلام، بفتاوى عبدة الدرهم والدينار بما يلذ ويطيب للحاكم والأمراء والملوك في قتل وذبح الانسان، وتدمير البلاد، وتمزيق العباد، وحرق الأخضر واليابسة، ونهب ثروات الأمة، وسلب النساء وتدنيس المقدسات، والقتل على الهوية الذي لا يستثني حتى الأطفال، وإيقاع الفتنة الطائفية بفتاوى تكفيرية سعودية - خليجية - صهيونية؛ كل ذلك السعي كان عبر سلاح الدعاء ومدرسته التي سلكها خير الساجدين.
استخدم الإمام زين العابدين الدعاء كوسيلة تربوية اصلاحية وأثار في أدعيته كل القضايا التي تهم الإنسان والمجتمع وقد جمعت تلك الأدعية في كتاب عُرف فيما بعد بالصحيفة السجادية، كما كان يعقد الحلقات الدينية والفكرية في مسجد جده رسول الله حتى أصبحت مجالسه محجّة للعلماء والفقهاء وتخرجت من هذه المدرسة قيادات علمية وفكرية حملت العلم والمعرفة والإرشاد الى كافة البلاد الإسلامية.. ولم يترك الجانب الإنساني و الإجتماعي حيث تؤكد الروايات أنه كان يخرج في الليالي الظلماء يحمل الجراب على ظهره. فيقرع الأبواب ويناول أهلها من دون أن يُعرف، كما كان يشتري في كل عام مئات العبيد ليحررهم في الفطر والأضحى بعد أن يربيهم التربية الاسلامية المباركة.