تمر في شهر رجب الأصب وهو أحد أشهر الله الحرم ذكرى أليمة وحزينة على الموالين وعلى كل الأمة الإسلامية وهي استشهاد القمر السابع من أهل بيت النبوة(سلام الله عليهم أجمعين) وهو الإمام الزاهد حليف السجدة الطويلة سيدي ومولاي موسى الكاظم(عليه السلام) والذي من أحد ألقابه باب الحوائج والذي كان يقضي الليل والنهار بالعبادة والسجود لله سبحانه وتعالى والشكر لربه.
وقصص الأنبياء تبين أن الكثير من الأنبياء قد مورس ضدهم الكثير من العذاب والترهيب والسجن ولكنهم كانوا في النهاية يشكرون الله جل وعلا على ما فيه من حال.
ومن تلك القصص هو حال الأمام الكاظم والذي يوصف بأنه راهب آل محمد ويوسف اهل البيت لكثرة السجون التي أودع فيها والتي كانت سجون معتمة وطويلة، ولو لاحظنا أن أي إنسان لو تعرض للسجن لكان سبباً للهم والشقاء لذلك الشخص ولكل شخص يتعرض إلى محنة السجن، والتي يكون ظن السجين وجميعنا نحن أن السعادة في أن ان يكون الشخص المحبوس خارج السجن وكذلك باقي الأشخاص، ولكن الحقيقة يمكن أن يكون السجن ذا منفعة عظيمة وقد قيل (رب ضارة نافعة)، لأنه عندما يكون الشخص خارج السجن فأنه معرض للمغريات الدنيوية والتي لو أطاعها وسار خلفها في مدعاة لاكتساب ألأثم والسير في طريق الحرام، وبالتالي العقوبة في الآخرة، بينما السجن هو مانع لهذه الاغراءات وبالتالي يكون حبل النجاة في الآخرة، مع العلم أن السجن مهما طال في الحياة الدنيا فهو لن يقاس بالعقوبة في الآخرة والتي يكون اليوم فيها بألف سنة مما تعدون.
ومن هنا نجد صفحة وحياة سامية في الإمام السابع لأهل البيت الكاظم(عليه السلام)والذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر والتعالي في النفس وتحقيق السعادة من خلال السجن الذي كان يمكث فيه وفي ظلم المطامير ومن قبل طاغي ذلك الزمان هارون العباسي، ويمثل التعالي بالنفس على كل ما في الحياة الفانية والزهد منها وارتباطه الحقيقي بالله سبحانه وتعالى، وليجعل السجن هو نعمة كبيرة منَّ الله بها عليه وليشكر الله على ما فيه من سجن وظلم وجور ليخاطب تعالى في السجن ويقول : ( اللهم أنك تعلم طالما سألتك أن تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت ، فلك الحمد ).
ليبين الأمام الرشيد موسى كاظم الغيظ(عليه السلام) أن هناك حقيقة واحدة ومهمة على الإنسان أن يعيها ويفهمها وبتكون منهاج عمل له في تطبيقها على واقع الحياة وبالتالي الوصول إلى السعادة، وهذه الحقيقة هي الارتباط بالله سبحانه وتعالى، والتعامل مع الحياة وأنها دار ممر وانها فانية ودار شقاء ولهذا يقول الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الدنيا : ( الدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم، إن الجنازة إذا حملت قال الناس: ماذا ترك؟ وقالت الملائكة ماذا قدم؟ فقدموا بعضا يكن لكم ولا تؤخروا كلا يكن عليكم ).
حيث أن الشقاء لا يأتي من الواقع الخارجي بل من نظرة الحياة الى الامور، ولهذا فأن الإنسان عندما لا تتحقق رغبة له يعتبر ذلك شقاء ولكن هذه الرغبة في تحقيق هذه الأمنية تكون مضرة له.
ولهذا كان الأنبياء يختلفان في تعاملهم في مفردات الحياة التي عاشوها، ولكنهم كانوا على درجة واحدة من الناحية النفسية في التعامل مع الدنيا وعدم الاهتمام بها، وكان القاسم المشترك هو الرضا بقضاء الله وقدره، والصبر على الابتلاء الذي كان الله جل وعلا يكون ممر للسعادة والفوز بالأخرة.
وكان الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) في صبره وشكره لله تعالى محل حيرة وذهول من قبل العدو قبل الصديق، وكان هذا الزهد والصبر التي عاشها الكاظم تمثل مصدر قلق واضطراب لدى الحكام الذي عاصرهم من بنو العباس، لأنه كان يمثل صرخة استنكار وشجب لكل ما يقوم به من ظلم وطغيان وحياة مليئة بالمجون والخلاعة وعدم السير بأحكام الدين الإسلامي الحنيف،.
ومن هنا كان لا بد وكما هو معروف من هؤلاء الطغاة من الحكام التخلص من هذه الشخصية السامية وبأي شكل من الأشكال، ليدس له السم من قبل الحاكم الطاغية هارون العباسي، والذي كان الإمام باب الحوائج حلقة قلقة في حكمه وهو الذي يُنسب للخليفة العباسي هارون الرشيد قوله لابنه المأمون: " يا بني المِلك عقيم ولو نازعتني أنت على الحكم لأخذت الذي فيه عيناك"، أي لقطعت رأسك.
وهذه العبارة قالها هارون العباسي في تبرير لتمسكه بالحكم، وازاحة من يعتقد انه أكبر منافسيه من البيت العلوي، الامام موسى الكاظم (عليه السلام).
وهي ليست مجرد عبارة قيلت في وقتها وارتحلت الى زوايا عميقة في بطون الكتب والتاريخ، بل نجد تمثلاتها حاضرة في كل زمان ومكان وفي الكثير من الدول، حين يحتدم الصراع بين المتنافسين على كرسي الحكم وصولجان السلطة.
فالسلام على الإمام العابد والزاهد المغيب في ظلم المطامير ذي الساق المرضوضة بحلق القيود والجنازة المنادى عليها بذل الاستخفاف، سيدي ومولاي موسى بن جعفر كاظم الغيظ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.