قد يبدو البحث في علاقة الطب بالرسم طرحا لا يمت للواقع بصلة خاصة حين نقول، إن وجه الشبه يكمن في أن الطب يعالج الداء والرسام يزيّن المعاناة بالألوان، لكن الحقيقة التي ربما تغيب عن البعض وهي أن الرسام الذي يدخل كلية الفنون الجميلة يدرس مادة التشريح، وهي مادة ارتبطت بكلية الطب، هناك حيث يعتمد أساتذة تدريس الطب وفي الدروس النظرية على الصور والرسومات لشرح علومهم. ومن الرسامين العالميين الذين تفطنوا إلى أهمية فهم الجسد من خلال تشريحه، الإيطالي ليوناردو دافنشي وذلك بفضل معرفته الواسعة بالجسم البشري وبمكوناته وتفاصيله، حيث قام بتشريح الجثث بنفسه، الأمر الذي ساعده على الإبداع في لوحاته الشهيرة. وذكر تقرير نشره موقع “ويفوروم” أن دافنشي كان مفتونا بالجسم البشري، وكان يخفي احتقاره للرسامين الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء علم التشريح، حيث كان ينتقد هؤلاء الذين يرسمون شخصياتهم العارية التي تشبه الخشب، خالية من التفاصيل. هذه العلاقة المتداخلة بين الرسم والطب لا تجعلنا نستغرب من وجود أطباء رسامين، فالمشاعر والخيال يمكن أن يفتحا الطريق أمام الطبيب ليقتحم مجال الفن، وإذا كان الطب حلم الطفولة، فإن الرسم لعبة يلهو بها الصغار وخاصة الفتيات، وقد تكبر هذه اللعبة مع البعض منا لتصبح موهبة وابتكارا، وهو ما حصل مع العديد من الطبيبات العربيات اللاتي نجحن في مداواة المرضى، كما أبدعن في التعبير عن ذواتهن بالفرشاة.
لوحات بإمضاء الطبيبة رنا عامر
وتقول الطبيبة الفلسطينية ملك جابر، “تركت الرسم طوال سنين دراستي وحتى سنوات طويلة بعد التخرج، إلى أن بدأت دراستي للماجستير في علم الأوبئة، وتعرضت لضغوط كثيرة خلال تلك الفترة، فلم أجد منفذا سوى العودة إلى الرسم، وعندها بدأت رسم الخيول والعيون، وانتقلت بعدها لرسم الشخصيات والرموز الوطنية والعالمية”. وكانت بداية الطبيبة السودانية، رنا عامر، اللهو بالفرشاة والألوان، وقد تخصصت فيما بعد في فن الكاريكاتير إلى جانب دراستها في كلية الطب بالخرطوم. وتحدثت عامر عن علاقة الطب بالرسم، قائلة “يشترك الاثنان في الإحساس بأوجاع الناس، فالطب يعالج المشاكل الصحيّة ورسام الكاريكاتير يعالج أمراض المجتمع المتنوعة سواء كانت سياسية، اجتماعية، اقتصادية”. ومن طب الأسنان كثيرات عشقن الرسم، فالعلاقة قوية بين هذا العلم وفن الرسم، كما أوضحت طبيبة الأسنان الفلسطينية، ريم عوض، “طب الأسنان فيه جمالية، وجميل أن ترى التغيير على وجوه مرضاك وتخفف أوجاعهم، وحين تنتقل إلى الرسم، فأنت تخلق حياة وجمالية في اللوحة، الفارق بينهما أنك في اللوحة لا تُصلح أو ترمم، إنما تخلق شيئا جديدا”. طبيبات أسنان كثيرات احترفن الرسم خارج عياداتهن، منهن الشابة المصرية، مروة علي، التي قامت أول مرة برسم شخصية ميكي ماوس الكرتونية على صحن، ولاقت هذه الصورة صدى واسعا على المواقع الاجتماعية، لتواصل تجربتها في رسم شخصيات مرموقة.