لا أعني بالدَّولَةِ الطبيعيَّةِ تلكَ الدولةُ التي تَنْشَأُ على أساسِ القانونِ الطَّبيعيِّ ،وإِنَّما أَعني بها الدولةَ التي تنشأُ نشأَةً طبيعيَّةً ، وبعبارة أُخرى : هي تلك الدولةُ التي تنشأ على ارضها وبين شعبها والتي تكون هي افرازاً له ، وتكونُ لها حكومةٌ تعبِّرُ عن تطلعاتِ شعبها.
هذهِ هي الدولةُ الطَّبِيعِيَّةُ ، ويقابِلُها الدولةُ المفروضَةُ بقوةِ السلاحِ ، الدولةُ الغريبةُ عن الارض والشعب . الدولَةُ التي اقيمت على ارضٍ ليست لها بقوة الحراب والسلاح والقهر ، وفرضت نفسها على شعبٍ لاتمتُّ اليهِ بصلةٍ .ومثلُ هذهِ الدولَة المفروضة بقوة الحرابِ ، ليسَ لها تاريخٌ متجذرٌ ؛ ولذلك تصطنعُ لها تاريخاً من الاساطير والحكايات ، وليس لها شعبٌ لذلك تصطنع لها شعباً من شذاذ الافاق من جهات الارض المختلفة الذين ليس لهم تاريخ بالارض التي استوطنوها ولايحسون بالانتماء لها ؛ ولذلك يفرون منها بأدنى ازمة اومحنة تمر بهم .وليس لها اقتصاد نابعٌ من واقعها ؛ ولذلكَ يعتمدُ اقتصادُها على المساعدات والهبات والمعونات ، هي دولةٌ ليست شبيهةً بالدولة ، هي ملصقة الصاقاً ومثبتة بالصمغ الذي سيذوب يوماً ما وتتساقط كل هذه المكونات المفروضة. الدولةٌ الطَّبيعيَّةُ لاتحتاجُ الى تطبيع ؛ لانها نشأتْ بشكلٍ طبيعي ، فهي ليست غريبة عن ارضها وشعبها . أَمّا الدولةُ المصطَنَعَةُ فهي غريبة عن الارضِ والشعبِ والتاريخ والجغرافيا . هذهِ الدولَةُ المُصطَنَعَةُ هي التي تحتاج الى تطبيع ؛ لانها ليست طبيعيَّةً .
الدولةٌ المصطنعةُ هي التي تحتاج الى تطبيع . والتطبيعٌ جريمةً ؛ لانه يجعلُ الامر الشاذَّ والغريب طبيعياً . مهما فعل المطبعون فلن يستطيعوا حلَّ ازمةِ هذه الدولة ؛ لانَّ ازمتها ازمة بنيوية وجوديّة . التطبيعُ يعني اسقاطُ كلِّ الحواجزِِ بينك وبين العدو واكبر الحواجز هو الحاجز النفسي ، فالذي كنا نقول عنه انه عدو اصبح وضعه طبيعياً واصبح صديقاً نبادله المودة . الله تعالى يقول :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ). الممتحنة: الاية: 1 .
ولذلك اقول لامستقبل لدولةٍ مصطنعةٍ مفروضة بقوةِ الحراب ، والتأريخُ خيرُ شاهدٍ ، فكل القوى الاستعماريّة التي احتلت منطقتنا ، ذهبت الى غير رجعةٍ ، واصحاب الحق واهل الارض سيعودون.