الإسلام دين السماحة..والنبي محمد مبعوث الرحمة والإنسانية / 12/ بقلم : عبود مزهر الكرخي

الخميس - 08/07/2021 - 10:16

وجادلهم بالتي هي أحسن
" يقول تعالى آمرا رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو الخلق إلى الله ( بالحكمة )
قال ابن جرير : وهو ما أنزله عليه من الكتاب والسنة ( والموعظة الحسنة ) أي : بما فيه من الزواجر والوقائع بالناس ذكرهم بها ؛ ليحذروا بأس الله تعالى .
 وقوله : ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) أي : من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال ، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب ، كما قال : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) [ العنكبوت : 46 ] فأمره تعالى بلين الجانب ، كما أمر موسى وهارون - عليهما السلام - حين بعثهما إلى فرعون فقال : ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) [ طه : 44 ] .
وقوله : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) أي : قد علم الشقي منهم والسعيد ، وكتب ذلك عنده وفرغ منه ، فادعهم إلى الله ، ولا تذهب نفسك على من ضل منهم حسرات ، فإنه ليس عليك هداهم إنما أنت نذير ، عليك البلاغ ، وعلينا الحساب ، ( إنك لا تهدي من أحببت ) [ القصص : 56 ] و ( ليس عليك هداهم ) [ البقرة : 272 ] "(1).
ومن هنا فالجدال الحسن هو الذي يقره ديننا الحنيف وينهي الجدال بغير التي احسن والذي يوصف بقوله في وصف المؤمنون الله سبحانه وتعالى فيقول في محكم كتابه {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}(2).
ولهذا يتحدث الأمام جعفر الصادق(ع) عن الجدال فيقول { في أن الجدال على قسمين: 322 ـ وقال الصادق عليه السلام - وقد ذكرنا عنده الجدال في الدين، وأن رسول الله والأئمة عليهم السلام قد نهوا عنه - فقال الصادق عليه السلام: لم ينه عنه مطلقا، ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون الله عز وجل يقول:
" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " وقوله تعالى:
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " (4).
فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه { العلماء بالدين، والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا...}(3).
ويضيف العلامة المجلسي فيقول " هذه الأخبار محمولة على ما إذا كان الغرض محض إظهار الفضل، أو الغلبة على الخصم، أو التعصب وترويج الباطل، أو على ما إذا كان مع عدم القدرة على الغلبة، وإظهار الحق وكشفه، فيصير سببا لمزيد رسوخ الخصم في الباطل، أو على ما إذا أراد إبطال الباطل بباطل، آخر، أو مع إمكان الهداية باللين واللطف يتعدى إلى الغلظة والخشونة المثيرتين للفتن، أو يترك التقية في زمنها، وأما مع عدم التقية والقدرة على تبيين الحق فالسعي في إظهار الحق وإحيائه وإماتة الباطل بأوضح الدلايل وبالتي هي أحسن مع تصحيح النية في ذلك من غير رئاء ولا مراء من أعظم الطاعات، لكن للنفس والشيطان في ذلك طرق خفية ينبغي التحرز عنها والسعي في الإخلاص فيه أهم من ساير العبادات "(4).
ومن هنا فان الشطر الثالث من الآية وهي الجدال بالحسنى : {وَجَادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ} وهي تعتبر بمثابة التوعية بالطريق لطريق الدعوة الإسلامية والسبل التي سوف تواجه الرسول (ص)وردود الأفعال على الدعوة المحمدية وحتى بالنسبة للداعية الذي يدعو إلى الدين الإسلامي الحنيف, ولهذا أخذ القرآن الكريم بعين الاعتبار الكفار وأصحاب الأديان الأخرى وهم كانوا مزيج من الأفكار والعقائد المختلفة والتي كان سيصطدم بها في الدعوة للإسلام لأن ديننا الحنيف جاء ليحطم كل تلك المعتقدات وارساء أفكار الإسلام وبناء المجتمع الإسلامي القائم على العدل والمساواة وقيم الحق ورفض الباطل والظلم وبكل أشكاله ولذلك كان من الدعوة عن طريق اللين وأخذ الحكمة والوعظ والجدال بالحسنى لأنه في حالة خلاف ذلك فسيكون مشاكل وردود أفعال عنيفة والميل للثأر لعقائد الأخرين، حيث لا يمكن أن تربح الدعوة إلا مزيداً من المشاكل ومزيداً من عوامل الإثارة العاطفية التي هي في غنى عنها.  ولهذا الرسالة المحمدية كانت دعوة إنسانية فهي دعوة للتسامح والمحبة والإخاء ومراعاة ظروف المجتمع في ذلك الوقت فالرسالة المحمدية هي دعوة إنسانية تهدف إلى تحرر المجتمع الجاهلي من كل رواسب الكفر وبراثن الجاهلية وبالتالي الإعانة على تحرر الإنسان من كل تلك الرواسب، والأخذ بيده نحو هذا السبيل، ليصبح صديقاً له ورفيقاً في رحلة الدعوة إلى الله. ولهذا كان الجدال يجب أن يكون بالتي هي احسن والتي هي أنجح طريق لبلوغ هذا الهدف وهذا ما اعتمده الرسول الأعظم محمد(ص)لبلوغ والوصول إلى الغايات السامية وهي نشر الرسالة المحمدية ولهذا أجمع الأعداء قبل الاصدقاء على علو ومكانة نبي الرحمة محمد(ص)في الجدال وعدم اللجوء الى التماس نقاط الضعف للأخرين واستغلالها بل كانت الرسالة المحمدية هي شريعة سهلة سمحاء ولهذا كان الكفار وحتى اليهود الكتاب يحكمون النبي محمد(ص) في حل خلافاتهم لمعرفتهم بمدى عدالته وعدم ظلمه ولهذا نزلت الآية صريحة في أهل الكتاب وحتى في المسلمين حيث يقول القرآن الكريم {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(5).
ولهذا كان القبول بقضاء النبي هي السمة الغالبة في كل ما يقوله ولهذا جاء هذا الخلق السامي والرفيع لنبي الرحمة محمد(ص)ليجد ردود أفعال حسنة لدى كل الناس ولتنتشر الدعوة المحمدية بشكل سريع نتيجة للخلق المحمدي الرفيع الذي تمتلكه تلك الشخصية العظيمة ممثلة بحبيب الله وخاتم الأنبياء محمد(ص)، ولهذا يشعر الجميع ـ بدلاً من ذلك ـ بالعزة والكرامة، لأنه على طريق كشف الحقيقة والوصول إلى سبيل أفضل، دون أن يكون في البين مهزوم ومنتصر أو غالب ومغلوب، وإنما هو الهدف المشترك والسبيل الواحد هو الدعوة للإسلام المحمدي.
" ولهذا عندما خضع أهل الكتاب للمسلمين جعل لهم النبي محمد حرية العبادة دون الوثنيين مقابل أدائهم الجزية، وبالمقابل يُضمن لهم حماية الحكومة الإسلامية. ويعد التقصير في حماية أهل الكتاب إثما كبيرا في الإسلام "(6).
وفي جزئنا القادم سنتناول تعامل النبي مع أهل الكتاب إن شاء الله أن كان لنا في العمر بقية لنوضح السماحة والعفو والخلق الرفيع في تعامله مع أهل الكتاب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ موقع القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة النحل - الآية 125.
2 ـ [المؤمنون : 3].
3 ـ راجع تفسير الإمام العسكري (ع) - المنسوب إلى الإمام العسكري (ع) - الصفحة ٥٢٧. تاريخ الطبع: شهر ربيع الأول - سنة 1409 ه‍.. المطبعة: مهر - قم المقدسة. حقوق الطبع محفوظة لمؤسسة الامام المهدى عجل الله فرجه الشريف - قم المقدسة. منشورات المكتبة الشيعية.
4 ـ راجع بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٠ - الصفحة ٤٠٢. تأليف العلم العلامة الحجة فخر الأمة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس الله سره " الجزء السبعون دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان .
منشورات المكتبة الشيعية.
5 ـ [النساء : 65]
6 ـ تحرير م. ت. هوتسما وآخرون؛ إعداد وترجمة إبراهيم زكي خورشيد (1418 هـ / 1998 م). موجز دائرة المعارف الإسلامية - الجزء الخامس (الطبعة الأولى). الشارقة: مركز الشارقة للابداع الفكري. صفحة 1399.