الإسلام دين السماحة..والنبي محمد مبعوث الرحمة والإنسانية / 7/  بقلم : عبود مزهر الكرخي

الاثنين - 31/05/2021 - 09:49


ونستمر في القاء الأضواء على السيرة العلوية العطرة وأنها كانت المرآة العاكسة للرسالة المحمدية وأنه كان المترجم والناطق الحقيقي للرسول الأعظم محمد(ص). وهذا الأمر ليس جاء وليد الحدث التي تطلبه نشر الدعوة بل هو جاء بأمر من رب  السماوات العلى في أنه خير من يحمل أعباء رسالة  السماء هو وصي رسول الله  وخليفة الله في ارضه هو يعسوب الدين وسيد الوصيين الامام علي بن ابي طالب(ع) ولهذا الحديث الشريف يقول عنه (صلى الله عليه وآله): { خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد، نسبح الله يمنة العرش قبل أن يخلق آدم بألفي عام }(1).
ومن هنا كان أمير المؤمنين هو اخو رسول الله والملازم في كل حروب وغزوات الرسول وفي كل تفاصيل حياته لأنه كان برعاية الله سبحانه ورسوله الكريم ولم يفارقه في كل حياته. فمنزلة الامام علي(ع)في السماء اعلى من في الارض وكانت افعاله وتصرفاته نابعة من افعال وتصرفات نبي الرحمة محمد(ص) وهذه الافعال مستمدة من السماء ومن الله جل وعلا فكان خير هادي للامة المحمدية وافضل خير خلق الله بعد رسول الله(ص)، وبعد هذه المقدمة نستمر في القاء الاضواء على السيرة العلوية العطرة والتعامل الإنساني السامي بكل معنى الكلمة والعفو والرحمة التي يمتلكها الأمام والمستمدة من عفو ورحمة وإنسانية نبينا الأكرم محمد(ص).
وروي عن عبد الله بن جندب، عن أبيه: أنَّ علياً عليه السلام كان يأمر في كل موطن لقينا معه عدوّه يقول: { لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم، فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم، فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، فإذا وصلتم إلى رحال القوم، فلا تهتكوا الستر، ولا تدخلوا داراً إلا بإذني، ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة إلا بإذني، وإن شتمنّ أعراضكم وتناولنّ أمرائكم وصلحاءكم فإنهنّ ضعاف القوة والأنفس والعقول، لقد كنا وإنا نأمر بالكف عنهنّ وإنهنّ لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد، فيعير بها عقبه بعده } (2).
وروي عن عليّ بن أبي طالب: أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: { فيما عهد إليه وإياك والتسرع إلى سفك الدماء لغير حلها، فإنه ليس شيء أعظم من ذلك تبعة }(3).
وعن الشعبي قال: لما أسر عليّ الأسرى يوم صفين فخلّى سبيلهم أتوا (معاوية )، وقد كان (عمر بن العاص) يقول لأسرى أسرهم (معاوية ): اقتلهم، فما شعروا إلا بأسراهم قد خلي سبيلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام(4). وهذا هو التفاوت بين رحمة الإسلام التي يمثلها الإمام عليّ عليه السلام، وبين تسافل الأخلاق عند (عمر بن العاص ومعاوية).
ولهذا صدق قول الشاعر ابن الصيفي حيث يقول :  
ملكنا فكان العفو منّا سجــــــية***فلما مـــلكتم ســـــــال بالدم أبطح
وحللتموا قتل الأسارى وطالما***عدونا على الأسرى فنعفو ونصفح
وحسبكـــموا هذا التفاوت بيننا***وكـــــلّ إناء بالذي فيـــــــه ينضـح
وقصة مبارزة عمرو بن العاص للأمام علي(ع) معروفة وأنه كشف عورته للخلاص من ضربة الأمام علي بسيفه ذو الفقار حيث من المعلوم أن الأمام علي(ع) لايقتل من يدبر في القتال او من يكشف عورته ولهذا عمل هذا العاصي بن العاص على كشف عورته لكي لا يقتله فأشاح بوجهه وهرب بن العاص وقام معفرًا بالتراب هاربًا على رجليه، معتصمًا بصفوف معاوية(5).
وبناء على ذلك أفتى الفقهاء باستحباب الرفق بالأسير وإطعامه، وإن كان كافراً، وإنَّ إطعامه على من أسره، ويطعم من في السجن من بيت مال المسلمين(6). ولو عجز الأسير عن المشي لم يجز قتله، لأنه لايدرى ماحكم الإمام فيه(7). ولا يجوز تعذيب الأسير بالجوع والعطش وغيرهما من أنواع التعذيب(8). والحربي يستطيع أخذ الأمان إذا طلبه قبل وقوعه في الأسر، أما إذا وقع في الأسر فقد تعلق حق المسلمين فيه . فإذا أمن الإمام الأسير فله أمانه، لأنه إذا جاز للإمام أن يمن عليه فيجوز له أن يؤمنه، لأنَّ الأمان دون المن(9). ولهذا فإنَّ الإمام مخير أن يمن على من شاء من الأسارى، أو يفدي من شاء منهم، أو يقتل من شاء(10)، حسب المصلحة الإسلامية(11)، ولكن مع ذلك لم يلجأ المسلمون إلى قتل الأسير إلا في حالات نادرة اقتضتها الضرورة(12) .
والمعروف أنَّ القانون الدولي العام قد اقترب من القواعد الدولية الإسلامية، بعد أن كانت الهمجية في العصور الأولى تدفع الدول المتحاربة إلى قتل الأسير دون رحمة أو شفقة، إلى أن جاءت لائحة لاهاي للحرب البرية واتفاقية جنيف سنة 1949 ووضعتا قواعد إنسانية لمعاملة الأسرى(13).
  ولاباس أن نختم مقالنا بهذه الحادثة والتي تشهد بعظمة وسمو أمير المؤمنين والتي يشهد بها عدوه وليس من اصحابه  والحادثة، ومن (الإمامة والسياسة) وهي : ((ذكروا أنَّ عبد الله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، إنِّي أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب، فقال معاوية: لله أنت ! أتدري ما قلت ؟ أمَّا قولك الغبي، فو الله لو أنَّ ألسن الناس جمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي، وأمَّا قولك إنَّه جبان، فثكلتك أمك، هل رأيت أحداً قط بارزه إلَّا قتله ؟ وأمَّا قولك إنَّه بخيل، فو الله لو كان له بيتان أحدهما من تبر والآخر من تبن، لأنفد تبره قبل تبنه، فقال الثقفي: فعلام تقاتله إذاً ؟ قال: على دم عثمان، وعلى هذا الخاتم، الذي من جعله في يده جادت طينته، وأطعم عياله، وادخر لأهله، فضحك الثقفي ثم لحق بعلي، فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي يدي بجرمي، لا دنيا أصبت ولا آخرة، فضحك علي، ثم قال: أنت منها على رأس أمرك، وإنما يأخذ الله العباد بأحد الأمرين))(14).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ علل الشرائع: ١٣٤ / ١، معاني الأخبار: ٥٦ / ٤، بشارة المصطفى: ٢٣٥ كلها عن أبي ذر، روضة الواعظين: ١٤٤، المناقب لابن شهر آشوب: 1 / 27. موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ - محمد الريشهري - ج ٨ - الصفحة ٦٤، ص 64. منشورات المكتبة الشيعية. المسترشد - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) - الصفحة ٦٣٠. وأورد الحديث الحافظ أبو شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني المتوفي سنة ٥٠٩ في فردوس الاخبار ط بيروت ج ٢، ص ٣٠٥، الرقم: ٢٧٧٦. 
2 ـ مستدرك النوري الطبرسي ـ ج 11 ص 86 رقم الحديث 12481 .
3 ـ المصدر نفسه (باب تحريم قتال المسلمين على غير سنّة) ـ ج 11 ص 120 وما بعدها رقم الحديث 12588 .
4 ـ مستدرك النوري الطبرسي (باب حكم الأسارى في القتل ومن عجز منهم عن المشي) ـ المصدر السابق ـ ج11 ص50 رقم الحديث 12406 .
5 ـ القصة أخرجها نصر بن مزاحم الكوفي في كتابه «وقعة صفين» (ص406- 408)، ويزيدها بالأشعار لعمرو ثم معاوية. وفي لفظ البيهقي في [المحاسن والمساوي] 1 ص 38. وفي لفظ ابن قتيبة في " عيون الأخبار " 1 ص 169. 
6 ـ مستدرك النوري الطبرسي ـ المصدر السابق ـ ج11 ص78 . ووسائل الحر العاملي ـ المصدر السابق ـ ج15 ص91 . راجع أيضاً العلاقات الدولية في الإسلام لوهبة الزحيلي ـ المصدر السابق ـ ص 78 .
7 ـ اللمعة الدمشقية لمكي العاملي ـ المصدر السابق ـ ج 2 ص 402 .
8 ـ العلاقات الدولية في الإسلام للزحيلي ـ المصدر السابق ـ ص 78 .
9 ـ المبسوط ـ السرخسي الحنفي ـ ج 10 ص 64 .
10 ـ صحيح سنن الترمذي باختصار السند للألباني ـ المصدر السابق ـ ج 2 ص 110 .
11 ـ العلاقات الدولية في الشريعة للدكتور عباس شومان ـ المصدر السابق ـ ص 79 .
12 ـ العلاقات الدولية في الإسلام للزحيلي ـ المصدر السابق ـ ص 80 .
13 ـ القانون الدولي العام للدكتور أبو هيف ـ المصدر السابق ـ ص 818 .
14 ـ  (الإمامة والسياسة،  ابن قتيبة الدينوري (تحقيق الزيني)، ج1، ص101).