موسى بن جعفر حجة الله على خلقه، لكن الملك عقيم * جميل ظاهري

الاربعاء - 10/03/2021 - 09:50

 

الحديث عن الامام السابع من أئمة أهل البيت موسى بن جعفر الكاظم عليهم السلام أجمعين، هو حديث متعدد الجوانب، ومتشعب الأغراض, حيث خاض فيه الباحثون والكتاب كثيراً، فكانوا كمن يغترف غرفة من بحر، أو يحصي حبات الرمل في القفر، فمناقبه أجل من أن توصف أو تحصى، وقد اعترف بها القريب والبعيد، والموالي والمعادي، و سنقتصر في حديثنا هذا على سياسة السلطة العباسية القمعية التعسفية التي مارستها ضده، وما تعرض له من اضطهاد وظلم وسجن حتى استشهاده بالسم في سجن هارون العباسي.
قضى الامام موسى الكاظم عليه السلام الذي نعيش هذه الأيام ذكرى استشهاده الأليم، عمره الشريف في حركة العلم في جميع حاجات الناس آنذاك، واجه خلالها ايضاً التيارات المنحرفة التي حاولت أن تفرض نفسها على الواقع الاسلامي لتبتعد به عن خط الاسلام المحمدي الأصيل، فكان(ع) يبرز الرأي الصحيح في كل خلاف فكري على مستوى القضايا العقيدية والشرعية وكافة المفاهيم الاسلامية، وكان في كل مواقفه ناصحا للمسلمين في شؤونهم الخاصة والعامة وشتى مجالات حياتهم.
تزامنت مدة أمام الامام الكاظم (عليه السلام) مع فترة صعود الدولة العباسية وانطلاقتها.. فترة تتّسم بالقوة والعنفوان والصعوبة والقساوة جراء الممارسات الجائرة للسلطة وعلى رأسها المنصور العباسي الأمر الذي أوقع الشيعة في حال اضطراب ادعاء الامامة زوراً من قبل أحد أبناء الامام الصادق (ع) وهو "عبد الله الأفطح" وصار له أتباع عرفوا بـ"الفطحية"، كما كان هناك "الاسماعيلية" الذين اعتقدوا بإمامة إسماعيل الابن الأكبر للامام الصادق (ع) مع أنه توفي في حياة أبيه.. لكن هذه البلبلة ساعدت في الحفاظ على سلامة الامام موسى الكاظم (ع)، حيث اشتبه الأمر على الحكام العباسيين فلم يتمكنوا من تحديد إمام الشيعة ليضيقوا عليه أو يقتلوه.
عمل الامام الكاظم (ع) جاهداً على تصحيح المسار العقائدى للأمة عبر مناظرته للملحدين والمنحرفين ك"المجسمة" الذين يعتقدون ان الله عزوجل جسم و بقية الفرق المنحرفة في موضوع الامامة، وغيرها من الانحرافات التى خلقها بعض علماء السوء ووعاظ السلاطين مثل ـن "القرآن غير مخلوق".. كل ذلك بالدليل والمنطق ما أربك حكام بني العباس وعبثوا جاهدين على التخلص منه عبر اغتياله حيث تعرض سلام الله عليه لعدة محاولات قتل ودس السم من قبل أعتى الظلمة والجبابرة خلال حياته المليئة بالمتاعب والمصاعب والمصائب الجمة وهم: ابو جعفر المنصور الدوانيقي، ومحمد المهدي العباسي، وموسى الهادي العباسي واخيراً هارون الرشيد بعد أن دبرت أمه الخيزران مع يحيى البرمكى "رئيس وزراء هارون فيما بعد" عملية اغتيال موسى الهادى (أخو هارون) فاستولى هارون على الملك، وعاش كاقرانه السابقين في الفسق والفجور والظلم والجور لكنه ضرب الرقم القياسى فى قتل العلويين واستئصالهم فكان يوصى عماله بذلك بلاذنب أو خطأ بل لمجرد الحقد الدفين لأهل البيت (ع) وكان أول مافعله عندما استلم الملك بان امر باخراج جميع الطالبين من بغداد الى المدينة كرهاً لهم ومقتاً. 
استمرت المواجهة بين الامام الكاظم (ع) المعارض لسياسة هارون والمستهتر بأموال المسلمين ودمائهم، فكانت الحملات الاعلامية وفتاوى الامام (ع) لا تتوقف ضد الطاغوت وظلمه، فكثرت الوشاية عليه (ع) من بعض المرتزقة المتملقين لينتهي الأمر في آخر المطاف بسجن الامام الكاظم (ع) فى سجن البصرة لايفتح عليه الا للطهور وإدخال الطعام، فكان (ع) يحيى الليالى كلها بالذكر والعبادة، وبعد فترة طلب والي البصرة من هارون ان ينقل الامام (ع) الى بغداد وإلا أطلق سراحه لانه ما رآى من الامام إلا العبادة والبكاء، فحمل (ع) مقيداً بالحديد الى بغداد وأودع فى سجن "الفضل بن الربيع"، ولم يزل ينقل من سجن الى سجن طيلة 14 عاماً حتى انتهى به الأمر الى سجن "السندي بن شاهك" وكان أشد السجون عليه وأضيقها وأظلمها وكان "السندي" اللعين قد قيد الامام (ع) بالحديد وهو داخل السجن.
ثم بعث هارون رطباً مسموماً وأمر ان يقدم الى الامام (ع)، فقام "السندي" باجبار الامام الكاظم (ع) على الاكل من هذا الرطب، فأكل منه وبعد لحظات أخذ السم يجرى فى جسمه الشريف وهو يعانى أشد المعاناة من ألم السم فبقي متألماً ثلاثة أيام بعدها انتقل الى رحمة ربه، فالسلام والصلاة على سيدنا الامام الكاظم (ع) شهيد السجون، في 25 من شهر رجب سنة 183 هـ ودفن في مدينة الكاظمية المقدسة شمالي بغداد.
رغم أن الامام موسى بن جعفرعلية السلام لم يكن يعترف بشرعية خلافة هارون، إلاَّ أنه كان يلتقيه ويحاوره ويناظره، وكان هارون لا يملك إلا أن يعظمه، وهذا ما أشار إليه الحاكم العباسي "المأمون"، الذي قيل له: من أين تعلمت التشيّع؟ فقال: لقد تعلمته من أبي هارون، وذكر ما لقيه الامام الكاظم (ع) من تعظيم عند استقبال هارون له، ما أدى الى اعتراض المأمون على أبيه لجهله بالامام.
نقل "المأمون العباسي" كنت عند أبي "هارون" في احد الايام وتعجبت كثيراً من إكبار أبي لموسى بن جعفر وتقديره له. فقلت لأبي: يا "أمير المؤمنين"، من هذا الرجل الذي أعظمه وأجللته، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه؟ ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟
قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده فقلت: يا أمير المؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟
فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعاً، والله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم (كتاب - قادتنا كيف نعرفهم ج6، ص305، وعيون أخبار الرضا ج1ص91و93، وبحار الأنوار ج48 ص129ـ131، وكامل الزيارات باب 3 ص18، ومشارق أنوار اليقين ص94، وقادتنا كيف نعرفهم ج6، ص305).
** من وصايا الامام الكاظم عليه السلام وحكمه:
1- أوصى بعض ولده: يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها. وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها.
2- إياك الكسل والضجر فإنهما يمنعانك حظك من الدنيا والآخرة.
3- إعمل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان من أهله فقد أصبت موقعه، وإن لم يكن من أهله كنت من أهله.