مع اقتراب موعد كل انتخابات في العراق منذ عام الفين وثلاثة وحتى اليوم تظهر عشرات العناويين الحزبية الجديدة لخوض غمار المنافسة السياسية سواء كانت مستوى الدولة الاتحادية أو الحكومات المحلية. لكن اللافت في الامر أن اغلب هذه الاحزاب تختفي عن خارطة العمل السياسي مع إعلان النتائج الأولية لكل انتخابات وينصهر الفائز من عناصرها مع قوائم الأحزاب الرئيسية الماسكة لزمام السلطة اتحادية كانت أم محلية. وتنقسم هذه الاحزاب الى نوعين الاول يقوده سياسيون أو مسؤولون من أحزاب تشترك عمليا في الحكم. وهؤلاء هم في العادة شخصيات طموحة داخل أحزابها الأم ولم تنل فرصتها يدفع بهم من أجل تقديم برامج تتناغم واراء الشارع الناقم على السلطة ومن فيها أملا بالحصول على مقاعد اضافية باصوات من غير جمهورهم. وهذا النوع من العناويين الحركية ليس جديدا على الواقع السياسي في العراق، فهذه الاحزاب عندما كانت في المعارضة لجأت الى الاسلوب ذاته بهدف زيادة مقاعدها في المؤتمرات والمجالس واللجان التي كان يتم تشكيلها انذاك.
في الحقيقة أن هذا التوجه ربما نجح نوعا ما أيام المعارضة لكنه أخفق بشكل واضح في كسب جمهور جديد ومقاعد نيابية خلال السنوات الماضية.
والاصرار عليه حتى يومنا هذا يعكس حقيقة تفكير زعماء الاحزاب الحاكمة والتي ما تزال متمسكة بتقاليد بالية في العمل السياسي لا تتناسب والواقع المعاش وترفض الاقتناع بان قواعد اللعبة تغيرت. وبدلا من أن ينشغل قادة هذه الحركات بتقديم برامج للناخبين يجدوا أنفسهم محاصرين بمحددات صعبة التجاوز وبالتالي يقضون جل أوقاتهم بالتبرير لاثبات عدم تبعيتهم لهذا الحزب أو ذاك.
اما النوع الثاني من الاحزاب الراغبة بايجاد موطئ قدم لها في العملية السياسية عادة ما يقودها أشخاص حالمون وعادة ما يكون أغلبهم نتاج الوسط الاعلامي ويراهن على متابعيه في وسائل التواصل الاجتماعي، أو مسؤولون سابقون خدعتهم هيبة السلطة، أو رجال أعمال لديهم وفرة مالية، ولذلك فان رهاناتهم عادة ما تخفق حتى في الحصول على مقعد لرئيس الحزب.
وعلى الرغم من مرور نحو سبعة عشر عاما على التجربة الديموقراطية في العراق لم نر أحزابا جديدة تنافس الاحزاب التقليدية المساكة للسلطة باستثناء ثلاث حركات حققت نوعا من النجاح وإن كان ضئيلا ، وهي حراك الجيل الجديد في اقليم كردستان وارادة في الوسط والجنوب والوفاء في النجف. والغريب ايضا هو أن التيارات التي شكلت من شخصيات منشقة من أحزاب تقليدية لم تفلح في اخذ مكان لها في الوسط السياسي وسرعان ما تلاشت ومن ابرزها تيار الاصلاح الذي شكله رئيس الحكومة الاسبق ابراهيم الجعفري، وما يزال تيار النصر الذي شكله رئيس الحكومة الاسبق حيدر العبادي محل شك في امكانية صموده بعد انتخابات الفين وواحد وعشرين.
وفي المحافظات ذات الأغلبية السنية ماتزال السياسة تدار فيها من شخصيات تتمتع بثقل اجتماعي وعشائري او مالي ولم تتبلور فيها بعد كيانات سياسية مستقرة وذات ثقل شعبي.
اما على المستوى الوطني لم نر حتى الان تجربة او محاولة تستحق الذكر ويبدو أن الامر بعيد المنال في المدى المنظور . وهذا الامر ليس مستغربا نظرا للتراكمات التي خلفتها انظمة الحكم على مدى اكثر من قرن وطبيعة الصراع مابعد عام الفين وثلاثة.
وبما ان كل شي في العراق يحتاج الى تغيير جذري فان العمل الحزبي يجب أن يتصدر الاولويات لدى النخب الثقافية والاجتماعية لان نجاح تشكيل احزاب على أسس صحيحة سيسهم وبلا شك في اعادة صياغة المشهد السياسي على نحو إيجابي وسيعزز من النظام الديمقراطي ويقلل من ظاهرة الزعيم الأوحد والقائد الفذ وسيمنح الجيل الصاعد الشعور بوجوده كعنصر فعال في مجتمعه.
العمل الحزبي في العراق يحتاج الى مقومات حديثة اولها اشراك المواطن العادي بشكل حقيقي في اختيار قيادات الاحزاب والتيارات الراغبة بالعمل السياسي، وثانيها هو تقديم برامج واقعية قابلة للتنفيذ لا وعود خيالية تقود في النهاية الى الاحباط والفشل.
الحزب الجديد هو كالمولود الجديد لايمكنه أن ينتج ويقدم لمجتمعه قبل أن يكبر بصورة طبيعية وصحية وبالتالي فان تشكيل احزاب جديدة قبيل الانتخابات باشهر لم ينجح ولن يقدم جديدا للعملية السياسية سوى عرقلتها وتشتيت اصوات الناخبين، وتكون النتيجة حكومة ضعيفة غير قادرة على الحركة وهذا ما اثبتته السنوات والتجارب السابقة.
ولا أريد التشكيك بقدرة ونوايا من شكلوا احزابا جديدة ولكن اذا ما ارادوا النجاح في مشاريعهم السياسية يجب أن يطلقوها عقب الانتخابات مباشرة لكي يحصلوا على متسع من الوقت لقراءة الواقع بدقة وتقديم برامج قابلة للتطبيق تقنع الناخب بالتصويت لهم وبعيدا عن مؤثرات الدعم الاقليمي والدولي.