الإسلام دين السماحة..والنبي محمد مبعوث الرحمة والإنسانية / 5 بقلم : عبود مزهر الكرخي

السبت - 27/02/2021 - 22:54


لو استقرينا الدين الإسلامي ومن خلال طروحاته لوجدناه دين واقعي يلم بجميع الأحداث وهو يتماشى مع كل الأزمنة والأوقات وليس كما يدعي البعض من القصيرى النظرة والمنغلقين انه دين منغلق وهو جاء في فترة معينة وفي زمن معين ولا يصلح  للزمن الحالي وقد أثبتت الأحداث بطلان هذا المفهوم وعدم واقعيته وتفنيده من خلال شواهد كثيرة والتاريخ والواقع اثبت ذلك وبتجرد موضوعي ومن قبل الأعداء قبل الأصدقاء، ولهذا فلا ولا يذهب في تشريعاته مع الخيال أو المثالية غير القابلة للتحقيق, وقد كان من الطبيعي تعامله مع الأسرى والتي هي واقع يفرض نفسه على مجريات الحياة.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل هذه القضية المهمة والمفصلية وان لا يتم التعامل معها عاطفياً والتعامل معها بحلول عاطفية وغير واقعية. لذلك كان من أحد الحلول هو الاحتفاظ بالأسرى في بعض  الظروف عندما يكون العدو قد أسر عدد من المسلمين والمنطق كان يفرض التبادل بأمثالهم كما يحصل  في وقتنا الحاضر وبموجب اتفاقيات جنيف وتبادل الأسرى. وليس كما يفعل في الجاهلية في تبني مفهوم السبي وتجارة العبيد وبيعهم كعبيد وجواري والتي يرفضها المفهوم الإسلامي والنبي محمد(ص) جملة وتفصيلاً والتي ذكرنا في جزئنا السابقة هذه القاعدة في الآية الكريمة والتي تقول  {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(1).
ولهذا السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف كان رسول الله يُعامل الأسرى في حال الاحتفاظ بهم؟ لقد كانت القاعدة العامة التي حَثَّ عليها الرسول في أوّل غزوة غنم فيها المسلمون أسرى هي: { استوصُوا بهم (أي بالأسرى)خيرًا }(2). لكن المهم في الأمر أن هذه المعاملة الحسنة التي أمر بها رسول الله للأسرى لم تكن مجرّد قوانين نظرية ليس لها تطبيق في واقع الحياة, ولكنَّها تمثّلت في مجموعة من المظاهر التي تُنبئ عن قلوب ملأتها الرحمة, وعن مشاعر فاضت بالعطف والحنان, وسوف نتناول إن شاء الله هذه المظاهر من خلال النقاط الآتية: إطعام الأسرى : قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }(3).
في هذه الآية الكريمة من الدستور الإسلامي القرآن الكريم يحثُّ الله تعالى عباده المؤمنين على الإحسان إلى أسراهم وإطعامهم, ويعِدُهم بذلك النعيمَ في الآخرة.
قال ابن عباس: أمر رسول الله  أصحابه يوم بدر أن يُكرموا الأُسَارى, فكانوا يُقَدِّمُونهم على أنفسهم عند الغداء, وهكذا قال سعيد بن جبير, وعطاء, والحسن, وقتادة(4).
وورد أيضًا أن رسول الله أمر لأسرى هوازن بالكساء فقد أمر رجلاً أن يَقْدُمَ مكة فيشتري للسبي -الأسرى- ثياب المُعَقَّد(5), فلا يخرج الحرُّ منهم إلا كاسيًا(6).
ولعلّ القصّة التالية تكون خاتمة جميلة لهذا المقال " حيث تظهر فيها رحمة الرسول في أبهى صورها, فقد أتى أبو أُسَيْدٍ الأنصاري بسبي من البحرين فَصُفُّوا, فقام رسول الله, فنظر إليهم؛ فإذا امرأة تبكي؛ فقال: «ما يُبْكِيكَ؟» فقالت: بِيعَ ابني في بني عبس؛ فقال رسول الله لأبي أسيد: «لَتَرْكَبَنَّ فَلَتَجِيئَنَّ به», فركب أبو أسيد فجاء به! لقد رَقَّ قلب رسول الله للمرأة الأسيرة فأرسل أحد جنوده إلى بلد بعيد ليأتي لها بابنها, حتى يهدأ بالها, وتجفّ دموعها! (7).
وهنا السؤال الذي يبرز والذي يخطر في بالنا من خلال هذه القصة : هل يوجد قائد عسكري في العالم وهو منتصر ليشغل باله وجنوده بامرأة أسيرة وبسيطة وحتى  لا يعرفها؟!!! والإجابة المنطقية للجميع أن ذلك لا يكون!! إلا أذا كان القائد هو نبي الرحمة والإنسانية محمد(ص) وصدق الله العلي حينما يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(8).
ولهذا لم يكن أحاديث الرسول(ص)عن العفو عن الأسرى حديثاً خيالياً والمن عليهم واعتباره من الفضول التي يقدمها ديننا الحنيف لكي يجمل صورة الإسلام، بل هو كان أمراً واقعياً ومواقف جماعية يعجز اللسان عن وصفها واستيعاب عظمة المواقف السامية لرسول الإنسانية والرحمة محمد(روحي له الفداء)واعظم ما فيها أنها لم تكون مواقف عابرة يفرضها الوقت والزمان أو تمت تحت ظروف معينة. بل كانت منهجاً ثابتاً وسنة خالدة، وتشريع خالد مع مرور الزمان استحال الزمان أن يجود به الزمان في الأولين والآخرين.
من الأمثلة التي تُظهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وعفوه عن أسرى أعدائه ما كان في أسيرا سرية نخلة
فقد أَسَرَ المسلمون في هذه السرية –وكانت في رجب من السنة الثانية من الهجرة- اثنين من المشركين هما أول أسيرين في الإسلام؛ الحَكَم بن كيسان وعثمان بن عبد الله، فأما الأول (وحكم بن كيسان) فنظرًا لما وَجَدَهُ من المعاملة الكريمة فإنّه أَسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُه، وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استُشهِدَ يوم بئر معونة في السنة الرابعة للهجرة، وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافرًا..(9) ولابأس هذه المحادثة التي جرت اثناء جلب الاسير الحكم بن كيسان الى رسول الله وهي : فقدمنا به على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يدعوه إلى الإسلام ، فأطال رسول الله كلامه .
فقال عمر بن الخطاب : تكلم هذا يا رسول الله ؟ والله لا يسلم هذا آخر الأبد ! دعني اضرب عنقه ، ويقدم الى أمه الهاوية . ! فجعل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يقبل على عمر .
قال الحكم : وما الإسلام ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : تعبد الله وحده لا شريك له ، وتشهد أن محمداً عبد ورسوله .
قال : قد أسلمت .
فالتفت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أصحابه ، فقال : لو أطعتكم فيه آنفاً فقتلته . دخل النار .
قال عمر : فما هو إلا أن رأيته قد أسلم ، وأخذني ما تقدم وتأخر وقلت : كيف أرد على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمراً هو أعلم به مني ، ثم أقول : إنما أردت بذلك النصيحة لله ولرسوله. ومن هنا الرحمة لنبي الرحمة محمد والبصيرة النافذة لرسول الإنسانية الرحمة محمد(ص)(10).  ولابد من الإشارة أن وكان المقداد رضي‌الله‌عنه هو الذي قد أسر الحكم بن كيسان ، وأنقذه من القتل ، وذلك كما يحدثنا هو فيقول :أراد أمير الجيش أن يضرب عنقه ، فقلت : دعه نقدم به على رسول الله. والمعلوم ان المقداد هو من الصحابة المخلصين لأمير المؤمنين(ع)والذين تربوا في المدرسة العلوية والتي استمدت افكارها من الرسالة المحمدية ومن الرسول الأعظم محمد(ص).
" ومع أنّ هذين هما أوَّل أسيرين يظفر المسلمون بهما بعد طول العناء والتعذيب من مشركي مكة الذين ينتسب لهم هذان الأسيران؛ إلا أن ذلك لم يكن دافعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسَّهما بأذى، بل على العكس كان الإكرام والصفح عنهما.
وهذا الموقف له دِلالات كبيرةٌ جداً، حيث إنّه وضَّح من البداية سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الأسرى، ومع أنّ هذا كان من الممكن أن يُطمع فيه المشركون إلا أنَّها سياسة الرحمة التي لا بديل عنها في الرؤية النبوية، وقد ازداد هذا المعنى رسوخًا عندما رأينا رؤيته للتعامل مع أسرى بدر بعد أقلّ من شهرين من سريّة نخلة(11).
وفي جزئنا القادم سنسلط الضوء على الأفاضات الإلهية للرحمة المحمدية  ومن خلال الحوادث المذكورة في التاريخ ان شاء الله ان كان لنا في العمر بقية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [الأنفال : 67].
2 ـ  أخرجه الطبراني في (الكبير [977]), وفي (الصغير [409]), وقال الهيثمي في (المجمع: إسناده حسن من حديث أبي عزيز بن عمير [10007]).
3 ـ [الإنسان:8].
4 ـ ابن كثير (تفسير القرآن العظيم [4/584]).
5 ـ  ثياب المعقد: المُعَقَّدُ: ضَرْبٌ من بُرُودِ هَجَرَ. انظر (تاج العروس [1/2130]). 
6 ـ البيهقي: (دلائل النبوة [5/264]).
7 ـ الحاكم [6193], وقال: هذا حديث صحيح الإسناد, ولم يخرَّجاه, ورواه سعيد بن منصور في سننه [2654].
8 ـ [الأنبياء:107].
9 ـ ابن كثير: السيرة النبوية 2/366 بتصرف. 
10 ـ المغازي : 15. كتاب(لمقداد ابن الأسود الكندي أوّل فارس في الإسلام)الشيخ محمد جواد الفقيه. ص62. مؤسسة الاعلمي للمطبوعات. منشورات مكتبة رافد.
11 ـ من مقال بعنوان(مبدأ العَفْو عن الأسرى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - أسيرشلاشا سريّة نخلة). تحت قسم : الرحمة فى حياة الرسول _ د/ راغب السيرجاني. موقع رسول الله. منشور بتاريخ 9/6/2012. الرابط : 
‏https://rasoulallah.net/ar/articles/article/14774/