وريثة الزهراء لبعلها وابن عم البتول الإمام علي بن ابي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) .
إنها فاطمة الكلابية والدها هو حزام بن خالد بن ربيعة بن وحيد بن كعب بن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن.
تجمعت في أجدادها الصفات الحميدة فكانوا فرسان العرب في الجاهلية ، ولهم الذكريات المجيدة في المغازي بالفروسية والبسالة مع الزعامة والسؤدد ، حتى أذعن لهم الملوك ، وهم الذين عناهم عقيل بن أبي طالب بقوله : ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس .
ومن الأسباب التي دعت أمير المؤمنين أن يذهب إلى أخيه عقيلا ـ وكان نسابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم ,فقال له :
أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب ، من ذوي البيوت والنسب والحسب والشجاعة ؛ لكي أصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً ، ينصر ولدي هذا ، وأشار إلى الحسين عليه السلام يواسيه في طف كربلاء.
وبعد أن ذهب عقيلا ليخطبها من ابيها وشعر الأب بأنّ الشرف ألقى كلاكله عليه إذْ يصاهر ابنَ عمّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ومَنْ يُنكر علياً وفضائله، وهو الذي طبّق الآفاق بالمناقب الفريدة.
وكأنّ حزاماً تمهّل قليلاً وهو لا يرى امرأةً تليقُ بأمير المؤمنين (عليه السّلام)، فذهب إلى زوجته يشاورها في شأن الخِطبة، فرأى ابنته بين يديها وهي تقصّ عليها رؤياها.. فاستمع إليها دونَ أن تراه وهي تقول: كأنّي جالسة في روضة ذات أشجار مثمرة، وأنهار جارية، وكانت السماء صاحية والقمرُ مشرقاً والنجوم طالعة، وأنا أفكّر في عظمة الله من سماءٍ مرفوعةٍ بغير عمد، وقمرٍ منير وكواكب زاهرة، وإذا بي أرى كأنّ القمر قد انقضّ من كبد السماء ووقع في حِجري وهو يتلألأ نوراً يَغشى الأبصار، فعجبتُ من ذلك، وإذا بثلاثة نجوم زواهر قد وقعن في حجري، وقد أغشى نورُهنّ بصري، فتحيّرتُ في أمري ممّا رأيت، وإذا بهاتفٍ قد هتف بي، أسمعُ منه الصوت ولا أرى شخصه، وهو يقول:
بـُشراكِ فـاطمـة بـالسادةِ الغُررِ ثلاثةٍ أنـجمٍ والـزاهـرِ الـقمـرِ
أبـوهـمُ سيّدٌ في الخلْق قـاطبـةً بعد الرسول كذا، قد جاء في الخبرِ
فقالت لها أمها (تمامة بن سهل بن عامر) : يا بنية ؛ إن صدقت رؤياك ، فانك تتزوجين برجل جليل القدر ، رفيع الشأن ، عظيم المنزلة عند الله ، مطاع في عشيرته ، وترزقين منه أربعة أولاد ، يكون أولهم وجهه كأنّه القمر ، وثلاثة كالنجوم الزواهر.
فلما سمع حزام ذلك أقبل عليهما وهو مبتسم ويقول :
هذا عقيل بن أبي طالب جاء يخطب ابنتك للإمام علي عليه السلام وقد استمهلته حتى أسألك عن ابنتك ؛ هل تجدين فيها كفاءة بأن تكون زوجة لأمير المؤمنين عليه السلام؟
واعلمي أن بيته بيت الوحي والنبوة ، والعلم والآداب والحكمة ، فان تجديها أهلاً لأن تكون خادمة في هذا البيت وإلّا فلا.
فقالت زوجته ذات القلب المفعم بالولاء للإمامة :
يا حزام إنّي ـ والله ـ ربيتها وأحسنت تربيتها ، وأرجو الله العلي القدير أن يسعد جدّها ، وأن تكون صالحة لخدمة سيدي ومولاي أمير المؤمنين عليه السلام ، فزوجها به .
فأقبل حزام على ابنته يهنئها ويشركها في فرحته :
يهنيك فاطمة بالفارس البطل
نعم القرين أمير المؤمنين علي
من للأنام إمام حجة وولي
للمؤمنين أمير والغدير جلي
فعاد حزام يبشّر نفسه وعقيلاً وقد غمره السرور وخفّت به البشارة.
وهنا يتضح السبب الثاني ولاء والديها إلى أهل البيت (عليهم السلام).
لقد أقسمت أم البنين عليها السلام أنها ستكون كالأم الرؤوم للحسنين عليهما السلام ، فدخلت إلى بيت العصمة تحمل معها عالماً من المحبة والمودة والحنان.
وفي أول زواجها أظهرت طاعتها ومحبتها لحجج الله سبحانه وتعالى من أهل بيت محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وهي ترى ذلك واجباً دينياً لأن الله أمر بمودتهما في كتابه الكريم فقال تعالى : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) .
و هذا الذي دعا تلك السيدة الجليلة ان تنازلت وطالبت عدم ندائها باسمها (فاطمة ) مخافة أن يتذكر أبناء السيدة الزهراء (عليها السلام) أمهما ، فيتجدد لهما حزنهما ، ويعود عليهم مصابهم ,فكان امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام ) يناديها بكنيتها (ام البنين ).
والأصل في هذه الكنية أنّ العرب تكني بها المرأة التي تلد ثلاثة أولاد فما فوق ، وقد يكنى بعضهم ابنته ، وهي في الطفولة ، بهذه الكنية مجازاً على سبيل التفاؤل لهن بالبنين ، كما كانوا يكنونهن بأمثال ذلك «كأم الخير» و «أم الكرام».
وقد تغلب الكنية حتى ينسى الاسم تماماً ، كما حدث «لأم أيمن» و «أم سلمة» وكذلك حدث «لأم البنين», علما انها طلبت ذك في بداية زواجها أي انها بعد لم تحبل او تنجب .
إن السيدة أم البنين كانت تقدّم أبناء الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام على أبنائها وهي التي علمتهم أن لا سواء بينكم وبين الحسن والحسين وزينب ، فموتوا دونهم ، ولا تقولوا أن أبانا أمير المؤمنين عليه السلام ... وقدمتهم بكلّ سخاء لتنال بذلك رضا الله ورضا نبيه ، وتكون مبيضة الوجه غداً يوم القيامة بين يدي فاطمة الزهراء عليها السلام ...
أما تاريخ وفاتها ,فأكتشف السيد مهدي السويج الخطيب في كتابه (أم البنين سيدة نساء العرب , صفحة 84) تلك الروايات في الكتب التالية :
ــ «كنز المطالب» تأليف العلامة السيد محمد باقر القرباغي الهمداني رحمه الله ، فاليك نصّ ما جاء فيه بهذا الخصوص :
«قال المصنف ـ رفع الله شأنه ـ : وكان مدار حديث الكساء المبارك بيت فاطمة الزهراء عليها السلام ، وكانت وفاتها في الثالث من جمادى الثاني ، وقد خلفتها في تربية الحسنين عليهما السلام أمامه بنت أختها ، ثم فاطمة أم البنين الكلابية ، وقد توفيت بعد مقتل الحسين (عليه السلام) ودفنت بالبقيع بالقرب من فاطمة الزهراء.
ففي الاختيارات عن الأعمش قال : دخلت على الإمام زين العابدين عليه السلام في الثالث عشر من جمادى الثاني ، وكان يوم جمعة ، فدخل الفضل بن العباس عليه السلام ، وهو باك حزين ، وهو يقول :
لقد ماتت جدتي أم البنين ، فانظر بالله عليك إلى هذا الدهر الخؤون كيف فجع أهل الكساء مرتين في شهر واحد فلا حول ولا قوة إلّا بالله ...».
ثم عثرت بعد ذلك بمدة على خبر آخر في هامش « وقائع الشهور والأيام » للبيرجندي ونصه ما يلي :
«وفيه ـ يقصد الثالث عشر من جمادى الثاني ـ توفيت أم البنين الكلابية سنة (64 هـ) عن الأعمش».
وعليه فإنْ تلك المصادر في تاريخ وفاة أم البنين أحدهما يذكر اليوم والآخر ذكر السنة التي توفيت فيها ملتحقة بالرفيق الأعلى.
وكان دورها بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) دورا اعلامياً فعالاً مع بكائها وندبتها ,فكانت بشاعريتها ولسانها الفصيح تجاهد ضد بني أمية وتفضح أفعالهم الشنيعة في قتل سيد الشهداء .
ويذكر لنا التاريخ ان بني امية كانوا يستهدفون من يعاديهم ولو بلسان , فيسقونه السم ,ففي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام ) قاموا بدس السم إلى مالك الاشتر في العسل .
وبعدها دس السم للإمام الحسن (عليه السلام) .
والسيدة أم البنين (سلام الله عليها ) من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت مخلصة في ولائهم ممحضة في مودتهم ولها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرفيع وقد زارتها السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)بعد وصولها المدينة المنورة تعزيها بأولادها الأربعة كما كانت تزورها أيام العيد.
وكان موقفها في استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) موقفاً نادراً ومشرفاً ورائعاُ حينما يدخل الناعي المدينة وهو (بشر بن حذلم) ويصيح: (يا أهل يثرب لا مقام لكم.. الخ) يخرج رجال ونساء المدينة ليتلقوا الخبر ومن بينهم أم البنين (عليها السلام) خرجت لتسأل الناعي ما الخبر؟ فأفادها بما جرى. فقالت: يا بشر أسألك بالله هل الحسين حي أم لا؟ فتعجب بشر من سؤالها، فسأل بشر رجلا وقف إلى جنبه: من هذه المرأة المفجوعة، قال: هذه أم البنين، أم العباس وأخوته.
فأراد بشر أن يخبرها بشهادتهم واحدا بعد الآخر لتخفيف الألم عنها، فقال لها: عظم الله لك الأجر بولدك جعفر قالت وهل سمعتني اسألك عن جعفر، فقال لها عظم الله لك الأجر بولدك عبد الله، قالت أخبرني عن الحسين، فقال عظم الله لك الأجر بعثمان وأبي الفضل العباس قالت ويحك لقد قطعت نياط قلبي، أخبرني عن الحسين، أهو حي أم لا؟ فقال لها بشر: يا ام البنين عظم الله لك الأجر بأبي عبد الله الحسين، فما إنْ سمعت بالخبر، صرخت مولولة ورجعت إلى دار بني هاشم منادية:
لا تزار الدار الا بأهلها
على الدار من بعد الحسين سلام
فلقد هان خبر مقتل أولادها أمام مقتل الحسين ابن فاطمة وهذا الموقف يكشف عن عمق ولائها ومودتها لآل الرسول ومدى الوفاء للزهراء البتول.
وامتدادا لهذا الموقف نصبت مأتم عزاء على الحسين وآله وجعلت هذا العزاء والمأتم صرخة فجرت من خلاله كيان يزيد، حيث كان واليه على المدينة آنذاك (عمر بن سعيد) يكتب للطاغية ما سببت أم البنين له من ازعاج وكانت العقيلة زينب (عليها السلام ) شاطرتها بالمصاب أيضا حتى أمر يزيد بإخراجها من المدينة فالتزمت الشام.
وكانت العقيلة زينب أيضا تزور أم البنين في دارها لتشاطرها المصاب على أولادها، وهذا دليل على عظمة مقامها وشأنها. وذكر المؤرخون بأن أم البنين بعد الفاجعة بفقدان الحسين وأولادها الأربعة، خطت خمسة قبور (من باب الرمز) في مقبرة البقيع، تبكي عليهم واستمرت لوعتها وأحزانها حتى وفاتها .
هذا ما يدعوننا إلى القول بأن بني أمية وأعوانهم من النساء قد وضعوا السم للسيدة أم البنين .
فالسَّلامُ عَلَيكِ يَازَوجَةَ وَصِيِّ رَسَولِ الله، السَّلامُ عَلَيكِ يَا عَزِيزَةَ الزَّهرَاءِ عَلَيهَا السَّلام، السَّلامُ عَلَيكِ يَا أُمَّ البُدُورِ السَّوَاطِع فَاطِمَةَ بِنت حزَام الكلابيّة، المُلَقَّبةُ بِأُمّ البَنِين وَبَاب الحَوَائِج، أُشهِدُ اللهَ وَرَسُولهُ أَنَّكِ جَاهَدتِ في سَبِيلِ اللهِ، إِذ ضَحّيتِ بِأَولَادَكِ دُونَ الحُسَين بنَ بِنتِ رَسُولِ الله، وَعَبَدتِ اللهَ مُخلِصَةً لَهُ الدِّين بِولائكِ لِلأَئِمَّةِ المَعصُومِين عَلَيهمُ السَّلام، وَصَبَرتِ عَلَى تِلكَ الرَزيَّةِ العَظِيمَةِ، وَاحتَسَبتِ ذَلِكَ عِندَ الله رَبّ العَالَمين، وَآزَرتِ الإمَامَ عَليَّاً في المِحَنِ وَالشَّدَائِدِ وَالمَصَائِب، وَكُنتِ في قِمَّةِ الطَّاعَةِ وَالوَفَاء، وَأنَّكِ أَحسَنتِ الكَفَالَة وَأَدَّيتِ الأَمَانَة الكُبرى في حِفظِ وَديعَتَي الزَّهرَاء البَتُول الحَسَنِ وَالحُسَينِ وَبَالَغتِ وَآثَرتِ وَرَعَيتِ حُجَجَ اللهِ المَيَامِين، وَرَغبتِ في صِلَةِ أَبنَاء رَسُولِ رَبِّ العَالَمين، عَارِفَةً بِحَقِّهِم، مُؤمِنَةً بِصِدقِهِم، مُشفِقَةً عَلَيهِم، مُؤثِرَةً هَوَاهُم وَحُبَّهُم عَلَى أَولَادكِ السُّعَدَاء، فَسَلامُ اللهِ عَلَيكِ يَا سَيِّدَتي يَا أُمَّ البَنِين مَا دَجَى الَّليلُ وَغَسَق، وَأَضَاءَ النَّهَارُ وَأَشرَق، وَسَقَاكِ الله مِن رَحِيقٍ مَختُومٍ، يَومَ لايَنفَعُ مَالٌ وَلابَنُون، فَصِرتِ قدوَةً لِلمُؤمِنَاتِ الصَّالِحَاتِ، لأَنَّكِ كَرِيمَة الخَلائِق، عَالِمَةً مُعَلَّمَةً، نَقيَّةً زَكِيَّةً، فَرَضِيَ اللهُ عَنكِ وَأَرضَاكِ، وَلَقَد أَعطَاكِ اللهُ مِن الكَرَامَات البَاهِرَات، حَتَّى أَصبَحتِ بِطَاعَتكِ لله وَلِوَصيِّ الأَوصِيَاء وَحُبّك لِسَيِّدَة النِّسَاء الزَّهرَاءِ، وَفِدَائكِ أَولادكِ الأَربَعَة لِسَيِّدِ الشُّهَدَاء بَابَاً لِلحَوَائِج، فاشفَعِي لِي عِندَ الله بِغُفرَانِ ذُنُوبِي وَكَشفِ ضُرِّي وَقَضَاءِ حَوَائِجِي، فَإنَّ لَكِ عِندَ اللهِ شَأنَاً وَجَاهَاً مَحمُودَاً، وَالسَّلامُ عَلَى أَولَادكِ الشُّهَدَاء، العَبَّاس قَمَرُ بَنِي هَاشِم وبَاب الحَوَائِج، وَعَبد الله وَعُثمَان وَجَعفَر، الَّذِينَ استُشهِدُوا في نُصرَةِ الحُسَينِ بِكَربَلاء، وَالسَّلامُ عَلَى ابنَتكِ الدُّرَّة الزَّاهِرَة الطَّاهِرَة الرَّضيَّة خَدِيجَة، فَجَزَاكِ اللهُ وَجزَاهُم الله جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فيهَا، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.