لاشك ولا ريب أن وحدة الذوق والمشاعر مقدمه ضروريه لوحدة أي تجمع أنساني وأنسجامه , وهذا المبدأ يسري من علاقة الصداقه بين أثنين , الى الزوجين الذين تتسم حياتهم بالتقارب الذوقي والنفسي, حيث يُكتب لحياتهم النجاح وأستمرار الحياة الزوجيه الناجحه والمستقره , ويمتد ذلك الى أعضاء الحزب الواحد , والفريق الرياضي الواحد ومجموعة العمل الواحده , أمتداداً الى الشعب الواحد . أن كل كيان من الكيانات المذكوره وغيرها من الكيانات يعتمد وجودها وقوتها وأستمرارها على ما يشترك فيها أعضاءها من مشتركات ذوقيه ونفسيه , وعلى ما تشترك فيه من هدف موحد , حتى هذا الهدف مهما كان مهم فمن الممكن التضحيه فيه وأهماله أذا لم تتوفر بين أعضاء تجمع ما الذوق المشترك , وقد لمسنا الكثير من حالات طلاق وأختفاء شركات , وأنزواء أحزاب , وحتى تفتيت دول بسبب عدم الأنسجام النفسي بين مكوناتها , وبلدنا واحد من هذه البلدان المهدده بالأنقسام بسبب تباين الحاله المزاجيه لمكوناته , الذين ينتمون الى ثقافات مختلفه ساهمت في تباين أمزجتهم وأذواقهم , والتي ساهمت بتسلل الأختلافات بينهم على أبسط الأمور , وغذت الصراعات البينيه بينهم حتى وصل الى قتل بعضهم لأتفه الأسباب , والتي ليس لها من مبرر عقلي , وأنما هناك بواعث نفسيه ساهمت في تعكير أمزجتهم , والتي ساهمت بشحذ دوافع العنف بينهم. هذه الظاهره قد لا يلتفت أليها الكثير , والسبب لأنها ظاهره غير محسوسه , وغالباً ما يدعي المختلفون أن هناك بواعث وأسباب أخرى يعللون بها أختلافاتهم في حين أن السبب الحقيقي هو سبب مزاجي , والذي يساهم في تشكيله الكثير من الأسباب والتي منها ما هو بيئي , وآخر قيمي وأجتماعي وثقافي ., كل هذه العوامل تساهم بتشكيل مزاجاً فردياً أو جماعياً خاصاً يفصله عن الأفراد والجماعات الأخرى مما يشكل خطاً فاصلاً بينهم , ويبلور خصائص وميزات تميزهم عن بعضهم , وهذه ظاهره لا تختص بمنطقه دون أخرى , وأنما هي ظاهره عالميه , لذلك تعمل الدول جاهده الى تبني مشاريع ثقافيه تقرب من خلالها أفراد الشعب الواحد من خلال تربيتهم على تبني قيم واحده , وثقافه واحده , وحتى متبنيات وطنيه واحده أملاً في بناء نفسي متقارب ومنسجم بأعتبار الوحده النفسيه مقدمه ضروريه لوحدة التراب والمجتمع والدوله , وتساهم في بناء شعور وطني واحد يقوم على حب الوطن والأستعداد للتضحيه من أجله , والعكس هو الحروب الأهليه التي تنتهي بالموت والدمار وأنهيار الدول وتمزقها , ومثال ذلك دولة يوغسلافيا التي دخلت بحرب أهليه بتسعينيات القرن الماضي والتي أنتهت بالتقسيم الى خمس دول , والسبب في ذلك هو عدم الأنسجام القومي والثقافي وبالتالي المزاجي بين مكونات دولة جمهورية يوغسلافيا.
لقد ألتفت أعداء الشعب العراقي , بل وأعداء العرب والمسلمين الى أهمية أثر العامل الذوقي والنفسي على وحدتهم , وما تشكله من أثر كبير على درجة أنسجامهم وتوافقهم , لذلك عمل أعلامهم على شن حروب الجيل الخامس الذي أتخذ من الأعلام منصه له لأطلاق مدافع أعلامه المضاد القائم على أحياء وأصطناع أحداث تاريخيه تحي الخلافات الطائفيه والقوميه, كذلك يسعون الى نبش وأحياء القيم القوميه المختلفه بين أفراد الشعب الواحد , وهذا ما نشاهده ونسمعه من أحياء للفينيقيه والأمازيغيه والعروبيه والكرديه والنوبيه , والعمل جاري على قدم وساق على أحياء الهويات الفرعيه وحتى الحضارات البائده والمنقرضه كالبابليه والسومريه وغيرها الكثير.
من الملاحظ لكل متتبع لما يجري في بلداننا العربيه والأسلاميه عامه وبلدنا العراق خاصه , سيلاحظ أن هناك حروب تعرف بحروب الجيل الرابع والخامس , وهي حروب تستخدم فيها العلوم النفسيه بأدوات أعلاميه . هذه الحروب تستخدم فيها علوم التاريخ والأجتماع وعلم النفس بتقنيه أعلاميه عاليه المستوى , خلاصتها هو التأثير على القدره المزاجيه والنفسيه للفرد في محاوله لتغير الأتجاهات والقناعات وبالتالي التأثير على توجه الفرد وأهتماماته , وبالتالي على أولوياته في حياته اليوميه , هادفين في ذلك الى خلق فجوات نفسيه وذوقيه بين أفراد الشعب الواحد تكون الأساس في تعكير صفو العلاقات الأجتماعيه بينهم وبالتالي تؤدي بالنتيجه الى التباعد النفسي , والذي يلغي أي حاله من الأنسجام والتعاون بينهم, كما يزرع حاله من عدم الأرتياح المزاجي والذي يمهد الأرضيه لأشعال الصراع بينهم مهما كانت الأسباب بسيطه وتافهه , والدافع هو ما يحملونه من شحن نفسي غاضب أتجاه بعضهم لا يهفت الا بالأنتقام المتبادل .
من المهم أن نُشير الى عاملين مهمين أشتغلت الدوائر الغربيه الخاصه عليها وبشتى الطرق والأساليب , الا وهو أولاً ؛ التركيز على الخلافات التاريخيه الحقيقيه منها والمزعومه , في محاوله لدفعها الى السطح , وتفعيلها وأشعال فتيلها عن طريق العمل على أنتاج أصدارات كثيفه من الكتب والنشرات التي تنشر الأفكار التي تحرك المشاعر المتناقضه على الشخصيات المختلف عليها تاريخياً . كذلك أثارت الأختلافات اللغويه والقوميه وأعادة أنتاج للثقافات القديمه والأدعاء بالرجوع للجذور الحضاريه في محاوله لأحيائها لكي ترسم خط فاصل بين الأفراد والجماعات تحت هكذا مبررات , كما يعملوا على بث الروح بنماذج حضاريه وسلطويه عفى عليها الزمن بدعوى الأصاله والتفرد , لكي يرسموا خطوط جغرافيه جديده تكون سبب للتنازع , وعادتاً يُصنع لهكذا مشاريع أناس مأزومون ويعانون من أعتلال نفسي ومزاجي منحرفين , ويتصفون بالجهل والتعصب , وهذا ما لمسناه بصناعة أرهابيين من أمثال أسامه بن لادن , والزرقاوي , وشاكر أوهيب والبغدادي وزهران علوش وغيرهم الكثير , وهي شخصيات معتله نفسياً , ولها تاريخ منحرف , فقد حول الأعلام الأمريكي والخليجي هؤلاء الرجال الى أبطال أسطوريين , ووفروا لهم ثروات ماليه خرافيه لتنفيذ أجندتهم وجمع الأتباع حولهم بسرعه قياسيه, وحرب داعش بالعراق وسوريا وليبيا وأفغانستان خير شاهد على هذا اللون من الأجنده المشبوه . كما أن هناك بعداً أخر بدأ العمل فيه في السنوات الأخيره , الا وهو العمل على الغزو الثقافي في محاوله خطيره لتخريب البنيه الأجتماعيه والعقائديه للمجتمعات الأسلاميه عامه والعراقي خاصه , وهي من أخطر الحروب التي تتعرض لها مجتمعاتنا والتي تهدد وجودها بشكل خطير , وهذا النوع من الحروب يتوجه الى تغير قناعات الفرد الفكريه عبر أثارت الشبهات في عقيدته الدينيه والوطنيه , ومحاولة أثارة الشك في منظومته القيميه في محاوله لتشويهها والحط من قيمتها المعنويه لتكون مقدمه لرفضها والتبرء منها , وأستبدالها بقيم القوه الأكثر سلطه ونفوذ . كما أن الأعلام يعمل وبكل جد وأجتهاد على تعزيز القيم الفرديه , القائمه على الأستهلاك , وذلك لتعزيز الجانب الأناني الذي ينزع لقطع أواصر الترابط مع الأخر , والدفع بأتجاه الأنكفاء على الذات , والتمحور حولها وعدم الأعتبار لكل ماهو أجتماعي , والعزوف عن كل ما يصب في المصلحه العامه بأعتبار أن المصلحه الخاصه هي الأهم , وأن مصلحة الذات أهم ما بالوجود , مما تساهم هذه الميول الى حاله خطيره من التفكك الأجتماعي , وأن القيم الماديه , هي قيم حقيقيه وعمليه , أما القيم المعنويه فلا قيمه حقيقيه لها وتمثل بعداً مثالياً لا قيمه له بالواقع الفعلي والعملي. الأمر لا يقف عند هذا الحد بل يتعداه الى العمل على تحطيم الهويه الدينيه والوطنيه والثقافيه من خلال التشكيك بمرتكزاتها الأساسيه , وتهوين عناصرها الأساسيه , وأظهارها بمظهر العاجز في نظر مريديها , وأنها غير صالحه للعصر , وعاجزه عن الأيفاء بمتطلباته , في محاوله لجعلها هويه سياله قابله للأتأقلم والزحزحه لعناصرها الأساسيه وأستبدالها بقيم جديده تتطابق ومراد المحتل , بل وتسهل من فرض سطوته وأحلال قيميه التي تشجع التطبيع مع أسرائيل وتجعل منها وجوداً مألوفاً , بل ويخلق حاله من الندم على تأخر اللحاق بقطار التطبيع منذ عهد طويل , لما تدعيه أن عدم التطبيع سيفقد الشعب الكثير من مصالحه وفرص تطوره . أن الجيل الرابع والخامس من الحروب تعمل على تسريع خطى العالم نحو التسليم للنظام العالمي الجديد , بأعتباره العالم الأكثر تحضراً , وهو ما يمثل نهاية التاريخ , كما يستنتج بذلك فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ).
أن التغير السريع للأذواق التي عملت على زراعته وسائل الأعلام كان له أكبر الأثر على تشكيل العلاقات العابره والسطحيه والسريعه والمؤقته وذلك بفعل الأيقاع السريع لنمط الحياة الحديثه التي هي من صناعتهم وأعدادهم , قأصبح من جراء ذلك , لا صداقه دائمه , ولا زواج دائم , ولا مسكن دائم , ولا أخلاق دائمه . كل ذلك خلق حاله من الأجهاد والشعور بعدم الأمان , مما سبب حاله من الفزع الشديد والشعور بالكآبه الحاده , وكل ذلك يلقي بتبعياته الخطيره على الحاله المزاجيه للأنسان وتجعله حاد المزاج ولا يطيق أي أحتكاك بالأخر ولا يملك القدره على تحمله لذى يفضل الأبتعاد عن الأخرين بغية تجنب الأصطدام معهم , وهذه هي البوابه الرئيسيه لتفكك المجتمع وتحوله الى جزر صغيره متفرقه لا يربطها أي رابط الا اللهم رقعه من الأرض تجمعهم تسمى وطن. أن الأقتصاد المهيمن اليوم وبفعل وتخطيط قوى دوليه , هو أقتصاد السوق وهذا يعني أن مباديء السوق الحر هي من تفرض شروطها على المستهلك , والسوق هو من يخلق الذوق العالم للمجتمعات بحكم هيمنته عليها , وهنا يفرض نفوذه في الأطاحه بقيم وتشجيع أخرى بما يقرره من موضه وأن كانت لا تتوافق وقيم المجتمع ومنظومته الأخلاقيه وخاصه في عالم الألبسه , فهو لا يركز على الحشمه بقدر ما يركز على الجانب الحسي والغرائزي , لذى فقد أطاح عالم الموضه بالكثير من قيم الحشمه وخرق الكثير من المباديء والقواعد الخلقيه التي لا تمت لمجتمعاتنا بصله. فعالم السوق يتجه لكل ما هو جديد , وهو سلوك تفرضه عمليات االترويج للسلع , ومن ثم بيعها بشكل أكبر , وهذه العمليه تستدعي تغيراً في عالم الموضه والذي يعتمد على أقناع المستهلك في تغير ذوقه ليقبل على أقتناء ما هو جديد . أن التغير السريع والمتعدد للذوق في أقتناء السلع لا يمكن أن يحدث بدون توفر سيوله نقديه عاليه تستجيب لهذا التغير في محاوله للهث وراء أرضاء هذا المزاج المتغير . هنا نقطه غايه بالخطوره , الا وهو ضرورة توفير المال بكل الطرق مما يغري المستهلك بسلوك كل الطرق المشروعه وغير المشروعه لأشباع هذا النهم المتعاظم بأقتناء كل ما يعرضه السوق , هذه العمليه وما تشكله من ضغط كبير على المستهلك الذي لا يملك هنا من أمره شيء سيكون أمام طريق يشجعه على كسب المال الحرام وأستخدام كل الطرق الغير مشروعه في كسب المال , ومنها محاولة الأستحواذ على مال الغير سواء كان غريب أو قريب , والتفكير فقط بالمصلحه الخاصه والتنازل عن الكثير من قيم الحق , ويخلق قابليه لدى الفرد تجعله يتنازل عن الكثير من القيم الوطنيه والدينيه والأخلاقيه مقابل كل من يلبي له ذوقه المتجدد ويشبع له حاجياته المتزايده التي خلقتها سياسات السوق المبرمجه من مراكزها العالميه, واليوم مركز دبي للتسوق كمثال على هذه العمليه , لذلك كانت دبي أول المطبعين مع أسرائيل وأول المذعنين لتلبية طلبات أمريكا قي التنازل عن المطالب والحقوق القوميه والدينيه فيما يخص القضيه الفلسطينيه , بل وأصبحت الأمارات العربيه من المروجين للتطبيع مع أسرائيل . أن ما نلمسه اليوم من تفشي حالات النصب والأحتيال , وأنتشار ظاهرة الربا , والفساد الأخلاقي , وتقطع أوصال علاقات الأرحام بسبب السعي المحموم لأحتراز وكسب المال من أجل المال. كل ذلك أدى بشكل خطير الى تدهور المنظومه القيميه في مجتمعنا مما سببت الى هزه عنيفه للذات قي جو مشحون بالتناقضات والضياع , الذي يؤدي الى نهايه هزيله لهذه الشعوب وبالتالي أذعانها بسهوله لكل ما يُطلب منها من قبل القوى المهيمنه , وتكون رهينه ومذعنه لطلباتها , وعندها تستلب أرادتها , فيدخلوا في طور العبوديه بعد أن حررهم أجدادهم من نير الأستعمار بسلاح بدائي ولكن بأراده حديديه , أفتقدتها الأجيال الحاليه , بل تنازلت عنها مقابل سلعه رخيصه , ومتعه عابره , وذوق متهافت.