إنه نفس الحلف القديم السيئ السمعة والصيت، الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية ورعته بريطانيا العظمى في خمسينيات القرن الماضي، الذي ضم إلى جانب العراق الذي حملت عاصمته اسمه، فكان حلف بغداد، كلاً من بريطانيا وباكستان وتركيا وإيران، واستهدف في حينها الاتحاد السوفيتي والدول العربية والإسلامية التي كانت تدور في فلكه، وتلك التي كان يطمع أن يمتد نفوذه إليها، إلا أن حقيقة أهدافه كانت تتمثل في مواصلة استعمار البلاد العربية والإسلامية، وإستمرار خضوعها للسياسة الغربية، وضمان السيطرة على منابع النفط العربية الغنية، التي كانت آبارها آخذةً في الاكتشاف والتزايد.
اليوم يعود السيد الأمريكي من جديد ومعه بريطانيا إلى جانب الكيان الصهيوني، الذي غدا بالنسبة لبعض الأنظمة العربية حملاً وديعاً، وجاراً مستأنساً، وحليفاً صادقاً، لا خوف منه ولا شر متوقعٌ من جانبه، إذ غادر بزعمهم معسكر العداء ودخل معهم دائرة الأصدقاء، ولم يعد محتلاً غاصباً، ولا مجرماً قاتلاً، وكأنه لا يحتل القدس ولا يغتصب الأقصى، ولا يطرد الفلسطينيين ولا يهدم بيوتهم، ولا يعتدي عليهم ولا يشن الحروب ضدهم، الأمر الذي أهَّلَه حسب ظنهم لأن يشكل معهم الحلف القديم نفسه، إذ زالت الموانع وتلاشت الحواجز، وأصبح مأمون الجانب، موثوق الكلمة، يشكل لهم قوة ورفعة، ورهبة ومنعة، ويصد عنهم العدوان، ويمدهم بالقوة والسلاح، ويرد عنهم التغول والأطماع.
اليوم يعود ثلاثي الشر والمؤامرة، ليشكل الحلف السرطاني الخبيث، بثوبٍ جديدٍ وشعاراتٍ مختلفةٍ، وعلى أسسٍ غريبةٍ ولأهدافٍ متعددة، وقد ألحق فيه دولاً وأنظمةً، ارتضت أن تكون ذيولاً تابعةً وأدواتٍ للخدمة، وقبلت على نفسها أن تلعب في هذا الحلف التعيس أدواراً وضيعة، وأن تنفذ مهاماً قذرةً، وأن تدفع مقابل الخدمة أموالاً طائلةً، وأن تمول الأسياد المخططين بما يريدون وما يأمرون، وأن ترهن لهم خيرات بلادهم ومستقبل أوطانهم، مقابل وعدٍ مكذوبٍ لهم بالبقاء، وتعهدٍ مخادعٍ تجاههم بالحفاظ عليهم والدفاع عنهم، وكأنهم من يرسم الأقدار ويحفظ العهود، ويكتب الآجال ويحدد المصائر ويضمن النتائج.
أما أهداف هذا الحلف الجديد وريث البائد القديم، فهو تصفية القضية الفلسطينية وتفكيكها، ووضعٍ حدٍ نهائي لها والقضاء عليها، وتشتيت شعبها وتمزيق أهلها، والتسليم للعدو بأحقيته في أرضها، وبأصالة كيانه فوق ترابها، والقبول بالتنازل الحر عن القدس عاصمةً له، وبمقاسمته الأماكن المقدسة ووضعها تحت رعايته، والمباشرة الرسمية في تطبيع العلاقات العربية معه، ورفع أعلامه الزرقاء في سماء بلادنا، وفتح أوكار سفارته في عواصم بلداننا، وتبادل العلاقات الدبلوماسية والشعبية معه، والاستعداد لشراء التقانة والسلاح منه، والاستفادة من خبراته العلمية والتكنولوجية، في الصناعة والزراعة وآفاق الكمبيوتر والحوسبة، مقابل ملياراتٍ من الدولارات العربية تودع في بنوكه، هبةً ومنحةً، أو مساعدةً ووديعةً.
وبالمقابل ستتعهد أطراف هذا الحلف الشيطاني المريد كلهم، عرباً وغرباً، بمحاربة المقاومة الفلسطينية، والتضييق عليها، وتجفيف منابعها، وملاحقة رجالها، واعتقال نشطائها، والتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني بشأنها، ليسهل عليه السيطرة عليها وإحباط عملياتها، وإفشال مخططاتها، ولعلها تمتلك الكثير مما قد تقدمه للعدو من معلوماتٍ وبياناتٍ تخص الفلسطينيين عموماً والمقاومة خصوصاً، إذ لا نقلل من حجم ما تملكه أجهزتها الأمنية ومؤسساتها العامة معلوماتٍ، ولهذا فإننا نشعر بالخطر الشديد من هذا الحلف ونخشى من أهدافه.
لن يكتفي هذا الحلف الجديد بإعلان الحرب على المقاومة الفلسطينية التي هي أساس الصراع في المنطقة، ولب الأزمة التاريخية المستعصية، بل سيوسع أهدافه الخبيثة ضد المقاومة العربية عموماً، وضد محور المقاومة كله، وفي المقدمة فيه الجمهورية الإسلامية في إيران، وضد حزب الله في لبنان، إذ يعتقدون أنهما حليفان للمقاومة الفلسطينية، وأنهما أحد أهم أسباب صمودها وثباتها، وأنهما يردفانها بالخبرة والتدريب، ويزودانها بالمال والسلاح، ويساهمان كثيراً في توجيهها وتقديم النصح لها.
لابد لهذا الحلف الجديد أن يسقط بسرعة، وينهار كلياً قبل أن يشتد عوده ويقوى، فاستمراره خطر، وبقاؤه يهدد منطقتنا العربية والإسلامية، ويهدد مستقبل شعوبها وينهب خيراتها ويسرق أموالها، والصمت عليه جريمة، والسكوت عنه يدعمه ويقويه، ويشجعه ويغريه، لذا لا بد بعد الوحدة الفلسطينية واتفاق أطرافها، سلطتها ومعارضتها على إسقاطه والتصدي له، من حراكٍ عربيٍ شعبيٍ وطنيٍ شاملٍ، لا يستثني عاصمةً ولا يغيب عن دولةٍ، لنجبر القادة والحكام على الانسحاب منه والتراجع عنه، تماماً كما أسقط أسلافنا حلف بغداد، وأفقدوه الدور التآمري الذي قام من أجله، وفككوا قواعد رعاته، وأخرجوهم من بلادنا مطرودين ملعونين.