هناك أمر مهم نود ان نستعرضه قبل أن نختم بحثنا هذا وخصوصاً بعد أن ألقينا الضوء على أن الزهراء قد استشهدت وهي واجدة(أي غاضبة)على الشيخين وبكل ما فعلوه بها من غصب لأرثها في فدك وغصب حقها وأسقاط جنينها المحسن بعد أن عصرها خلف الباب وكسر ضلعها بعد أن دخل المسمار فيها وهي كانت من الأسباب التي أدت إلى وفاتها أي استشهادها ناهيك عن سلب حق زوجها في الوصاية والخلافة واقتياده الى السقيفة وبالقوة وهو مكبل لأخذ البيعة منه. وهذه المصادر التاريخية كلها تثبت ذلك وتطرق إليها العلماء والباحثون والكتاب وحتى نحن وبإسهاب. ولهذا فسوف نركز في طلب المسامحة وما جرى من أمور فيها وبالمصادر والأدلة.
طلب المسامحة يدل على مكانة الزهراء(ع) :
وهذا الأمر يدفع الكثير بل والكل للتساؤل إلى ان طلب الشيخين لطلب المسامحة من الزهراء (ع)فإنما يعطي دلالة على أن فاطمة كانت لها قيمة ومنزلة تحتفظ بها في المجتمع الإسلامي وبالأخص بين كبار الصحابة وإلا بماذا يفسر هذا طلب المسامحة والذي سنورده ومن المصادر التاريخية؟!
والجواب : أن طلب المسامحة بالذات ومن قبل الشيخين يدل أكبر دلالة على أنهم آذوها وأغضبوها وغصبوا حقها، مما أدى بالتالي الى طلب المسامحة منها ولو بالظاهر.
والأمر الثاني المهم أن فاطمة الزهراء(ع)كانت لها قيمة ومنزلة في المجتمع المسلم، مما أضطر الذين آذوها واعتدوا عليها وغصبوا حقها الى المحاولة في امتصاص هذه النقمة، ومحو النظرة السلبية التي نشأت والتي ستنشأ بسبب ما أجرموا بحقها والذين كان هو بداية لنشوء الحكم بالقوة ونشوء الديكتاتوريات وحكم الطواغيت والملوك والاستفراد بالحكم والذي برز بداية الانحراف في الحكم والتسلط بالقوة وظهر منذ ذلك الوقت.
والأمر الثالث المهم والذي نستعرض من خلال ماذكره السيد جعفر مرتضى العاملي حيث يقول " إنهم حين استرضوها لم يقدموا أي شيء يدل على أنهم كانوا جديين في ذلك الاسترضاء، بل إن كل الدلائل تشير إلى أنهم قد أقدموا على ذلك من أجل الإعلام وللإعلام فقط، فهم لم يرجعوا إليها فدكا، ولم يتخذوا خطوات عملية لإزالة آثار اعتدائهم الآثم عليها، ولا تراجعوا عن تصميمهم الأكيد على اغتصاب حق علي عليه السلام، وكذلك هم لم يعترفوا بأي خطأ أمام الصحابة بصورة علنية، حيث ارتكبوا ما ارتكبوه بصورة علنية أيضا "(1).
وما تذكره الروايات في طلب الاستذكار نذكره كما هو حيث تذكر الروايات "العلماء الذي يلتقون مع نفس هؤلاء في التوجه المذهبي، هم الذين ذكروا لنا الرواية على وجهها الصحيح، ولم يلتفتوا إلى ما أضافه أولئك، بل قالوا: إنها حينما جاءا ليسترضياها لم تأذن لهما، حتى توسلا بعلي عليه السلام، فكلمها فلم تأذن أيضا، بل قالت له: البيت بيتك، أي: فأنت حر في أن تدخل فيه من تشاء، بحسب ما تفرضه الظروف القاهرة عليك، أما هي فتحتفظ برأيها وبموقفها، وليس ثمة ما يفرض عليها غير ذلك.
فأذن لهما علي (عليه السلام)، من موقع أنه صاحب البيت، ولم تأذن لهما الزهراء عليها السلام.
ولما دخلا عليها أبت أن تكلمهما، وكلمت عليا وقررتهما، فأقرأ أنهما سمعا رسول الله (ص) يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد اسخطني.
فقالت لهما: فإني أشهد الله وملائكته: أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه(2). وحتى في الرواية في كتاب سليم بن قيس تقول الزهراء " فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك. لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله وأخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما "(3).
وحين بكى أبو بكر لأجل ذلك زجره عمر وقال له: تجزع لغضب امرأة الخ.. (4).
وهذه الرواية مثبتة والمصادر التي في أسفل المقال عديدة وكثيرة ولكن قدمنا قسم منها لمن يريد الرجوع إلى ذلك.
ولو رجعنا إلى فدك وانكار أبو بكر لذلك هو ومعه الخليفة الثاني عمر والتي أدت الى مسلسل من الحوادث المفجعة والدموية انتهت باستشهاد بضعة رسول الله وروحه التي بين جنبيه فهل كان بالإمكان أن يرجع حق الزهراء(ع)فيما أغتصبه ولن نقرأ هذا الرد ليبين أن مطالبة فاطمة هو ليس من أجل الأرض والنخيل والزراعة وما فيها أذ أن هذا كان آخر ما تفكر فيه وحتى أهل البيت لأن أهل البيت خلقوا في عالم الذر وأنهم لا يشترون الدنيا بأي شيء وأنها أصغر من جناح بعوضة عندهم و لنقرأ الرد ليكون اجابة على العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع "وسألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟ قال: نعم قلت: فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك وهي عنده صادقة؟ فتبسم، ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته.
قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها، لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه، ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء؛ لأنه يكون قد سجل على نفسه أنها صادقة فيها تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود.
ثم يقول ابن أبي الحديد: وهذا كلام صحيح. وإن كان أخرجه مخرج الدعابة والهزل"(5).
ولإكمال الحجة نورد كلام أبو بكر قبيل وفاته حيث تذكر المصادر أنه " وقد أظهر الخليفة الندم في ساعة وفاته على عدم تسليم فدك لفاطمة، وقد بلغ به التأثر حيناً أن قال للناس وقد اجتمعوا حوله: ( أقيلوني بيعتي )(6) وكان يرددها حتى في خلافته.
وهنا نعلق عن في بعض الروايات أنه قال أنّه قال قبيل وفاته: ((إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي تركتهنّ... وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب...)). وهو مثبت بعدد من المصادر وروايات مختلفة(7).
ومن هنا أردنا من مبحثنا أن نثبت ونحلل أن فاطمة الزهراء هي سيدة نساء العالمين من الأولين والأخرين وأن منزلتها في السماء أعلى منها في الأرض وأنها بضعة الرسول(ص)وروحه الذين بين جنبيه والذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وأن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها وانها خلقت في عالم الذر قبل خلق السماوات والأرض وأنها توفت وهي غاضبة على من ظلمها وغصب حقها وأسقط محسنها وكشف عن بيتها وعصرها خلف الباب. وبالأخير أنها ماتت وهي غاضبة على كل من ظلمها وأنها سيكون الحساب عن رب العزة والجلال، وخسر هنالك المبطلون ... . وسيعلم الظالمون اي منقلب ينقلبون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ كتاب مأساة الزهراء عليها السلام ج - 1 - جعفر مرتضى العاملي. الفصل السادس. الحب والاحترام يردعهم. باب طلب المسامحة يدل على مكانة الزهراء(ع). ص 233. من منشورات مكتبة الأبحاث العقائدية.
2 ـ الإمامة والسياسة: ج 1 ص 14 و 15، وراجع: البحار: ج 36 ص 308، و ج 78 ص 254، و ج 43 ص 170، و 171، ودلائل الإمامة: ص 45، وعوالم العلوم: ج 11 ص 411 و 445 و 498، و 499، وكفاية الأثر: ص 64 و 65، والبرهان: ج 3 ص 65، وعلل الشرائع: ج 1 ص 186 ـ 187، و 189، والشافي: ج 4 ص 213، وأهل البيت لتوفيق أبي علم: ص 168، و 169، و 174، ومرآة العقول: ج 5، ص 323 و 322. وضياء العالمين (مخطوط): ج 2 ق 3 ص 85 ـ 87 والجامع الصغير للمناوي: ج 2 ص 122، والرسائل الاعتقادية: ص 448.
3 ـ كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ج 2 ص 869 وجلاء العيون: ج 1 ص 212 و 213 مع تفاصيل أخرى، وراجع: البحار: ج 43 ص 197 / 203 و ج 28 ص 357 وعلل الشرائع: ج 1 ص 186 و 187.
4 ـ راجع عوالم العلوم: ج 11 ص 500، وعلل الشرائع: ج 1 ص 187، وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 87. قد أشار إلى ذلك أيضا في ضياء العالمين (مخطوط): ج 2 ق 3 ص 108.
5 ـ شرح نهج البلاغة، ج16 ص284. الفصل الثالث: في أن فدك هل صح كونها نحلة رسول الله لفاطمة
6 ـ الغدير - الشيخ الأميني - ج ٥ - الصفحة ٣٦٨. تاريخ الطبري ٣: ١٩٩، السيرة الحلبية ٣: ٣٨٦، الصواعق ص 7. الصواعق المحرقة ص 30. شرح نهج البلاغة : ۲ / ٤٥ ـ ٤۷ ولاحظ الكامل : ۱ / ۱۱ ، تحقيق الدكتور محمد أحمد الدّالي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ويظهر من محقّق الكتاب انّه وجد النص في الكامل حيث نقل شيئاً منه حول هذا النص. إلّا انّ اليد الأمينة على التراث حرفت الباقي فلم تذكر الرواية برمتها حسب ما نقله ابن أبي الحديد عن الجوهري عن الكامل للمبرد. نعم أشار المحقق في ذيل الصفحة إلى ما رواه صاحب العقد الفريد.
7 - رواه الطبري كما في: 18 من سمو المعنى في سمو الذات، للأستاذ الكبير عبد الله بعلايني. أَنْظُرُ: (المُعْجَمُ الكَبِيرُ للطبراني 1: 62، الأَحَادِيثُ المُخْتَارَةُ 1: 89 وَقَالَ عَنْهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، كَنْزُ العُمَّالِ 5: 632 يَنْقُلُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ "الأَمْوَالِ" وخَيثَمةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الأطرَابلسِي فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، وَعَنْ الطَّبرَانيِّ فِي الكَبِيرِ وَابْنِ عَسَاكِرَ وَعَنْ الضِّيَاءِ المُقَدَّسِ صَاحِبِ المُخْتَارَةِ تَارِيخُ دِمَشْقَ 3: 422. تَارِيخُ الإِسْلَامِ للذَّهَبيِّ 3: 117، 118 جَامِعُ المَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ لِابْنِ كَثِيرٍ 65:17). انظر: لسان الميزان 4/188. مجمع الزوائد 5/367.