كان معنا ايام الدراسة الجامعية بالبصرة وفي اقسامها الداخلية طالب رحل لجوار ربه بعد ان اصيب بمرض عضال رحمه الله كان عجيب الاطوار غريب التصرفات وكنا اول الامر نظن انه يتعمد ذلك لكسب الاضواء وخطف البريق وتكثير العلاقات ولكننا بمرور الايام ازددنا فيه معرفة وهو يتنكر لذاته وينقطع لله بالعبادة ليلاً ويطوي الاشهر المباركة الثلاثة صائماً وكانت له صفات اذهلت من عاشره وعرفه اورد منها :
1-انه كان في كل ليلة ينام مبكراً وسط ضجيج طلبة الاقسام الداخلية وعنفوانهم ،ثم يجلس منتصف الليل ولديه قائمة بمواعيد طلبات الطلبة الذين كلفوه بايقاظهم لغرض الدراسية فكان يسجل في ورقة حسن غرفة 27 الطابق الثاني الساعه الواحدة+علي غرفة 3 الطابق الارضي الساعه الثالثة وهكذا يدور على غرف الطلبة بروح لاتعرف الملل وربما وبخه بعضهم ولم ينهض الثاني الا بعد جهد جهيد يبذله معه.
2-كان يدور عند الاذان في الفجر على الغرف وهو يوقظ هذا ويلاطف ذاك من اجل الصلاة بوقتها وكان البعض لايقبل بذلك ويصرخ بوجهه ولكنه يقابله بابتسامة وهكذا يفعل كل ليلة.
3-كان الماء ينقطع في الاقسام الداخلية وكان دوره بعد صلاة الفجر هو ملئ الماء لغرف الطلبة خوفاً من ان يجلسوا الصبح ولاماء عندهم للغسل والطبخ ويبقى يفعل ذلك حتى بزوغ الشمس وهو يقطع مسافة حوالي 500 متر حاملاً عبوات بلاستيكية سعة 50 او 100 لتر لغرفهم .
4-في احد المرات اوقظ احد الطلبة للصلاة وكان جنباً فتغطى ونام بلا صلاة متعذراً بعدم وجود الماء الساخن الذي كان متعذراً يومذاك فقام صاحبنا وجلب الماء له وسخنه واوقظه للغسل كي لاتفوته الصلاة بوقتها.
5-كان لايبقي طحين او سكر او تمن او شاي اودهن وسط. ظروف الحصار الجائر في غرفته فهو يهبه لمن يطلبه منه ومن لم يطلبه وكم عانى من سكن معه نفاذ المؤنة بسبب روحه الطيبة وكرمه الحاتمي.
6-واظب عى حضور صلاة الجمعة باقسى الظروف ايام الشهيد الصدر الثاني وواظب على حضور المجالس الحسينية بالبصرة وسط المنع يومذاك وكان يدعو الشباب المرحلة الاولى لذلك وبحرص شديد ويصحبهم معه.
7-اختار بحثاً للتخرج عن الشعر في واقعة الطف وسط جو من الخوف والرعب يومذاك من اختيار هكذا مواضيع وكان يدور في المكتبات بحثاً عن المصادر الممنوعة والمخيفة بتلك الفترة.
8-كانت الكتب الممنوعة تحت وسادته ويحملها بجيبه ويوزعها على طلبة الاقسام الداخلية وخاصة المرحلة الاولى لتثقيفهم حتى من لايعرفهم منهم غير ابه بالخوف والمنع.
9-دعاني احدى المرات لمرافقته لمديرية الامن العامة في البصرة المرعبة بما تعنيه الكلمة لنزور شخصاً من مدينتنا مسجون فيها وقد مررنا بسوق العشار لنشتري له بكل مايملك البرتقال الذي كان لايشتريه الا العوائل المتمولة لظروفة العيش انذاك ،وقد فوجى هذا السجين حين نودي بأسمه ورأنا نحن وقد هاجر اهله لخارج العراق وخاف بعضهم من زيارته ولم يتوقع زيارة احد من ذويه وهكذا واظب على زيارته غير ابه بالخوف.
10-رحل وكل من عاشره يحن لايامه ويتذكر له مناقب هنا ومأثر هناك وذكريات حروة ومواقف مشرفة.
رحمه الله واسكنه فسيح جنانه
*هذه الصفات الايمانية والروح الشفافة العالية الهمة نفتقدها اليوم عند متدينيّ الموضة والمصالح والتذكير بمأثر زميلما جزء من الوفاء لسيرته واحياءاً لذكراه وعلنا نصدم البعض ليثوبوا لرشدهم ويتركوا زخارف الدنيا وزبرجها ويعودوا لله ونحن في شهره الكريم.