علي وشيعته ١ /علي الابراهيمي

الاثنين - 19/08/2019 - 13:16

وهم القسم الخاص من الامة الإسلامية ، يكاد يجمعهم – لا سيما لاحقا – اصل مشترك ، انهم في الغالب ورثة الامة الآرامية ، او المتاثرين بها . وهي الامة التي فصلّنا شيئاً من احوالها ومسيرتها سابقا ، وأنها خلاصة التاريخ السومري والحضارات الإبراهيمية . ولهم خصائص تكشفها مواقفهم النبيلة قبل الإسلام وبعده ، وعند الشدة وعند الرخاء ، فهم كانوا سادة قومهم او اجودهم او اتقاهم او أعلمهم ، وكذلك كان علي . عن أبي قيس الأودي قال ( أدركت الناس وهم ثلاث طبقات أهل دين يحبون عليا وأهل دنيا يحبون معاوية وخوارج )   .
حين نزلت الرسالة الإسلامية ما عبد الله بشرعتها يومئذ الا محمد وعلي وخديجة ، علناً ، ولم يكن من رابع  . وفي مجلس لأعيان بني هاشم من ال عبد المطلب ، فيهم أبو طالب والحمزة وأبو لهب ، قال النبي وهو يأخذ برقبة علي (  إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا )  . وعن  ابن عباس  عن النبي قال  (  يا  علي  ، أنت سيد في الدنيا ، سيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي  ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي )  ، وعن ابن ابي الحديد عن رسول الله قال لعلي ( لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق )  ، وعن البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد: أن رسول الله  قال يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله». قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على النبي  كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب؟» فقالوا: هو يا رسول الله، يشتكي عينيه. قال: «فأرسل إليه» فأتى، فبصق رسول الله  في عينيه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال : «انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم»  . وقال النبي لعلي ايضاً ( وقال لعلي: « أنت مني وأنا منك >> و قال << وأما أنت يا علي فأخي وصاحبي >>  ، وبالتالي فمن اهتدى بعلي كان من رسول الله ورسول الله منه . وقد آخى رسول الله بين نفسه وعلي لعلو المقام والرتبة . وكانت اليه راية رسول الله في كل المشاهد  ، رغم تعويم الكتّاب لاحقاً لهذا الامر . وقد شهد له أبو ذرّ الغفاري عند ابن عباس انه مصداق قوله تعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا )  . لذلك أنفذ رسول الله علياً خلف ابي بكر لمنعه من تبليغ سورة براءة حين أمره الله انه لا يؤديها الا رجل منه  .
يقول ابن أبي الحديد – في مقارنة بن علي بن ابي طالب وبين سعد بن ابي وقّاص - : شتان بين علي وسعد هذا يداحش على السلب ويتأسف على فواته وذلك يقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق وهو فارس قريش وصنديدها مبارزة فيعرض عن سلبه فيقال له كيف تركت سلبه وهو أنفس سلب فقال كرهت أن ابز السري ثيابه ، فكأن حبيبا عناه بقوله:
إن الأسود اسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب  
عن سعيد بن جبير  ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : لما نزلت : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) قال : وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على صدره ، وقال : " أنا المنذر ، ولكل قوم هاد " ، وأومأ بيده إلى منكب علي ، فقال : " أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي "  . وعلي بن ابي طالب من قتل كل حملة لواء قريش يوم بدر  . وحين نعلم من علي واصحابه نعي لماذا ثبتوا وحدهم حول رسول الله يوم احد وفرّ الباقون  .
لذلك كان الرسول حين يريد معالجة امر او قضية بنحو يكون هو طرف فيه بشخصه كان يرسل علياً ، ولهذا ارسله لأداء حق بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد بلا ذنب بعد ان اعطاهم الأمان ، فجعل علي لهم الدية بما يرضون وزيادة ، لهم ولأنعامهم  .
لقد جاءت قبائل العراق التاريخي الكبرى ، مثل مذحج والنخع وزبيد وعبد القيس  ، وقد كانوا نصارى ، طائعين في اسلامهم الى رسول الله ، ولو شاؤوا لقاتلوا عن دينهم النصراني كما قاتلوا بعدئذ عن الإسلام بشراسة ، لكنهم كانوا مختارين باحثين عن الحق ، لا كما يدعي المدعون من إجبارهم بالسيف على الإسلام ، فهل السيف الا سيفهم . لكن ارادت أقلام بني امية الا يجعلوا لهم فضلاً دينياً على الحاكم ، كما ارادت الخلافة العمرية من قبل الا يكون لهم فضل على قريش .  
قال المسعودي في مروج الذهب: كان ممن شهد صفين مع علي بن أبي طالب ع من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلا منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار ومن سائر الصحابة تسعمائة وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة اه‍ وفي السيرة الحلبية: قال بعضهم شهدنا صفين مع علي بن أبي طالب ثمانمائة من أهل بيعة الرضوان وقتل منهم ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر اه‍ وفي مروج الذهب أيضا أن عليا ع خرج إلى حرب الجمل في سبعمائة راكب منهم أربعمائة من المهاجرين والأنصار منهم سبعون بدريا وباقيهم من الصحابة إلى أن قال ولحق بعلي من أهل المدينة جماعة من الأنصار فيهم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين. ثم ذكر في مروج الذهب صفة دخول علي ع البصرة فقال: فيما حدث به أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي عن ابن عائشة عن معن بن عيسى عن المنذر بن الجارود قال لما قدم علي البصرةخرجت أنظر إليه فورد موكب نحو ألف فارس يقدمهم فارس على فرس أشهب عليه قلنسوة وثياب بيض متقلد سيفا معه راية وإذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة مدججين في الحديد والسلاح فقلت من هذا فقيل أبو أيوب الأنصاري وهؤلاء الأنصار وغيرهم ثم تلاهم فارس عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلد سيفا متنكب قوسا معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس فقلت من هذا فقيل خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين ثم مر بنا فارس على فرس كميت معتم بعمامة صفراء تحتها قلنسوة بيضاء عليه قباء أبيض مصقول متقلد سيفا متنكب قوسا في نحو ألف فارس معه راية فقلت من هذا فقيل أبو قتادة بن ربعي ثم مر بنا فارس على فرس أشهب عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه ومن خلفه شديد الأدمة عليه سكينة ووقار رافع صوته بقراءة القرآنمتقلد سيفا متنكب قوسا معه راية بيضاء في ألف من الناس مختلفي التيجان حوله مشيخة وكهول وشباب كان قد أوقفوا للحساب في جباههم أثر السجود فقلت من هذا فقيل عمار بن ياسر في عدة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم. ثم مر بنا فارس على فرس أشقر عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء متنكب قوسا متقلد سيفا تخط رجلاه في الأرض في ألف من الناس الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض معه راية صفراء قلت من هذا قيل قيس بن سعد بن عبادة في الأنصار وأبنائهم وغيرهم من قحطان. ثم مر بنا فارس على فرس أشعل ما رأينا أحسن منه عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه بلواء قلت من هذا قيل عبد الله بن العباس في عدة من أصحاب رسول الله ص . ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين قلت من هذا قيل قثم بن العباس أو سعيد بن العاص. ثم أقبلت الموكب والرايات يقدم بعضها بعضا واشتبكت الرماح، ثم ورد موكب فيه خلق عليهم السلاح والحديد مختلفو الرايات كأنما على رؤوسهم الطير في أوله راية كبيرة يقدمهم الطير كأنما كسر وجبر نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق عن يمينه شاب حسن الوجه وعن يساره شاب حسن الوجه قلت من هؤلاء قيل هذا علي بن أبي طالب وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى وهذا الذي خلفه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم وهؤلاء المشايخ أهل بدر من المهاجرين والأنصار  .

عن ( عبد الرحمن بن ابزي الخُزاعي ) قال : شهدنا مع عليّ ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة ثمانمائة نفس بصفّين، فقتل منّا ثلاثمائة و ستون نفسا  . ومن ثم لا نتوقع ممن تربى في الحضن القرشي المعادي لرسول الله ان يوفق لمعرفة حق علي . فهذا ( عبد الله بن عمر بن الخطاب ) من الذين لم يبايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام)، و قعد عن بيعته مع جماعة عثمانية لم يروا إلا الخروج عن الأمر. و قال حين حضرته الوفاة: ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئا إلا أنّي لم أقاتل الفئة الباغية مع عليّ بن أبي طالب . و لما ولي الحجاج الحجاز من قبل عبد الملك بن مروان، راح إليه عبد اللّه ليلا ليبايعه و قال: مد يدك لأبايعك، فقال له الحجاج ما أعجلك، فقال: سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) يقول: من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية  . فأخرج الحجاج رجله و قال: إنّ يدي مشغولة عنك، و كان يكتب فدونك رجلي، فقال ابن عمر: أ تستهزئ منّي؟ قال الحجاج: يا أحمق بني عدي، ما بايعت مع عليّ، و تقول اليوم من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، أو ما كان عليّ إمام زمانك؟ و اللّه ما جئت إلي لقول‌ النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بل جئت مخافة تلك الشجرة التي صلب عليها ابن الزبير، فمسح على رجله و خرج  .
وبنو هاشم من أفاضل الشيعة . وقد انتشروا في العالم كله . ومنهم جعفر بن ابي طالب ، يقول ابن كثير ( أسلم جعفر قديما وهاجر إلى الحبشة، وكانت له هناك مواقف مشهورة ومقامات محمودة، وأجوبة سديدة، وأحوال رشيدة، وقد قدمنا ذلك في هجرة الحبشة، ولله الحمد. وقد قدم على رسول الله يوم خيبر، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أدري أنا بأيهما أسر بقدوم جعفر أم بفتح خيبر» وقام إليه واعتنقه وقبل بين عينيه ، وقال له يوم خرجوا من عمرة القضية: «أشبهت خلقي وخلقي» فيقال: إنه حجل عند ذلك فرحا كما تقدم في موضعه، ولله الحمد والمنة. ولما بعثه إلى مؤتة جعل في الإمرة مصليا - أي: نائبا - لزيد بن حارثة، ولما قتل وجدوا فيه بضعا وتسعين ما بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، وهو في ذلك كله مقبل غير مدبر، وكانت قد طعنت يده اليمنى، ثم اليسرى وهو ممسك للواء، فلما فقدهما احتضنه حتى قتل، وهو كذلك )  . ومن عظمة بني هاشم في الدعوة الى الإسلام ان جعفر بن ابي طالب هو الوحيد الذي استطاع إقناع ملك غير عربي بالإسلام ، وهو النجاشي ملك الحبشة  .
ومع تفضيل ابي هُريرة لجعفر على سائر المسلمين بعد رسول الله ، وربما لتغييب مكانة علي بن ابي طالب ، او للتعويض عن سكوته عن بيان حق علي أراد الإشارة لهذا البيت من خلال اسم اخف وقعاً على السلطات ، لكن يابى ابن كثير الا التعليق على رواية ابي هُريرة ، فيقول ( قال الإمام أحمد: وحدثنا عفان بن وهيب، ثنا خالد، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال، ولا انتعل ولا ركب المطايا، ولا لبس الثياب من رجل بعد رسول الله  أفضل من جعفر بن أبي طالب. وهذا إسناد جيد إلى أبي هريرة، وكأنه إنما يفضله في الكرم، فأما في الفضيلة الدينية فمعلوم أن الصديق والفاروق بل وعثمان بن عفان أفضل منه. وأما أخوه علي رضي الله عنهما فالظاهر أنهما متكافئان، أو علي أفضل منه، وإنما أراد أبو هريرة تفضيله في الكرم بدليل ما رواه البخاري: ثنا أحمد بن أبي بكر، ثنا محمد بن إبراهيم بن دينار أبو عبد الله الجهني، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة، وأني كنت ألزم رسول الله  بشبع بطني خبز، لا آكل الخمير، ولا ألبس الحرير، ولا يخدمني فلان وفلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لاستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني ، وكان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب، وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها )  ، ويبدو واضحاً مستوى التأزم الذي عاشه ابن كثير امام هذه الرواية ، وهكذا صنع هؤلاء تاريخ وفضل لرجال لا فضل لهم بسلبه عنوة من اخرين ! .
وفيما عرفنا كيف كان أمثال خالد بن الوليد ياتون الفاحشة ، كان بنو هاشم احشم الناس واعفهم . فهذا ( عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ) كان يدعو بغلمانه غلاما غلاما يقول : ( إلا أزوجك ما من عبد يزني إلا نزع منه نور الايمان )  . ويبدو ان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عاتبه في نهاية دولته على بعض الأمور السياسية  الله العالم بحقيقتها ، فهو اجل وارفع من ان يتلطخ ، اذ كان ذكياً فطنا . 
وهذا الصحابي ( الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ) يشهد لعلي ويرد على رسالة معاوية لاخيه عبد الله بن عباس :
ألا يا ابن هند إنّني غير غافل* * * و إنّك ما تسعى له غير نائل‌
أ ألان لما صرّت الحرب نابها* * * عليك و ألقت بركها بالكلاكل‌
فأصبح أهل الشام ضربين خيرة* * * و فقع بقاع أو شحيمة آكل‌
و أيقنت أنّا أهل حق و إنّما* * * دعوت لأمر كان أبطل باطل‌
دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة* * * و ليس لها حتّى تدين بسائل‌
فلا سلم حتّى تشجر الخيل بالقنا* * * و تضرب هامات الرجال الأماثل‌
و آليت لا تهدى إليه رسالة* * * إلى أن يحول الحول من رأس قابل‌
أردت به قلع الجواب و إنّما* * * رماك فلم يخطئ نبات المقاتل‌
و قلت له لو بايعوك تبعتهم* * * فهذا عليّ خير حاف و ناعل‌
وصيّ رسول اللّه من دون أهله* * * و فارسه إن قيل هل من منازل‌
فدونكه إن كنت تبغي مهاجرا* * * أشمّ بنعل السيف غير حلاحل‌