العراق " الديموخرافي " .. معادلة الحكم الصعبة 2 – 3 / وداد عبد الزهرة فاخر*

الاربعاء - 07/08/2019 - 09:58

 
رغم مرور ستة عشر عاما على سقوط نظام البعث الفاشي ، ورحيل اكبر واعنف واقذر سلطة دكتاتورية عرفها تاريخ العراق ، الا ان أي تغيير من اجل اعادة مسار الحكم للطريق الصحيح وبناء دولة المؤسسات المرجوة ، او حتى الحلم البعيد المنال للعراقيين ، بعيش حر كريم لم يتحقق ، بعد ظلم وجور وتجبر الدكتاتورية ، والوضع الشاذ والغير آمن الذي جاء بعد سقوطها ، وما حصل من تفكك للدولة ومؤسساتها الرسمية ، وظهور حالات غريبة وجديدة على الشعب العراقي من لصوص المال العام ، وتفشي الرشوة ، والمحسوبية لاطراف التحاصص القومي والطائفي ، وتنامي الطائفية وتغولها بعراق لا يتحمل شعبه أي مسار خاطيء وغريب بعدما قاساه من تغول الدكتاتورية وتسلطها طوال ثلاث عقود ونصف العقد من عمرها البغيض ، لم يحصل اطلاقا .
بل قامت على اثر سقوط النظام الفاشي العنصري سلطة تحمل ديمقراطية هلامية ، ظاهرها حق وباطنها الباطل . وتسلطت قوى واحزاب وتيارات سنية وشيعية وكردية وتركمانية ومكونات اخرى شاركت هي ايضا على حساب جماهيرها بخلطة السم الديموخرافية الجاهرة امريكيا ، وتم الترويج لها وتجذيرها بشتى الوسائل ، كان للوازع الديني ، وخاصة الشيعي دور كبير في نموها وترسيخ جذورها ، وتعطيل دور الشارع الجماهيري الحقيقي ، وسحب البساط من تحت اقدام الجماهير الحقيقية ، لقوى شعبوية لا تعرف تفسير لكلمة " سياسة " ، او "تظاهر " . واطلاق يدها بكل شئ بالعراق " الجديد " من مال وسلطة وجاه ، واجهضوا على البقية الباقية من البنى التحتية ، وتخريب وتعطيل ما تبقى من قطاع عام وبعض ما يؤمن العيش البسيط لقطاعات واسعة من الجماهير العراقية .
فتم تفكيك المصانع ، وبيعها خردة لدول الجوار . ونهبت خزينة الدولة ، وثروات العراق ، وخاصة النفط الذي استبيح بشكل يفوق العقل والخيال . وبرزت عدة طواهر غريبة ولم يجد الناس للان لها تفسيرا ، مثل نفوق الاسماك في انهار المنطقة الوسطى والجنوبية من العراق .. وسريان حرائق محاصيل الحبوب بشتى انحاء العراق ، مترافقة مع حرائق لمؤسسات رسمية ومولات ، واسواق عراقية مشهورة .
فالطغمة الاوليغارشية الحاكمة بواسطة ممثلي احزابها الاسلاموية ، والقومية " كردية وتركمانية " ، وبقية المكونات العراقية الاخرى ، عمقت بشكل كبير التمايز الطبقي ، وافقرت الطبقة الدنيا من الجماهير الكادحة ، وظهرت مجاميع لا عد لها ولا احصاء من ناهبي المال العام ، من مختلف هواة السياسة الجدد. واصبحت السياسة مهنة العاطلين وشبه المثقفين ، وحتى بعض قطاع الطرق ، والعاطلين ايام نظام البعث من مصفقي ومروجي النظام ، وبقايا فدائيي صدام وجيش القدس ، واصدقاء الرئيس ، حيث غيروا وبسرعة البرق ولاءاتهم القديمة ، وانخرطوا ضمن الصفوف " السياسية الجديدة " ، وفق المصطلح المشهور : " كلمن ياخذ امي يصير عمي " .
وهو ما خرب الدولة العراقية وحرف مسارها ، وزاد من الغث السمين بين جنباتها ، وبدل ان يجري بناء دولة المؤسسات ، وتحسين الاداء الحكومي ، وتطوير اساليب الادارة الحكومية ، والتخلص من البيروقراطية المتجذرة داخل المؤسسات الرسمية العراقية ، زادت اساليب ترويج المعاملات وتعقدت للاسوء ، ووجد المواطن نفسه بين ادارات بيروقراطية عفنة ، تمارس اساليب شبه ارهابية لارعاب المواطن واذلاله ، واجباره على تقديم الطاعة للموظف الجالس بتجبر وراء كرسي محمي من قبل السلطة الجاهلة ، مما يجبره على الرضوخ وتقديم الرشى ، والخضوع للامر الواقع ، بعد ان يمر بين دهاليز ادارية معتمة ومخيفة ، وتظل اساليب السلطات العليا هي .. هي نفسها وهي تمارس الخداع السلطوي على الجماهير بالقاء القبض بين فترة واخرى على احد ضعاف النفوس من الموظفين او المحتالين ممن يرتزق بدريهمات معددوات من اجل رشوة مواطن او النصب عليه لانجاز معاملة ، او تعيين بوظيفة لا وجود لها ، وهو أي هذا المحتال لا يمثل جزء من مليون ، مما يقوم به كبار الحيتان من النصابين والمرتشين واللصوص الكبار داخل هرم الدولة وخاصة من هم بقمة الهرم من النواب والمتنفذين ، والدلالين الجدد ، و" قادة " البلد من " المعصومين " .
بينما يسرح ويمرح كبار السلطويين ، والمتنفذين والحاشية الملحقة بهم ، وهم يتجولون ببلاد الله الواسعة بما فضل عليهم المحتل بموجب قوانينه المفصلة على مقاسهم بعضهم على بعض ، خاصة بالجوازات الدبلوماسية لهم ولعوائلهم ، ورواتب تقاعدية خيالية ونفوذ يظل مستمرا كل حسب موقعه الحزبي و " اللگلگی " .
وللمقال بقية .......
 
*شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج من حملة مكعب الشين الشهير