المرجعية وفصل الخطاب /رضوان العسكري

الثلاثاء - 18/06/2019 - 08:43


الاصرار على الفساد والمحاصصة, والكذب والتدليس, والشعارات الزائفة مع الشعب، هو من دفع بالمرجعية الدينية، للضغط المباشر على الحكومة والبرلمان، لتصحيح مسارهم الخاطئ الذي يسيرون به، بغية مصالحهم الحزبية والفئوية على حساب الوطن والمواطن.
بعد انتهاء خطبة الجمعة التي القاها العلامة السيد (احمد الصافي) وكيل المرجعية الدينية، ليوم ١٤حزيران ٢٠١٩ في الصحن الحسيني الشريف، واستذكاره الذكرى الخامسة لصدور (فتوى الجهاد الكفائي) بكل ما حققته من انجازات ونجاحات امنية، انقذت مستقبل بلد باكمله، ثم تلته بانتقاد لاذع للبرلمان والحكومة، ذهبنا نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، لنجد الاختلاف الواضح، في فهم الخطبة وتفسيرها، بعدما تركوا اهم ما جاء فيها، وذهبوا بتفسيرها وتحليلها حسب اهوائهم ورغباتهم.
فكلاً اخذ منها ما يريده لنفسه، وما ينسجم مع تطلعات احزبه، وما يتوائم مع افكاره، بينهم من انتقى بعض المفردات والعبارات، التي أراد منها ابعاد بعض المقاصد التي تطاله وحزبه الذي ينتمي اليه، ورميها في ساحة الآخرين.
 وهناك من اعتبرها إهانة مباشرة للسياسيين، ومنهم من فهمها تهديداً للحكومة، وقليلاً منهم قال بتشخيص الأخطاء وقرؤها بكل تفاصيلها.
فهي لا هذا كله ولا ذلك كله، وانما فيها الكثير من النقاط الجوهرية، التي اشارت لكل ما يدور في كواليس السياسة، فبعد استذكار (فتوى الجهاد الكفائي)، اشارت الى الاخطاء والفشل الذي منية به الاحزاب المهيمنة على القرار السياسي، والصراعات القائمة فيما بينهم من جهة، ومع حكومة عبد المهدي من جهة اخرى، وهذا ما يعرفه غالبية الناس، لكنهم يغمضون اعينهم عند مشاهدتها، ويصمون آذانهم عند سماعها، ويطلبون من المرجعية التحدث بها.
أشارة الى خلافات سرية وعلنية بين احزاب وكتل سياسية معينة، ممسكة بزمام الامور، تريد المحافظة على مواقعها، واخرى استغلت الفتوى، وبرزت خلال الحرب مع داعش، تسعى لتكريس حضورها، والحصول على مكتسبات ومواقع معيّنة، اهمها وزارة الدفاع والداخلية، وعدد كبير من المناصب غير المعلنة.
 لازال الصراع قائماً فيما بينهم، لعدم توافقهم على المحاصصة, واقتسام ما يعتبروه مكاسب ومغانم انتخابية، وهو الاسباب التي تمنع الحكومة من استكمال الكابينة الوزارية، وهذا ما ألقته المرجعية في ساحة الاحزاب السياسية والبرلمان.
اما الفساد المستشري في البلد، الذي لم يلاقي خطوات عملية من الحكومة لمكافحته، او للحد منه، ومحاسبة المتورطين به، واستفحال البيروقراطية الإدارية, وقلة فرص العمل, والنقص الحاد في الخدمات الأساسية، ألقته في ساحة الحكومة,
وطالبتهم بتعديل القوانين التي منحت امتيازات مجحفة لفئات معينة، على حساب سائر الشعب.
بكل تأكيد سيذهب المستمع لكلام المرجعية حول القوانين المجحفة، الى (محتجزي رفحاء) فقط، ويتناسون شبيهتها التي شرعت من اجل السياسيين، وغيرها شرعت من اجل الاجهزة الامنية القمعية للنظام السابق، التي تنشر قوائمهم على التواصل الاجتماعي بين فترة واُخرى، والمليارات التي استلموها بأثر رجعي، تضاهي كل ما اخذه السياسيين جميعاً، كلاً يفهم الامور بما يريده هو لا بحقيقتها هي.
دعت المرجعية الى ترك الخلافات الأخيرة، التي اثيرت داخل الاحزاب نفسها، والصراعات العشائرية, والمشاكل الامنية, والطائفية هنا وهناك، وللإسراع في معالجتها، ومعالجة مشاكل المناطق المتضررة من الحرب على الاٍرهاب، وهذا الامر ذكرنا بطرح السيد (عمار الحكيم)، بعد الانتصار على داعش، عندما طالب "بإعادة إعمار المناطق المحررة ومناطق المحررين" كي لا تستغل جهة على حساب جهة اخرى، كي لا تكون حجة لإثارة النزاعات الطائفية والمناطقية.
كما طالبت بفرض الأمن والاستقرار في تلك المناطق، لأن لا تستغل من البعض وتصبح حواضن لإيواء الإرهابيين، فتلك المناطق تحتاج الى تطبيع الأوضاع فيها, وتوفير الامن لها، على اسس مهنية تراعي حرمة المواطن وتمنحه فرصة العيش بعز وكرامة، وهي إشارة واضحة لاستغلال بعض الجهات المحسوبة على القوات الامنية، للأوضاع تلك المناطق، لأنها ستزيد من آلامهم ومآسيهم، وتصبح بوابة لإعادة الوضع الى أسوء مما كان عليه في السابق.
يجب ان تتعامل الجهات المعنية بالملف الأمني مع هذا الشأن بحذر شديد ومهنية تامة, وتولي عناية خاصة للجهد الاستخباراتي، لتشخيص المشاكل بدقة عالية، لإحباط مخططات الإرهابيين بكافة اشكالها قبل تنفيذها، وتوفير مراقبة دقيقة لحركتهم، وان لا تسمح باي إهمال او تقصير يمكن ان يستغل، وهذا الامر يجب ان يتبع في كافة مناطق العراق، ليس فقط في المناطق الغربية فحسب.
عندما تتجرد من الميولات الحزبية، ترى الكثير في كلام المرجعية، لأنها تشخص الأخطاء، وتضع كل كرة في ملعبها المناسب، وتلقي كل مسؤولية على عاتق المعني بها، لا على عاتق جهة على حساب جهة اخرى، فأغلب ما جاء فيها بعد التشخيص نصح وإرشاد، للمتصدين للمشهد السياسي، وأكثر المشار اليهم الاحزاب الكبيرة التي تتصارع على المناصب والمغانم في الأربع سنوات الجارية.
لم تحمل المرجعية الحكومة كل شيء، وانما جميع المتصارعين، ولا يتحملها رئيس الوزراء لوحده، وعليه بعد هذه الخطبة، الخروج للعلن وفضح كل ما يدور في كواليس السياسة، والبوح للشعب بالأسباب الحقيقية التي ادت الى تأخر تشكيل الحكومة، ووضع كل كرة في ملعبها، ويحمل المعنيين مسؤولياتهم.